الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هل يمكن للروبوتات البشرية أن تفكّر؟

هل يمكن للروبوتات البشرية أن تفكّر؟
14 سبتمبر 2010 09:11
ثورة حقيقية تلك التي تشهدها صناعة الروبوتات البشرية في اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة وأوروبا، ولا يكاد يمرّ يوم إلا ويظهر اسم جديد في المجتمع الروبوتي يتمتع بقدرة أكبر على الحركة وأداء المهمات المتنوّعة، ولكن يبقى السؤال: هل هذا يعني أن في وسع الروبوتات البشرية التي يطلق عليها بالإنجليزية الاسم المحرّف humanoids، أن تفكر كالبشر؟. خلال العقد الأخير من القرن الماضي، انهمك العشرات من كبار الباحثين في الذكاء الاصطناعي في “مختبر الإعلام” التابع لمعد ماساشوسيتس التكنولوجي في الولايات المتحدة، في بحوث ميدانية متواصلة لابتداع روبوتات بشرية تمتلك ما يعرف باسم “الشبكات العصبية الاصطناعية” التي تحاكي دماغ الإنسان في قدرتها على الإدراك والتفكير والتصرّف من ذاتها بحسب الظروف والمقتضيات. كان من بين أشهر العاملين في هذا الميدان التقني المعقد، باحث كبير يدعى نيل جيرشينفيلد كان يدير واحداً من أعظم المشاريع طموحاً أطلق عليه اسم “أشياء قادرة على التفكير”. وقال في وصفه لأهداف المشروع: “إنني أتطلع ليوم تغدو فيه كل الأشياء الجامدة من حولنا قادرة على التفكير والتفاعل فيما بينها ومعنا”. وسجّل جيرشنفيلد اختراقاً كبيراً في هذا الاتجاه عندما توصّل إلى ابتكار طريقة لم يسبقه إليها أحد تجعل الروبوتات قادرة على الشعور بوجودنا. وتعتمد طريقته على الحقيقة التي تفيد بأن الفراغ المحيط بنا ينتشر فيه مجال كهربائي خفيّ يشبهه جيرشنفيلد بشبكة العنكبوت، وهو يتولّد من الإلكترونات التي تتجمع فوق جلودنا على شكل كهرباء ساكنة. وعندما نتحرك فإن المجال الكهربائي يتحرك معنا. والآن تستخدم هذه الطريقة في تصوير الحركات الإيمائية للأيدي بواسطة الكاميرات المتخصصة بكشف الحقول الكهربائية وتسمح بتوجيه الأوامر إلى الكمبيوتر أو الروبوت بمجرّد القيام بحركات تتفق مع البرنامج التطبيقي المخزون في الجهاز. وقبل أن يطوي القرن العشرون سنواته الأخيرة، ظهرت في الولايات المتحدة كوكبة من علماء الذكاء الاصطناعي المتميزين الذين عمدوا إلى إخضاع أساليب تطوير الروبوتات لنظم فلسفية تنسجم مع الوسائل والطرق التي يتم بناؤها بموجبها من جهة، ومع الأهداف النهائية التي ستستخدم من أجلها. ورودني بروكس واحد من بين أشهر هؤلاء العلماء والذي اشتهر ببناء حشــرات روبوتية اكتسبت شهرة واسعة مثل الصرصور الروبوتي الضخم “أتيللا” الذي يتألف من ست سيقان وهو مصنوع من القضبان المعدنية ويتضمن عشرة كمبيوترات بالغة القوة و150 مجسّاً للإحساس بكل ما يحدث في البيئة التي ينشط ضمنها. تناقض في فلسفة بناء الروبوتات ولا تكمن أهمية “أتيللا” في الوظائف المحدودة عديمة القيمة التي يمكنه إنجازها، بل في أن بروكس كان يرى أن مستقبل الذكاء الاصطناعي سوف يتوقف على مدى النجاح في تطوير القدرات الإدراكية الذاتية لهذه الحشرات المعدنية البسيطة. وخلافاً للروبوتات الجوّالة التقليدية التي يتطلب الأمر شحنها بعدد هائل من البرامج التطبيقية حتى تتمكن من أداء وظائف محدودة تنطوي على الكثير من الغباء، فإن في وسع الصرصور “أتيللا” أن “يتعلم كل شيء انطلاقاً من لا شيء”. وهذا بالضبط ما يفعله الطفل عندما ينمو في بيئته فتنمو معه قدراته الإدراكية الخاصة من دون أن نغذّيه بالرقاقات الحاسوبية والمعالجات المصغّرة!. وعندما يتم توجيه الأمر لـ”أتيللا” ببدء العمل، تبدو سيقانه الست تتحرك بكافة الاتجاهات وكأنه صرصور مخمور. وبعد القيام بعدة محاولات متكررة لتحقيق التوازن، يتعلّم تدريجياً كيف يحرّك سيقانه بتعاقب صحيح حتى ليبدو وكأنه حشرة حقيقية. وكتب لهذه الفلسفة الطموح في بناء الروبوتات ودفعها إلى التفكير والإدراك والتعلّم من ذاتها، أن تشتهر في الأوساط الأكاديمية تحت اسم “نقلة تحت- فوق” bottom-up approach التي تندرج ضمنها كل النظريات والتطبيقات التي تهدف إلى الارتقاء بالقدرات الذهنية للروبوتات انطلاقاً من تجهيزات إلكترونية بسيطة ولكنها كافية لأن يبدأ الروبوت تطويرها من ذاته. وسرعان ما أصبحت هذه النقلة النوعية في تطوير الروبوتات تمثّل مدرسة فلسفية ترفع شعاراً ابتكارياً يقول: “إن التعلّم هو كل شيء. وأما الَمنْطَقة والبرمجة فهي ليست بشيء. وينبغي لك أن تصمم آلة يمكنها أن تتعلّم من ذاتها قوانين المنطق والفيزياء من خلال تجوّلها في العالم الواقعي”. وكان لهذه الفلسفة معارضون من أصحاب نظرية معاكسة أطلقوا عليها اسم “نقلة فوق- تحت” up-bottom approach والذين قضوا حياتهم البحثية في حشو الروبوتات العملاقة بالبرامج التطبيقية والمعالجات المصغّرة حتى يتمكنوا من محاكاة العقل البشري، وانطوت وصفتهم لبناء الآلات القادرة على التفكير على البساطة الشديدة، وهي تفيد بأن عليك أولاً أن تحقن الروبوت بالقواعد المعقدة والبرامج الضخمة حتى تتمكن من إنتاج المنطق والذكاء الاصطناعي؛ وعليك بعد ذلك أن تضيف رشّـة من الأساليب المعتادة البسيطة لزيادة قدرة الروبوت على إدراك محيطه ومنها إضافة كاميرات الرؤية وأدوات نطق الكلام ثم تعمد إلى تركيب الأيدي والسيقان والأعين الميكانيكية. ولقد وجدت “نقلة فوق- تحت” الكثير من المعارضين من أمثال عالم الروبوتات توماس دين من جامعة براون الذي انصرف للعمل فيها في بداية الأمر، ليستنتج بعد ذلك أن الروبوتات المبنية وفق هذه الفلسفة ليست أكثر من مجرّد آلات ضخمة إلى الحدّ الذي لا يؤهلها للمشي في القاعة دون أن تخلّف في أرضها حفراً عميقة. الفلسفة المختلطة وتوصل بعض المتابعين لهذه الرؤى والمذاهب لأن التطور الحقيقي للروبوتات لن يأتي إلا من خلال تبنّي فلسفة جديدة تجمع بين “نقلة تحت- فوق” و”نقلة فوق- تحت”. ويمكن الوقوف على صحّة هذا الطرح من خلال التأمل في تقنيات الذكاء الاصطناعي لسلسلة الروبوتات البشرية التي تم ابتكارها خلال السنوات القليلة الماضية ومنها: الروبوت الياباني “بارلو” Parlo الذي يعدّ منصّة لإجراء بحوث تطوير الذكاء الاصطناعي في المعاهد والجامعات ويبلغ وزنه 1،6 كيلوجرام وطوله 39.8 سنتمتر. وتم طرحه للبيع في الأسواق بسعر 3300 دولار أو ما يعادل 12000 درهم، إلا أنه لن يباع إلا للجامعات والمعاهد المتخصصة. و”بارلو” قابل للبرمجة والتدرّب على النطق ويعمل بمعالج متطور يبلغ تواتره 6 جيجاهرتز ومجهّز بذاكرة داخلية تبلغ سعتها 1 جيجابايت ويمكن إضافة بطاقة ذاكرة “فلاش” تبلغ سعتها 4 جيجابايت وبطاقة واي فاي، وهو مجهز بكاميرا رقمية تبلغ شدة وضوحها 3 ميجابيكسيل. ويعدّ نظام تمييز الكلام المنطوق من أهم خصائص الروبوت البشري الجديد، وهو يساعد على برمجته لإجراء المكالمات الهاتفية والرد عليها، كما يمكنه أداء العديد من الحركات والنشاطات الاستعراضية مثل الرقص والغناء. وأطلق الألمان الروبوت “كير-أو- بوت3” Care-O-Bot III المتخصص بخدمة العجائز والمعاقين والذي استغرق تطويره 12 عاماً ويعدّ منصّة لتطوير هذه الخدمات في المستقبل، وهو متاح بشكل مستمر أمام الطلاب والباحثين في المعاهد الألمانية لإضافة البرمجيات والحلول المبتكرة للارتقاء بخدماته وتنويعها وزيادة الدقّة في أدائها. وتتركز عناصر الإبداع التقني للروبوت الجديد بتجهيزه بمجسّات ومفعّلات وكاميرات بالغة الدقة والحساسية بالرغم من أنها لا تشغل من أصل الحجم الداخلي للجهاز إلا مساحات ضيّقة، ومن شأن هذه الميزة تسهيل إضافة الكثير من الأجهزة والمجسّات إليه في المستقبل. وانضم مؤخراً إلى المجتمع الروبوتي الروبوت “تيلينويد آر1” ليتكفّل بمهمات تعليم الأطفال من خلال إلقاء الدروس وشرحها وقراءة القصص والحكايات. ويتألف الروبوت المعلم من الناحية التركيبية من هيكل له شكل جذع ورأس طفل وقام بتطويره البروفيسور هيروشي إيشيجورو الأستاذ في جامعة أوساكا اليابانية ويعمل بنظام “أندرويد تيلينويد” للتشغيل، وهو مجهّز بتسعة مفعّلات تسمح له بتقبّل الأوامر الصوتية. و”تيلينويد آر” مجهّز أيضاً بكاميرا تتيح له ملاحظة حركات الأيدي والتصرّف وفقاً لها. ويعمل الكوريون الجنوبيون على تطوير الروبوت البشري ذي مستوى الذكاء المتقدّم “ماهرو3” Mahru3 المبرمج بحيث يقوم بعدة وظائف مثل استقبال زوّار المعارض والفنادق وأماكن التجمعات العامة والقيام بدور الدليل والمرشد، وهو من إبداع طلاب المعهد الكوري للعلوم والتكنولوجيا. كما فرغوا من بناء المضيفة الروبوتية “بورورو” Pororo التي تتخصص بالعمل كخادمة منزلية خبيرة. وكل هذه الروبوتات وغيرها تجمع بين القدرة المتواضعة على التعلم في الوقت الذي يمكنها فيه القيام بالعديد من الوظائف المبرمجة فيها سلفاً.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©