الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الأخبار من باراغواي» رواية تشرّح الحروب في أميركا الجنوبية خلال القرن التاسع عشر

«الأخبار من باراغواي» رواية تشرّح الحروب في أميركا الجنوبية خلال القرن التاسع عشر
30 يناير 2010 21:01
يعتبر كتاب “الأخبار من باراغواي” بمثابة إطلالة على تاريخ أميركا الجنوبية عبر رواية بالغة الإثارة للكاتبة ليلى توك التي قضت فترة صباها هناك، وجمعت تنوعاً من المعلومات التاريخية، وتمكنت من صياغتها في حبكة قصصية شائقة تجمع بين الدراما والكوميديا السوداء. تركز رواية “الأخبار من باراغواي” للكاتبة ليلى توك بالدرجة الأولى على شخصية الدكتاتور فرانكو سولانو لوبيز الذي خلف والده في حكم باراغواي، ثم تتطور الحبكة حول عشيقته الإيرلندية الشقراء إيلا لاينش التي قد يماثل موقعها ونفوذها في الرواية إيفا براون في الأرجنتين، والخط الأساسي الذي ترتكز عليه الرواية هو مذكرات إيلا ورسائلها إلى صديقتها الدوقة الفرنسية، وما تضمنته هذه الرسائل من أوصاف لفترة مكوثها في باراغواي وللحوادث التي شهدتها إيلا. والرواية بصفة عامة تندرج ضمن جنس الرواية التاريخية، حيث تستند إلى أحداث ووقائع تاريخية مدونة، ونجحت الكاتبة في خلط الوقائع التاريخية بأحداث الرواية من خلال حبكة روائية عالية الإتقان، أكدها الطريقة التي استقبلت بها الرواية في الأوساط الأدبية المختلفة. سفير متجول وتبدأ أحداث الرواية في باريس عام 1854 التي تصفها إيلا عبر مذكراتها بالقول: “كانت طرق العربات تعج بعربات الكاليس ذات الغطاء القابل للطي، ومركبات الفيتون الخفيفة ذات الأربع عجلات، في كل عشية، في باريس المهووسة بتقليعات الأزياء، وإذا سمحت الأحوال الجوية، يمكن رؤية الإمبراطورة أوجين مرتدية ثوباً من طراز مختلف وبألوان مختلفة، الأخضر القرمي، وأزرق سيناستوبل، وبني بسماركي، لقد تحولت البوادو بولون أخيراً من غابة مُدمرة إلى حديقة إنجليزية أنيقة”. في هذه الأجواء تصف لاينش قدوم معشوقها فرانكو من باراغواي إلى باريس مرسلاً من طرف والده كسفير متجول في أوروبا، وقالت عنه” كان يرتدي بذلة فيلد مارشال شبيهة ببذلة نابليون، سوى أن لونها كان أخضر باراجوانياً، كان قصير القامة، مملوءاً لم يبلغ حد البدانة، وكان بسيطاً واثق النفس، طموحاً عالي الحيوية، مدللاً، لم يُمنع مطلقاً عن أي شيء طلبه، وأذهل المجتمع الفرنسي، وأثرّ فيهم بثقافته، فقد قرأ “العقد الاجتماعي” لجان جاك روسو، وبإمكانه النقاش حول مسألة الفرق بين القانون “الطبيعي” والقانون “الوضعي”، وكان بإمكانه النقاش حول التصوير الفوتوغرافي، والأفضل من ذلك كله أنه كان راقصاً بارعاً رشيقاً. أما إيلا لاينش نفسها، فقد كانت غادرت إيرلندا في سنينها العشر وتزوجت من ضابط في الجيش الفرنسي لتطلق منه وهي في التاسعة عشرة، وعاشت في ذلك الحين مع كونت روسي وسيم المحيا لكنه يعاني الإفلاس. وكانت المرة الأولى التي التقى فيها فرانكو بـ”إيلا” في أحد الممرات الخاصة بجياد الركوب، حين كان يخب بحصانه على بعد خطوات خلف إيلا ورفيقها، وهناك رآها وجذبته إليها بما هي عليه من براعة في امتطاء الخيل، قد لا تتناسب كثيراً مع بشرتها البيضاء وشعرها الأشقر المسترسل، واقتفى أثرها إلى حيث تسكن وبعث إلى بيتها بإحدى العباءات الفاخرة التي كان أحضرها معه من باراغواي، وأرفقها ببطاقة تعريف منه. عندما رأى فرانكو إيلا مرة أخرى كانت مرتدية عباءة من الحرير الأزرق بلون عينيها، قد فُصّل فستانها ليكشف بياض بشرتها الذي تكاد تكون شفافة، كانت تستند على ذراع أحد الشبان ضمن مجموعة يضحكون ويتبادلون الأحاديث، وفي كل مرة تسكت فيها إيلا عن الكلام، تخرج طرف لسانها الصغير وتبلل شفتيها، وكان ذلك في حفل استقبال في قصر التوليري في باريس. حينها كان فرانكو منشغلاً بالتحديق في إيلا، حتى أنه كاد أن يضيع فرصة اللقاء بنابليون الثالث التي انتظرها طويلاً. أحلام مشتركة تستشعر إيلا اهتمام فرانكو بها، فتخاطب نفسها بعد انتهاء الحفل “هل أتخيل ذلك أم أن الرجل يلاحقني بالفعل: فأنا أراه في كل مكان، في متحف اللوفر، في البوا دو بولون، وفي التوليري”. وبعد ذلك تتناول الرواية كيفية نشوء العلاقة بين فرانكو وإيلا، وبفضل هذه العلاقة تحللت من الديون المتراكمة عليها ولم تعد تفكر كثيراً في احتياجاتها المادية التي طالما عجزت عن التعامل معها وصارت تشارك فرانكو أحلامه حول بلده باراغواي حين كان يقول لها: “بعد عودتي لوطني سأعمل على جعلها بلداً تماثل فرنسا، سأشيد داراً للأوبرا، ومكتبة، ومسرحاً، وجادات عريضة بشوارع مرصوفة، وحدائق بها أشجار باسقة، وبالإضافة إلى ذلك سأجعل من باراجواي البلد الأكثر أهمية وقوة وسيكون لها شأن في أميركا الجنوبية بأسرها”. تعرج المؤلفة إلى وصف رحلة إيلا مع فرانكو لدى عودته على متن سفينته الخاصة، والتي تبلغ حمولتها 500 طن، وحملها فرانكو كل الأشياء التي جمعها بالإضافة إلى مقتنيات إيلا، ومنها المهرة الشهباء التي كانت سبباً في التعارف بينهما، حرص على شرائها ثم إهدائها إلى إيلا، وكنت الرحلة متجهة في البداية إلى بوينس إيرس، حيث أقامت لعدة أشهر هناك قبل أن تلحق بفرانكو في أسنثيون. حيث أراد لها فرانكو البقاء في أحد فنادق بوينس آيرس إلى أن تضع طفلهما، ويقوم بإعلام أسرته عن إيلا لاينش قبل وصولها إلى باراغواي. ثم تصف إيلا بوينس أيرس نفسها، قائلة:”كانت ملأى بعديد من المسارح ودار للأوبرا، وبها متحف للتاريخ الطبيعي ومكتبة عامة وعدد من النوادي، كان النادي الشعبي التقدمي يوفر لأعضائه غرفة للمطالبة وطاولة للعب البلياردو وصالة نقاش تُعلق فيها أخبار التجارة لكل يوم على لوح اردوازي”. أما أفضل ما تحتويه بالنسبة إلى إيلا، فهو حفل شهري يُعد الأكثر روعة في كل أميركا الجنوبية، وهذه المدينة التي شيدت بنظام واتساق، تحوي العديد من الحدائق ومناطق النزهة العامة وبلازا فيكتوريا وهو أكبر الميادين وأكثرها أناقة، فقد احتفل فيه بذكرى الثورة واستقلال جنوب أميركا بتشييد مسلة نقش عليها 25 مايو 1810. تحدثت لاينش عبر مذكراتها عن انشغالها في أعماق المجتمع داخل بوينس أيرس إلى حين سفرها إلى أسنثيون. حرب باراغواي تقول لاينش:”أحاول أن أشغل نفسي بشيء ما في العشيات فإما أتوجه إلى ميدان فيكتوريا، أو أزور المعالم في صحبة خادمتي، وكوّنت صلات مع العديد من العائلات المحلية التي كانت ودودة ومضيافة تجاهي، حيث أمضيت العديد من الأماسي المبهجة في بيوتها”. وبعد أن وضعت إيلا طفلها خوان فرانسيسكو، ركبت باخرة أميركية والتحقت بفرانكو في أسنثيون وعلى ظهرها التقت بزوجة المبعوث الأميركي لباراجواي التي كانت هي الأخرى تنوي الالتحاق بزوجها للمرة الأولى هناك. ولدى وصولها إلى حيث يقيم فرانكو تدور محاورات عديدة عديدة بين لاينش وفرانكو من خلالها يتم التعرف إلى الأحوال السياسية السائدة التي كانت في تلك الأيام، وعبر أحداث الرواية، تحدثت المؤلفة عن دور لاشيا في حياة فرانكو، كما تتناول استيلاء فرانكو على الحكم بعد وفاة والده، ومسؤوليته عن حرب باراغواي، التي تعرف بحرب الائتلاف الثلاثي، حيث تحالفت فيها البرازيل والأرجنتين والأوروغواي، ودُمرت فيها باراغواي عملياً، فبعد سيطرة فرانكو على الحكم دعم ركائز سلطته بمساعدة الجيش. ولم يظهر فرانكو أي تفهم يذكر لحاجة بلده للبقاء محايداً في النزاعات بين عملاقي أميركا الجنوبية البرازيل والأرجنتين. التحالف الثلاثي سمح فرانكو لنفسه بأن ينجرّ في نزاعات حدودية مع البلدين ويصبح متورطاً في حرب أهلية مشتعلة في باراجواي تشارك فيها كل من البرازيل والأرجنتين، حيث أراد أن يحتل دور المحكم ليحتل مركز الصدارة في سياسات أميركا الجنوبية. لكن نتيجة لتشابكات سياسية معقدة وجد فرانكو نفسه متورطاً في حرب مع البرازيل، وخرق فرانكو رغبة الأرجنتين في أن تظل على الحياد عندما طالب بحقه في نشر قواته في مقاطعة كورينتس الأرجنتينية وبالتالي حرض على قيام التحالف الثلاثي ضده في مايو من العام 1865. ومن خلال هذه المذكرات وما تضمنته رسائل لاينش إلى صديقتها الدوقة الفرنسية عمدت مؤلفة الرواية على نقل كل تفاصيل الحياة داخل أميركا الجنوبية في نهايات القرن التاسع عشر وهو ما نجحت فيه الكاتبة إلى حد بعيد، ما حدا بوضع مؤلفها ضمن أهم المؤلفات التي ترجمت إلى العربية وتناولت هذا الجزء من العالم الذي لم نعرف عنه سوى من خلال كبار الروائيين هناك مثل ماريو فارغاس للوسا، و غابرييل غارسيا ماركيز
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©