الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دولة أباطرة المغول في الهند.. فتوحات وفنون وسحر

دولة أباطرة المغول في الهند.. فتوحات وفنون وسحر
4 يوليو 2014 01:00
د. أحمد الصاوي (القاهرة) حاول المغول منذ ظهور جنكيز خان على مسرح الأحداث في بدايات القرن السابع الهجري أن يسيطروا على الهند، ولكن هجماتهم باءت بالفشل أمام بسالة الجنود الأفغان الذين عملوا في خدمة الأسر الحاكمة بالهند، وأحرز المغول انتصارهم الأول على يد تيمورلنك الذي اكتفى بالسلب والنهب دون البقاء في الهند وعاد لحاضرته في سمرقند راضياً بما غنم من الجواهر والذهب. وجاء الانتصار المغولي الثاني على يد ظهير الدين محمد بابر شاه حفيد تيمورلنك الذي كان حاكماً لكابول في قلب بلاد الأفغان بعد انسحابه من بخارى وسمرقند أمام قوة الأوزبك الشيبانيين ويبدو أن جنوده من الأفغان أغروه بأن يعوض خسارته في الغرب بنصر كبير وملك عريض بالهند، وواتته الفرصة عندما استعان به محمود اللودي حاكم لاهور ضد إبراهيم اللودي سلطان دهلي فزحف بجيشه ليستولي على المدينة رغم أن قواته لم تتجاوز 15 ألف مقاتل، ولكن تنظيمه الدقيق لقواته واستخدامه للمدفعية التي لم تكن معروفة بالهند مكنته من تحقيق النصر على مئة ألف مقاتل في العام 932 هـ. معركة فاصلة ومن دهلي أرسل بابر ابنه همايون ليستولي على أكرا فدب الرعب في نفوس الملوك الهندوس الذين أمنوا العيش مع الحكام الضعاف لدهلي فتنادوا من كل حدب وصوب وانضم إليهم الحكام المسلمون استعدادا لمعركة فاصلة ضد سيد الهند الجديد وفي تلك الواقعة تجلت عبقرية بابر العسكرية عندما اقسم أمام جنوده على الإقلاع عن شرب الخمر وكسر كؤوسها ليرفع الجميع المصاحف مع القسم على النصر أو الشهادة ونجح بمدفعيته في تشتيت شمل فيلة الجيوش الهندية لتستقيم له الأمور في أغلب ممالك الهند. ورغم أن بابر عاد لشرب الخمر إلا أنه لم يغفل لحظة طوال سنوات حكمه الخمس للهند عن تحسين معيشة رعيته فحفر الترع وعني بالري وزراعة الأشجار وشق الطرق ووضع عليها محطات البريد فيما بين دهلي وعاصمته في كابول وبعد وفاته العام 937 هـ جلس ابنه همايون على عرش البلاد. مسرح الأحداث واجه السلطان الجديد تمرداً واسعاً ليس فقط من الهندوس والقادة الأفغان بالهند بل ومن أخويه هندال مرزا وعسكر مرزا وظهر على مسرح الأحداث القائد الأفغاني شير شاه السوري نسبة لقبيلة سور الأفغانية الذي نجح في جمع شتات القوى العسكرية الأفغانية وهاجم بها جيش همايون مرتين أحرز فيهما نصراً مؤزراً أجبر همايون على الفرار إلى أفغانستان أولاً ثم إلى أصفهان ليعيش لاجئاً سياسياً في بلاط الشاه طهماسب الصفوي. ومن الطريف أن همايون أشرف على الغرق في أحد الأنهار أثناء انهزامه لولا سقاء يعرف باسم نظام أعطاه قربته ليسبح عليها وينجو ونظير ذلك وعده إن عاد لحكم الهند أن يعطيه حكم البلاد لنصف يوم ووفى همايون بوعده للرجل عندما نجح في استعادة سيطرته للهند فجلس السقاء على عرش الهند نصف يوم نال فيه هو وأفراد أسرته ثراء لا يحد ولم يخالفه همايون في رغبة أبداها. ومهما يكن من أمر فقد حكم شيرشاه السوري الهند بمزيج من العدل والرأفة بالفلاحين والتنظيم الإداري الجيد فكان بحق أعظم ملوك المسلمين بالهند وأكثرهم كفاءة وورعاً وتعود شبكة الطرق الرئيسة بين مقاطعات الهند وما كان بها من محطات للبريد لهذا القائد المحنك، فضلًا عن أنه هو من نقل دهلي العاصمة لتطل على نهر جمنا، وكان شيرشاه يسير مركبين في كل عام لتيسير الحج على المسلمين بلا أجرة. التسليح والتنظيم ولكن خلفاء شير شاه سرعان ما دبت بينهم الخلافات وعندها وثب همايون على كابول ومنها إلى دهلي ونجح بقواته القليلة العدد والجيدة التسليح والتنظيم في استعادة السيطرة على ولايات الهند الواحدة تلو الأخرى بدءاً من العام 962 هـ قبل أن توافيه المنية في العام التالي ويجلس ابنه جلال الدين أكبر على عرش الهند. وجلال الدين أكبر هو أعظم سلاطين دولة المغول بالهند ونجح في إدماج القوميات والديانات المختلفة بالهند وبناء دولته الفتية. ومن بعد جلال الدين أكبر تعاقب الأباطرة الكبار على حكم الهند التي خضعت ولاياتها المختلفة عنوة وصلحا لسيطرة ملوك المغول وفي عهدهم شهدت الهند أوج ازدهارها الحضاري والاقتصادي وذاعت شهرتها في العالمين كرمز للرخاء والثراء الفاحش وهو ما أثار شهية الاستعمار الأوروبي لتجد الهند نفسها فريسة في قبضة الاحتلال البريطاني. بلغت دولة مغول الهند أقصى اتساع لها في عهد أكبر ولم يبق خارجاً عن سيطرتها في شبه القارة الهندية سوى الطرف الجنوبي القصي حيث ممالك بيجابور وكلكنده الإسلاميتين ومملكة فيجايانكر الهندوسية. ممتلكات دولة المغول حافظ ابنه جهانكير أي القابض على العالم بفضل حنكته وقوة شخصيته على ممتلكات دولة المغول بالهند خلال سنوات حكمه التي امتدت من العام 1014 إلى العام 1037 هـ وهو أول ملك مغولي من أم هندوسية وبتوليه تعزز الطابع القومي الهندي الذي حاول أكبر صبغ مملكته به. وتوالى على عرش البلاد حكام أقوياء لعل أشهرهم شاه جهان صاحب التحفة المعمارية الخالدة تاج محل تلك الروضة التي شيدها تخليدا لذكرى زوجته المحبوبة ممتاز محل. وبدءا من عهد السلطان أورانكزيب بدأت الأطماع البريطانية تتزايد في الهند وأعطت شركة الهند الشرقية مركزا قويا للبريطانيين في البلاد فبثوا الفرقة بين عناصر الشعب مستغلين تشدد السلطان الجديد مع غير المسلمين من رعاياه ورغم نجاح أورانكزيب في ضم مملكتي بيجابور وكلكنده لدولته إلا أن من تولوا المُلك من بعده لم يفلحوا في صد هجمات البرتغاليين والبريطانيين على البلاد بل أن نادر شاه الفارسي نجح في دخول دهلي العام 1803 م. شبه القارة الهندية عالم حافل بأجناس وعقائد ولغات شتى، ومنذ القدم هذا العالم له شخصيته المستقلة وفلكه العقائدي والفلسفي الخاص، اقتحم الإسكندر الأكبر بلاد الهند غازياً وخلف وراءه تأثراً كبيراً بفنون الإغريق، ولكن دون تبديل كبير في شخصية الهند. وبدءاً من عام 92 هـ دخل الإسلام إلى الهند من جهة السند والبنجاب، ولكن نجاحه الأكبر كان في جنوب البلاد عبر التجارة الموسمية لينتشر الإسلام سلمياً بين الطبقات المقهورة والفقيرة هناك، وبدورهم نقل الهنود المسلمون دعوة الإسلام وحضارته إلى ما جاورهم من جزر المحيط الهندي وسواحله الجنوبية. أدرك المسلمون مبكراً أنهم يدخلون عالماً خاصاً فتعاملوا معه برفق يناسب البلد الذي كتب عنه البيروني كتابه الشهير «تحقيق للهند من مقولة في العقل أو مرذولة»، فكان الإنتاج الفني للهند في العمارة والفنون الإسلامية عروة وثقى بين روح الفن الإسلامي وشخصية الهند التليدة، هنا وعلى مدار الشهر الكريم نعرض لأهم ملامح إسهامات الهند في الفن الإسلامي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©