الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تسييس الدين في سويسرا

30 يناير 2010 22:28
بشكيم إيسني عالم سياسة بجامعة لوزان بدأ عام 2010 صعباً بالنسبة للعلاقات بين أوروبا ومسلميها. فما زال استفتاء 29 نوفمبر الماضي بمنع بناء المآذن يثير توابع احتجاج متتالية في سويسرا وفي الخارج. ويشير المنتقدون للاستفتاء ليس فقط إلى الطابع التمييزي للتصويت ضد الأقليات الإسلامية، وإنما أيضاً إلى الصورة السلبية التي يكرسها عن سويسرا في كافة أنحاء العالم. وما زال الكثيرون هنا يحاولون فهم العوامل المختلفة التي أدت إلى تلك النتيجة التي انتهى إليها الاستفتاء. وهنالك بالطبع التجاذب القائم باستمرار والمتعلق بعدم توافق بعض المسلمين والواقع الثقافي في سويسرا، الذي تثيره الدوائر السياسية العقائدية المتطرفة مثل الحركة ضد أسلمة سويسرا. هذا إضافة إلى خوف بعض السكان المحليين من الهجرة. ومفهومٌ أن المسلمين الذين يمارسون دينهم في سويسرا يفعلون ذلك بأسلوب متناسق مع التقاليد الدينية والمذاهب الفقهية في دولهم الأصلية، والتي تحتوي في الواقع على توجهات ليبرالية مرنة تستطيع تقبل "إسلام أوروبي" وممارسته حتى لو كان ذلك في دول علمانية. والواقع أن بعض مذاهب الفكر الإسلامي تعتبر متسامحة ومتماشية بشكل جيد مع الثقافة السويسرية والأوروبية، ولكنها غائبة بشكل كبير عن الحوار العام في المجتمع السويسري. وقد أثار استفتاء المآذن على أقل تقدير حوارات مهمة داخل المجتمع السويسري نفسه حول التكامل، وإيجاد التناغم بين الهوية الإسلامية والقيم السويسرية، وبالذات المساواة في النوع الاجتماعي، إضافة إلى التعليم العلماني ونظام الرعاية الصحية العام. ويساهم هذا الحوار كذلك في إيجاد شريحة جديدة في الضمير العام هي "المواطن المسلم" والاعتراف بهويته كواحدة من الهويات الأصلية في سجل سويسرا ووجدانها العام. والاستخدام العام لهذا التعبير سيجمع معاً في كتلة واحدة كافة المسلمين من أصول اجتماعية ولغوية مختلفة، ويصقلها معاً بالتدريج ضمن مجموعة سياسية موضوعية تحدد هويتها، وتعرف التركيبة الاجتماعية لمسلمي سويسرا. ولكن ذلك قد يساهم بوضوح في تسييس الإسلام في سويسرا، وهنا المشكلة. وقد تخدم هذه الظاهرة المحتملة بعض اللاعبين المتشددين في المجال الديني السياسي في سويسرا، الذين يردد الإعلام السويسري كلماتهم بشكل واسع، الأمر الذي قد يزيد في تفاقم التوترات. وعلى سبيل المثال، ناشد رئيس الرابطة الإسلامية في كانتون "تسينو" بإنشاء حزب إسلامي سياسي في سويسرا بعد أسبوع من الاستفتاء. ويستغل أفراد ومجموعات كهؤلاء نافذة الفرص للتنظيم من منظور ديني، ويطرحون أنفسهم كما لو كانوا ممثلين لجميع المسلمين في سويسرا. وطبعاً لا يمثل هؤلاء الناطقون المتشددون باسم المسلمين السويسريين الذين عيّنوا أنفسهم في هذا المنصب، بأي أسلوب أو مجال، التنوع الداخلي لهذا الشعب. ويناقض طرحهم طرح الممثلين العلمانيين والدينيين لغالبية واسعة من المواطنين المسلمين والمجتمعات المسلمة في سويسرا، وقد يسكت أصواتاً مؤثرة عن الإسهام في الحوار عما يعنيه فعلاً أن تكون مسلماً في سويسرا. ثم إن الحوار المستمر يكشف سوء فهم للواقع الاجتماعي للمسلمين في سويسرا. فعلى رغم الهجوم العنيف والمتنامي، لا يُعرَف الكثير عن هذه المجموعات المتناثرة، وكيف تنظر إلى الحداثة الثقافية والسياسية، ومنظورها الحقيقي للمجتمع السويسري وحياتها الاجتماعية المهنية في البلاد ودرجة اندماج أفرادها. إننا نتحدث بشكل رئيسي عن أناس وجاليات من البلقان (كوسوفو، مقدونيا، الصرب والبوسنة والهرسك) ومن الدول التركمانية (أذربيجان وكازاخستان وقرغيزستان وتركمانستان وتركيا وأوزبكستان) الذين يمثلون بشكل واضح الغالبية الصامتة من مسلمي سويسرا ويشكلون 80 في المئة منهم. وإضافة إلى ذلك، تعرّف أقلية صغيرة جداً نفسها على أنها متدينة بقوة، وتبلغ هذه النسبة 10في المئة من مسلمي سويسرا حسب استطلاعٍ جارٍ تشرف عليه جامعة لوزان. وهذه النسبة تماثل نسبة من يمارسون ديانات أخرى بقوة في سويسرا. وحتى يتسنى تجنب شرك تسييس الدين، على كلا الطرفين، في سويسرا وجعل المجموعات الدينية تتعايش بسلام، فإننا نحتاج لفهم أفضل لهذا الشعب المتنوع. ويتعين علينا أولاً تخصيص الموارد لبناء الجسور وتيسير التواصل والعقل المنفتح حتى نفتح آراء الغالبية الصامتة في الجانبين. وكذلك يجب إنشاء إطار مؤسسي مؤقت لتشجيع مشاركة ممثلي المجتمعين المدني والسياسي الديمقراطية، من العلمانيين والمتدينين، في الحوار القائم. وبشكل أكثر دقة، يتعين على الرؤية المجتمعية لمسلمي سويسرا وقيمهم أن تنتقل بوضوح إلى المجتمع السويسري الأوسع. وستسهم إجراءات كهذه في تمهيد الطريق لحوار بنّاء بشكل صادق وأصيل في صفوف السكان المسلمين في سويسرا، وفي المجتمع السويسري ككل. ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©