الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«أفريكوم».. واستقرار النفوذ

8 أكتوبر 2017 22:13
جاءت الضربة القوية من قِبل قوات أفريكوم (القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا)، على مناطق صحراوية في جنوب «سرت» بليبيا في الأسبوع الأخير من سبتمبر الماضي، ذات دلالات متعددة. فقد أحيطت بتغطية إعلامية واسعة أيضاً تقول إنها أول ضربة على ليبيا في عهد إدارة ترامب، وإنها ليست في مجال البحث عن دور أميركي في ليبيا، وإنما هي لمتابعة «داعش» بالأساس. وعلى رغم أنها استخدمت سلاح الطيران القوي، فكأن إدارة ترامب تريد أن تفتتح عهدها باستعراض قوتها في جبهة الشمال الإفريقي، مثل ضربة أوباما السابقة القوية أيضاً قبل يوم واحد من مغادرته السلطة يوم 19 يناير 2017! ليقول الوداع كرجل سلام، ولكن كرجل قوي بالأساس. وهذه الاستعراضات للقوة العسكرية بالذات هي التي تظل تذكر بأن العولمة تعني العسكرة.. وفي تقديري أنه تجري في العالم محددات جديدة للانتقال من العولمة إلى «العالمية» الجديدة متعددة الأطراف، بعدما أوحت العولمة بأنها باتت مركزية أميركية أو أوروبية فقط في أحسن الأحوال مع تركيز أميركي على العسكرة. إن «العالمية» أعطت الصفة أولاً لمجموعات الإرهاب التي بتنا نحسبها مركزية الإدارة هي أيضاً بدورها. وأظن أننا جميعاً نعرف أن الظاهرة لم تنتهِ وإنما يجري تشكلها في صيغ من العنف الفردي والجماعي على مستوى عالمي. ولذلك نرى أن قوات رادعة مثل قوات «أفريكوم» التي سعت منذ بدايتها لتكوين قيادة «الساحل والصحراء» من رؤساء أركان حرب أميركية وإفريقية في عام 2001 وبدعم لجانبها السياسي أطلقه القذافي حينها... ومن هذه البداية انطلقت التحركات لبناء «الأفريكوم» التي تاهت قواتها ومهمتها في الصحراء، بما بدا لنا عدم قدرة على بناء مقر دائم. وإذا بها تجرب بضربات متنوعة من النيجر إلى الصومال على رغم استمرار مقرها المركزي في شتوتجارت (ألمانيا). وبالضربة الأخيرة التي بدت موجعة لبعض تجمعات «داعش»، كشفت التعليقات عن معانٍ جديدة لدور «أفريكوم» في الشمال الإفريقي. فهي كانت تتحدث دائماً عن بناء «كبارٍ صحراوية» بين جنوب الصحراء وشمالها، وها هي تفعل في ليبيا. وهي لم تكشف كثيراً من قبل أنها تربط دورها في غرب أفريقيا خاصة بمحاربة جموع الهجرة غير الشرعية وقطع طريقهم إلى أوروبا، وليس مجرد إرهاب «داعش». وهي في ذلك لا تتحدث عن دور في ليبيا قدر حديثها عن هذا «الكوبري» وخطورته. ولذا تهمها المصالحة في ليبيا وإن لم تشارك بجهد فيها، إذ إن الدور هنا متروك لفرنسا وإيطاليا، وإن لاحظنا في بيانات «أفريكوم» مؤخراً الحديث عن التنسيق مع حكومة الوفاق في طرابلس وزيارة رئيس أركان «أفريكوم» لرئيس الوزراء الليبي، وإبداء الارتياح للقائد حفتر. ومعنى ذلك أن «الكباري» الصحراوية ربطت «أفريكوم» بالشمال الإفريقي وليبيا خاصة، وبرزت لـ «الافريكوم» عدة أهداف تشارك الهدف المبدئي المبكر الذي جاء في وثائقها الأولى عن مواجهة الإرهاب (مالي والنيجر)، والأبرز من ذلك كان بالنص: «حماية تزايد الاعتماد الأميركي على مصادر الطاقة الإفريقية»، ويليه مباشرة: «مواجهة نمو العلاقات بين الصين والدول الإفريقية بسبب استيراد الصين للنفط». والآن لم تعد «أفريكوم» مجرد أداة عسكرية رادعة، ولكنها تكاد تكون «قوة ناعمة»، وإن بدأت بضربة ترامب في اتجاه ليبيا. لابد أن الولايات المتحدة بدأت تنقل التزامها من مجرد العولمة بهيمنتها ونفوذها العسكري فقط، بل لابد أن تتعامل في مجالات أخرى أصبحت «عالمية وليست «عولمية»، بمعنى أن الإرهاب نفسه بدا متعدد الأطراف العالمية، وكذا أطراف كثيرة أصبحت ذات قوة حضور عالمية مثل روسيا والصين والهند والبرازيل دون سيطرة عسكرية، وهي التي كانت مجرد ملحقة بالعولمة، فتفتحت أمامها الفرص الدولية. كما بدأت دول صغيرة تبحث عن «أدوار وطنية»، أو أن سلوك الدول الوطنية في إقليمها على الأقل يختلف كثيراً أو قليلاً مع الولايات المتحدة. ولذا لاحظنا في مواقع «أفريكوم» مسعى لمجالات أنسنة عالمية بديلاً عن العولمة العسكرية مثل التأهيل الاجتماعي والصحفي والصحي وإنشاء منتديات الشباب.. في أنحاء القارة. ضربة ليبيا الأخيرة يبدو أنها لإثبات وجود «أفريكوم» عسكرياً في إطار العولمة، بينما تبغي الولايات المتحدة أن تدخل مجالات السلوك العالمي كعنصر استقرار للمصالح الأميركية. * مدير مركز البحوث العربية والإفريقية- القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©