الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سياحة الثورات!

20 يونيو 2011 21:01
ثمة بلدان اشتهرت بالسياحة الدينية، وأخرى عرفت كمقصد للسياحة الصحية، وطبعاً تبقى الوجهات البارزة للسياحة التقليدية بحثاً عن بيئات غير ملوثة وعن الشمس والبحر، فحيثما تقدم الطبيعة أجمل ما عندها والتاريخ أفضل ما ابتكرته بدايات الإنسان تكون هناك جاذبية لسياح الصيف وسائر الفصول. وها هو ملحق السفر لصحيفة "الغارديان" البريطانية يحثُّ على ما يمكن أن يدعى "سياحة الثورات" ويخبر الراغبين بأن هذا هو الوقت "الأفضل" على الإطلاق لزيارة مصر وتونس. فلا ازدحام في المواقع السياحية، ثم أن هناك عروضاً للسفر والإقامة بأسعار مغرية، بالإضافة إلى "روح ثورية" قد يكون السياح المفترضون واكبوها في الأخبار وسيتاح لهم الالتحاق بسياقها عن كثب. بعد الثورتين اللتين حققتا أهدافهما الرئيسية، وجعلتا شعبي مصر وتونس يعيشان لحظة مهمة في تاريخهما، انكشفت المرحلـة الانتقالية بدءاً من اليوم التالي عن صعوبات وتحديات. وأولها اهتزاز الاستقرار وانكماش الأعمال، وبالأخص انقطاع قوافل السياح التي تؤمن دورة العمل للعديد من القطاعات ولآلاف العائلات التي تعتاش منها. لكأن وجود هؤلاء الأجانب لم يكن يضخ الموارد فحسب، بل يشذِّب الاستقرار ويحتمه، ويضفي أجواء أمل وتفاؤل، في حين أن الشهور القليلة الماضية أشاعت ما يشبه الانتكاسة بعد الفرح العظيم الذي انفجر لحظة انحسام القطيعة بين عهدين، بين معاناة ومعاناة. لن تجد "سياحة الثورات" عناء في الترويج لمصر وتونس، فهما على خريطة العالم السياحية منذ زمن وستبقيان عليها رغم استثنائية هذه السنة. هبة النيل والفراعنة و"ميدان التحرير" من جهة، وهبة المناخ الهانئ و"البوعزيزي" من جهة أخرى، ستستعيدان في المستقبل استقراراً أصيلاً يعبر بشفافية عن طبيعتيهما ولا يكون واجهة خادعة لخوف وصمت مكبوتين أو لظلم يحاول فرض طبيعة ثانية مصطنعة على المجتمع. ومع انحسار صولات العنت والعناد ستنضم بلدان أخرى إلى تلك الخريطة، فسوريا كانت بدأت تجتذب، واليمن ظل يجتذب رغم عدم الأمان وعمليات الخطف فضلاً عن العمليات الدموية لإنقاذ المخطوفين، أما ليبيا فتختزن الكثير من المعالم فضلاً عن شاطئها المتوسطي الطويل. لا يُلام السياح فهم ينشدون إجازات هادئة. والسياحة صناعة لها أيضاً مافياتها التي تغيّر وجهاتها وفقاً لمؤشرات ومصالح هي التي تحددها. الأفضل أن ينقذ السياح العرب الموسمين المصري والتونسي، وقبل ذلك أن يجد أبناء البلدين أن ثورتيهما تستحقان وتستدعيان منهم إعادة اكتشاف البلدين عبر السياحة الداخلية. كان العرب ولا يزالون هم من أنقذ سياحة لبنان وساهم في إنعاش اقتصاده، بل إنهم استنبطوا "سياحة الخطر" لتسويغ عودتهم المتكررة إليه وصار بعضهم أكثر خبرة من اللبنانيين في قراءة المؤشرات الأمنية. في أي حال، سلطت الثورات والمراحل الانتقالية الأضواء على المعالم والأسماء، على المكوّنات والتضاريس، وعلى سمات كانت منسية أو مجهولة أو متجاهلة. انظروا كيف غدت نشرات أخبار يوم الجمعة في سوريا عرضاً غير عادي وغير مسبوق لجغرافية البلد من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، والغرب والشرق أيضاً. لاحظوا أن الأشرطة السريعة للتظاهرات باتت تحرص على إبراز المواقع وعمرانها حتى لو كانت في بلدة صغيرة نائية لم تكن لتحلم بسماع اسمها مذاعاً في أي محطة أرضية أو فضائية. كثيرون لم يكونوا يلمّون، أو حتى يهتمون، بأسماء المدن والمناطق الليبية، أو بالمسافات الشاسعة فيما بينها، أو بتنوعها بين جبال وصحارى، لكنهم صاروا الآن تواقين للاطلاع على خريطة توزع القبائل، وعلى ميزاتها وتمايزاتها، غير أن الحدث اليمني يعطي انطباعاً بأن معالمه مألوفة، ربما لأن تاريخه الحديث كان سلسلة من الصراعات الداخلية المتصلة والمتواصلة. لا شك أن الحروب والأزمات مداخل مؤسفة أو حتى سلبية لـ"سياحة المعرفة" هذه، لكن ما العمل إذا كان الحكام حكموا وملكوا وورثوا أو يريدون أن يورّثوا الحكم، وإذ جاءتهم العواصف رفعوا شعار "أنا ومن بعدي الطوفان". فهؤلاء أمضوا عقوداً في مخالفة قوانين الطبيعة وأعراف المجتمعات آملين في تطبيع شعوبهم لتقبل الخطأ على أنه صواب. ولا يمكن بالتالي خلعهم وإعادة الحق إلى نصابه في برهة من الزمن. لن يستغرق التغيير عقوداً لكنه مع ذلك يتطلب وقتاً وأناة. لا بأس، مع احتدام الصراع على خيارات المستقبل، من الدعوة إلى "مليونية" تحت مسمى "جمعة الصبر الجميل". عبدالوهاب بدرخان كاتب ومحلل سياسي - لندن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©