الجمعة 10 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاستهلاك والتغيير

9 أكتوبر 2017 00:04
هنا لا بد لنا من وقفة نستعرض فيها إمكاناتنا وقدراتنا وموقعنا على خريطة العالم، فالمعادلة كما وصفتها هي تمثل طموحاتهم وأطماعهم وهي نصف المعادلة وجانبهم من المشهد، وكما يرونه ويعملون على تحقيقه، وهو نصف الحقيقة، والنصف الآخر هو نحن، وما نمثله ونملكه وما يجب أن نعيه بموضوعية وتبصر، ما يقرب من نصف الإنتاج العالمي للطاقة واحتياطياتها ومخزونها يقع ضمن حدودنا السياسية «والتي يرومون تشكيلها من جديد بما يناسبهم لأجل المزيد من إضعافنا من خلال تفتيتنا»، نحن نشكل رقماً كبيراً في صادرات العالم من السلع والبضائع بما فيها الدواء والغذاء والتكنولوجيا والسلاح، من خلال أنماط اقتصادياتنا الاستهلاكية بشكل عام، ونحن أيضاً نشكل ومن خلال موقعنا الجغرافي أهم وأخطر الطرق للتجارة العالمية من المواد الخام الأولية والطاقة والإنتاج الصناعي والزراعي، أي بعبارة أخرى العالم يتوزع بين عناصر أربعة: المواد الأولية، وطرق التجارة العالمية، ووسائل الإنتاج «بما فيها العنصر البشري والصناعة والزراعة والتكنولوجيا»، والأسواق. دعونا نتأمل في قوله تعالى: (... وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا...)، «سورة الحجرات: الآية 13» إن من بين أهم سبل التعارف بين البشر كانت التجارة والتي كانت بداياتها البسيطة من خلال المقايضة كوسيلة لإشباع الحاجات المتنوعة وكشكل أوَّلي من أشكال تقسيم العمل، من هنا ومن خلال هذا المفهوم لا بد لنا أن نعلم ونعي وندرك الأهمية الخطيرة لما هو بين أيدينا ونملكه، وخطورة وأهمية تأثيره كحاجة وقيمة على حياة الآخرين، فالحياة هي بكل وضوح وببساطة أخذ وعطاء، وليست معادلة أحادية الجانب كما يفهمون حتى ولو من خلال القوة، لا بد أن نعد على أصابعنا ما نملكه وما نحن عليه قادرون، ونحرص عليه وعلى كيفية استثماره سياسياً واقتصادياً، لكي نعلم ونعي خطورة وقيمة ما نمتلكه بين أيدينا وما نقايضه به ومن خلاله. العالم من حولنا يروي لنا الكثير من قصص النجاح للعديد من البلاد من حولنا وفي العالم، والذين باتوا في مصاف الدول الغنية والمتقدمة حضارياً، من خلال الاستثمار في إمكاناتهم المتاحة، فلا شيء مستحيلاً أمام الإرادة والإدارة والعزيمة والتصميم، فالمعركة اليوم هي معركة وعي في كيفية استثمار طاقاتنا وملكاتنا. تحدثت في مقالات عديدة سابقة حول موضوع مفهوم الدولة الوطنية الحديثة كطريق وحيد للتنمية، وهي مع كل ما سبق تحتاج إلى إرادة بناء قوية وقادرة لخلق شعور وانتماء وطني حقيقي يؤمن بإمكانية التغيير من خلال البناء، وذلك لا يكون إلا من خلال الاستثمار في العمل على الارتفاع بمدارك ووعي العنصر البشري ليكون قادراً ومستوعباً لمتطلبات التنمية، فالاستثمار في الإنسان هو المدخل الرئيس نحو قيام ونجاح الدولة الوطنية الحديثة. لقد أدركتْ بعض الدول أهمية هذا الدور واتخذته كمشروع للتطور نحو حياة أفضل، كما أدركت أهمية التنوع والتعدد في مصادر الدخل القومي، وبدأت بخطوات جدية وعملية على هذا الطريق، وكان في مقدمتها الإمارات العربية المتحدة، من خلال تبنيها رؤية موضوعية للتسلق والصعود نحو آفاق مستقبلية تلاحق وتسبق فيها عنصر الوقت والزمن، ووضعت رؤى مستقبلية للحاق بركب الحضارة والمدنية وحققت الكثير من النجاح في ذلك من خلال النتائج المتحققة على أرض الواقع، والتي يشهدها الإقليم والعالم، وباتت قدوة ومثلاً وطموحاً يُحتذى به، كتجربة وطنية رائدة ذات طابع عربي، تجربة تمثل أنموذجاً للإرادة الوطنية وإمكانية تحقيقها ونجاحها، وعلى نفس الخطى كانت المملكة العربية السعودية سباقة للسير على هذا النهج الإصلاحي برؤية وعزيمة من خلال رؤية مستقبلية تعتمد التجريب والجرأة والكثير من التحدي، لأجل الإصلاح كبداية حقيقية على طريق التنوع والتعددية الاقتصادية، كي تكون مُدخلاً نحو مستقبل مليء بالتحديات، والقدرة على مواجهته بأسلحة العصر ومفاتيحه من خلال الفهم والاستيعاب لكل المتغيرات المتسارعة من حولنا. الإقليم من حولنا يسير حثيثاً نحو مستقبل مجهول المعالم، من التفكك والتشرذم والتقسيم، ولم يعد هناك فسحة من الوقت للبقاء طويلاً كما تعوَّد البعض على مقاعد المتفرجين. مؤيد رشيد
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©