السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مخطوطات الممالك الهندية تأثرت بالفن الإسلامي ومدارسه

مخطوطات الممالك الهندية تأثرت بالفن الإسلامي ومدارسه
5 يوليو 2014 00:43
د. أحمد الصاوي (القاهرة) يعتقد البعض أن فن التصوير الإسلامي في الهند إنما ولد في عهد أباطرة مغول الهند، ولكن الحقيقة التي لا تحجب واقع ازدهاره في عهد الدولة المغولية تؤكد أن الدول السابقة على فترة حكم المغول قد عرفت أيضاً فن المنمنمات الذي عبر عن نفسه في عدة مخطوطات تنتمي لاثنتين من ممالك المسلمين بالهند وهما دولة سلاطين مالوا ودولة ملوك الدكن. ويبدو من تصاوير المخطوطات المنسوبة لبلاط مالوا والدكن أن روح مدارس التصوير الإسلامي في كل من هراة وبخاري كانت غالبة عليها حتى أن بعض المصورين كانوا من أصول إيرانية وعملوا لبعض الوقت في مراسم بلاط الدولتين. ونشأت دولة سلاطين مالوا الواقعة بوسط الهند فيما بين الكجرات والدكن على يد دولار خان غوري الذي توفي في العام 808 هـ «1405 م»، وظل عقبه من الأمراء الغوريين يحكمون هذه الدولة حتى سقوطها بأيدي مغول الهند. ومن أقدم ما ينسب من المخطوطات المصورة لتلك الدولة مخطوط من ديوان بستان للشاعر سعدي الشيرازي المؤرخ بالعام 1500 م، وهو محفوظ بالمتحف الوطني بنيودلهي، وهو مؤلف من 229 ورقة ومكتوب بخط النستعليق بمداد أسود، بينما كتبت العناوين بخط النسخ باللونين الذهبي والأزرق وناسخ هذا المخطوط هو شاه سوار الكاتب. مخطوطات وفي هذا المخطوط 43 صورة من عمل الفنان حاجي محمد، وهو فنان إيراني عمل لبعض الوقت في ماندو عاصمة سلطنة مالوا، حيث كان هناك مرسم ملكي يعنى بإنتاج المخطوطات ومن بين إنتاجها كان مخطوط البستان لسعدي الشيرازي. ويبدو من أسلوب حاجي محمد تأثره العميق بالأسلوب التصويري للمدرسة الفنية في هراة وهو ما نراه بوضوح في صورة تمثل ملكاً أو أميراً في قصره وهو يراقب بعض أنشطة عمال القصر، بينما يبدو خلفه مباشرة صورة لمؤذن يرفع الآذان من فوق مسجد القصر وأخرى لسيدة تحتضن صغيرها وهي تطل من إحدى الشرفات. وتتميز الصورة بتسطحها وعدم التعبير مطلقاً عن العمق فيها ورغم أن صور الأشخاص تبدو، كما لو كانت معلقة في الهواء إلا أن حاجي محمد جرياً على أسلوب بهزاد فنان البلاط الأشهر في هراة كان شديد الحرص على التعبير بدقة عن الحركات المتفردة لكل أشخاص صورته وأيضاً تمثيل ملامح سحنته المميزة له كالمؤذن بلحيته البيضاء والمرأة بعيونها المتسعة وكذلك الملك بملامحه المحايدة وملابسه المتأنقة، وبشكل عام التزم الفنان باستخدام الألوان الساطعة وزخرفة الأرضية بحزم نباتية متفرقة، كما في المناظر الخلوية التي نشاهدها في تصاوير مدرسة هراة خلال القرن العاشر الهجري «16 م». كتاب نعمة ومن الفترة نفسها هناك أيضاً مخطوط من كتاب نعمة نامه ومن المؤكد أن تصاويره قد أنجزت بريشة رسام إيراني ويحتمل أن مساعداً هندياً عمل معه في إتمام هذه التصاوير. ومن ماندو أيضاً لدينا نسخة مخطوطة من كتاب مفتاح الفضلاء وتصاويره تتوافق وأسلوب المدرسة التركمانية في شيراز وهو ما يشير إلى أن مصوراً فارسياً قد قام بعمل هذه المنمنمات ربما في العام 1495 م. ولم يختلف الأمر كثيراً عن ذلك في بلاط سلاطين البنغال الذي وصلنا منه مخطوط من كتاب اسكندر نامه تم نسخه في العام 1531 م يحتفظ به المتحف البريطاني بلندن وصوره تشير بوضوح لأن رساماً إيرانياً شارك في تصاوير المخطوط الذي عمل خصيصاً لبلاط نصرة شاه في تلك السنة. أما مملكة سلاطين الدكن التي ظلت قائمة لقرابة القرنين «748 هـ - 934 هـ»، فقد وصلتنا منها عدة مخطوطات تبرهن أولاً على ازدهار فنون التصوير بمرسم بلاطها الملكي وتفصح ثانياً عن أن التأثير الإيراني كان هو الغالب على تصاوير المخطوطات بسبب عمل رسامين من إيران في بلاط كلبركه العاصمة المعروفة باسم إحسان أباد. ومن أقدم مخطوطات بلاط سلاطين الدكن نسخة مخطوطة من منظومة خسرو وشيرين للشاعر الفارسي الشهير نظامي وهو من 7000 بيت تحكي قصة غرام الملك الفارسي القديم خسرو فيروز الثاني بجاريته شيرين وحسبما جاء في نهاية المخطوط، فإن تلك النسخة قد أتم نسخها يوسف أشهر خطاطي بلاط كلبركه للسلطان إبراهيم قطب شاه في العام 976 هـ «1568 م»، أما الفنان الذي ترك توقيعه على بعض تصاوير المخطوط فاسمه هاتفي ويبدو من أسلوبه أنه متأثر بأسلوب المدرسة التركمانية في بخارى. ومن الصور التي تحمل توقيع المصور هاتفي واحدة تصور خسرو وهو يركع أمام شيرين تعبيراً عن إعجابه بها، بينما تنظر إليه نظرة عطف من فوق فرسها والمنظر الخلوي تحتل خلفيته مجموعة من النسوة اللاتي يرقبن ما يجري في عجب. بهرام شاه نظام حاكم الدكن هناك «تصويرة» للسلطان بهرام شاه نظام حاكم الدكن في أخريات القرن العاشر الهجري «16 م»، وهو جالس على تخت الملك تحت مظلة حمراء ورغم بعض ملامح التأثر بالتصوير الإيراني إلا أن شخصيتها المحلية الهندية تبدو حاضرة بقوة أيضاً. ويتجلى ذات الطابع أيضا في تصاوير مخطوط من كتاب سندباد نامه محفوظ بمكتبة مكتب الهند بلندن، وفي تصاوير من مخطوط أنواري سهيلي، وهو نسخة فارسية من قصص كليلة ودمنة تعود للعام 1582 م يحتفظ به متحف فيكتوريا وألبرت. والحقيقة أن الطابع المحلي لمدرسة الدكن التصويرية كان يتحرر من التأثير الإيراني كلما تناول موضوع الصورة ملامح الطبيعة، فيتمثل الفنان الطبيعة بالهند في منمنماته، وكذلك عند تصوير مناظر الفيلة مثلما نرى في تصويرة تمثل مبارزة بين شخصين يركب كل واحد منهما فيلاً. شبه القارة الهندية عالم حافل بأجناس وعقائد ولغات شتى، ومنذ القدم هذا العالم له شخصيته المستقلة وفلكه العقائدي والفلسفي الخاص، اقتحم الإسكندر الأكبر بلاد الهند غازياً وخلف وراءه تأثراً كبيراً بفنون الإغريق، ولكن دون تبديل كبير في شخصية الهند. وبدءاً من عام 92 هـ دخل الإسلام إلى الهند من جهة السند والبنجاب، ولكن نجاحه الأكبر كان في جنوب البلاد عبر التجارة الموسمية لينتشر الإسلام سلمياً بين الطبقات المقهورة والفقيرة هناك، وبدورهم نقل الهنود المسلمون دعوة الإسلام وحضارته إلى ما جاورهم من جزر المحيط الهندي وسواحله الجنوبية. أدرك المسلمون مبكراً أنهم يدخلون عالماً خاصاً فتعاملوا معه برفق يناسب البلد الذي كتب عنه البيروني كتابه الشهير «تحقيق للهند من مقولة في العقل أو مرذولة»، فكان الإنتاج الفني للهند في العمارة والفنون الإسلامية عروة وثقى بين روح الفن الإسلامي وشخصية الهند التليدة، هنا وعلى مدار الشهر الكريم نعرض لأهم ملامح إسهامات الهند في الفن الإسلامي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©