الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دعوة مجنونة

15 سبتمبر 2010 20:33
الزوبعة الهوجاء التي أثارها القس الأميركي "تيري جونز"، قس الكنيسة الصغيرة في مدينة "جاينزفيل" بولاية فلوريدا، ينطبق عليها المثل العربي القديم "رب ضارة نافعة". هذا الشخص كان قد أعلن أنه سيقوم بحرق القرآن الكريم في مناسبة الذكرى التاسعة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، واصفاً كتاب الله العظيم بأنه "مصدر الشر". لاحظ كلمة الشر تلك المقولة التي صكها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش في وصف إيران ودول أخرى. لقد قدم" جونز" من حيث لا يدري خدمة عظمى للشعب الأميركي والإدارة الأميركية وعامة المسيحيين في كل أركان المعمورة ومنحهم فرصة تاريخية أن يعربوا بالقول والفعل عن موقفهم كبشر وجماعة كبرى في المجتمع الإنساني ترفض ما دعا إليه، إذ انفجرت مشاعر وعواطف وأفكار ومبادئ دفاعاً ليس فقط عن الإسلام والمسلمين وكتاب الله الكريم، بل عن إنسانيتهم ومبادئهم التي ترفض أن تعود بالعالم إلى زمن حرب الكتب والأفكار والأشخاص، الذي يُرمز إليه قديماً بهولاكو حارق مكتبات بغداد العظيمة، وهتلر الذي حرق الكتب التي تدعو إلى الحرية والديمقراطية وتناهض النازية – الفاشية. لقد انفجرت مواقف العالم الإنسانية في وجه "جونز"، ورفض المجتمع العالمي بحكوماته وشعوبه أن ينساق وراء دعوة مهووسة، تدفع إلى حرب مستحيلة ضد الإسلام والمسلمين. وثمة فكرة أكثر هوساً وجهلاً منه دعا إليها من قبله من وصفهم البعض المفكرين والفلاسفة، الذين تنبأوا بحرب عالمية قادمة بين الحضارة الغربية المسيحية والمسلمين. نعم لقد أتاحت هذه الدعوة الضارة والكريهة للأميركيين عامة أن يجددوا التزامهم الوطني والعالمي واحترامهم واستعدادهم للدفاع عن المبادئ السامية، التي قامت عليها الولايات المتحدة في الجزء الشمالي من الأميركتين، والتي كان روادها رؤساء تاريخيين ألغوا تجارة الرقيق، وحرروا بلادهم من الاستعمار البريطاني، وأقاموا دولة ديمقراطية، أصبحت أحد أعمدة المجتمع الدولي. صحيح أن للسياسات الأميركية أخطاءها في حق شعوب العالم الإسلامي والعربي، وللمسلمين أراءهم المعارضة والمناهضة لتلك السياسات، لكن عندما فجَّر "جونز" زوبعته بتأكيده عزمه لإحراق المصحف تعبيراً عن إدانته وحملته في تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، سرعان ما استيقظ العقل والضمير الأميركي والغربي عامة، وأدرك أن هذا الطريق الذي أراد "جونز" أن يكون رائده الأول في القرن الحادي والعشرين، سيعود عليهم بنتائج كارثية، وسيهدد مباشرة حياة آلاف من أبنائهم الموجودين الآن ضمن القوات الأميركية في أفغانستان والعراق وغيرهما من بلاد المسلمين، بل - وذلك الأهم أيضاً - أن من سيبدأ بإحراق كتاب المسلمين المقدس، يمكن أن يقدم أيضاً على إحراق كتب سماوية أخرى، مثل التوراة بدعوة أنها مصدر الشر الكامن في اليهود الذي - (كما يزعم الزاعمون) صلبوا المسيح عليه السلام، وأن يمتد "الأمر" لمحاربة الجماعات والكنائس المسيحية المختلفة معه في الفهم والسلوك. "تيري جونز" كما قالت وزيرة الخارجية الأميركية ناصحة الصحفيين والإعلاميين، مجرد شخص لا يستحق هذا الاهتمام الأميركي، وهو على كل حال، رئيس فئة قليلة من المسيحيين (يقدرون أن أعضاء كنيسته لا يتجاوز الخمسين فرداً). المسلمون (على الأقل المستنيرون منهم)، يعلمون أنه ليس هنالك من سبب "لحروب صليبية"، (وهي أصلاً كانت غزوات وحروب أطماع ملوك وأمراء أوروبا)، ويعرفون أن الصراع بيننا وبين الاستعمار الغربي كان صراعاً سياسياً - اقتصادياً، دافعه عندهم مصالحهم الاقتصادية، ودافعنا في المواجهة كان دفاعاً عن استقلال بلادنا وحقنا المشروع في أراضينا. والمهوسوون من الفريقين المسلمين والمسيحيين الذين يدعو كل منهم للجهاد ضد الآخر و"إبادته"، هم نتاج عقلية متخلفة استغل حماسها الديني أصحاب المصالح الحقيقية في الحروب. ونحن بنفس المقدار الذي نشجب فيه بعض السياسات الأميركية، نشيد اليوم بالموقف المستنير والشجاع الذي وقفته الولايات المتحدة وبقية العالم الغربي ضد دعوة "جونز" المجنونة. عبدالله عبيد حسن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©