الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سارة النَواف.. قلم احتجاجي يملك مفرداته

سارة النَواف.. قلم احتجاجي يملك مفرداته
15 سبتمبر 2010 20:41
أقلام نسائية إماراتية (12) تحتل الكتابة النسوية مكانة استثنائية في المشهد الثقافي الإماراتي. فهي غنية بأقلامها واسمائها. مبادرة في موضوعاتها. غزيرة في انتاجها. متنوعة في إبداعاتها ما بين الشعر والقصة والرواية والريشة. هنا إطلالات على “نصف” المشهد الثقافي الإماراتي، لا تدعي الدقة والكمال، ولكنها ضرورية كمدخل للاسترجاع والقراءة المتجددة. تعتبر القاصة الإماراتية سارة النَواف من الكاتبات الاستثنائيات في مجال صياغة قصة قصيرة معاصرة، فهي تمتلك لغة جميلة، منفتحة على الواقع وتؤدي إلى فهمه، وإنتاج معالجة فنية ذات رؤيا تستطيع ترجمة واستبطان مشاعر الإنسان في معظم حالاته. وربما يمكن اعتبارها أيضا من جيل الكاتبات اللواتي امتلكن حدَ الجرأة على التقاليد في طريقة القول والقص.. من ذلك يمكن القول إنها كاتبة تملك أدواتها التعبيرية لتميز وجمال أعمالها القصصية ذات النزعة التجديدية على مستوى اللغة والجماليات، ومرونة التعبير، والقالب السردي التخييلي، وطريقة الكتابة عندما تعبر عن المرأة المستغلة في مجتمعها، حينما تكون هذه المرأة وفي نفسها إحساس طائر يحبس في قفص. لذلك يمكن القول بأنها من أهم الكاتبات اللواتي أولين قضية الحرية وتأكيد قيم العدالة اهتمامهن من خلال قصص مشحونة بلغة رفيعة المستوى، وصراع يعلن رفع الحدود أمام مسيرة البشر الطامحين إلى غد أفضل. ومن ذلك قصتها “إلى جهنم” وكيف حاولت فيها رصد ظاهرة العمالة الوافدة من خلال تصوير حركة مجموعة من الناس في أحد الشوارع، مستخدمة تقنية (الرواي) في تسجيل حالة الشارع وتنامي الحدث إلى ذروته في تصوير بديع لحالة المدينة التي تختنق بفعل زحام الناس والعمال الوافدين: “بائع الجرائد يبكي وجمهرة من الناس حوله.. خليط من أجناس وأشكال مختلفة..”. إنه تصوير نابع من روح الشخصية التي صدرتها لنا القاصة في واقعها المعاش، وقد جاءت معظم شخصيات القصة في إطارها المنطقي من حيث الشكل واللغة والوصف والإيقاع وحتى الموسيقى الداخلية والمكان، وهي عملية معقدة وشاقة في أحد معانيها في اختراقها للواقع، أو على نحو ما يقوله الناقد الأميركي رولاند ميرلاس: “إن القصة تنظر الى الشخصية وسط ظروفها البيئية من خلال خمسة احتمالات ممكنة، تنتهي عند واحد منها محصلة العلاقات أو الصراع، حتى تصل القصة الى نهايتها المنطقية”. إن كافة الشخصيات هنا تأخذ من البيئة تكوينها الخارجي المظهري مع التأكيد على حالتي الزمان والمكان. هذا المستوى من التعامل البيئي أكسب القاصة تميزاً في تحديد الأنماط المعيشية في إطار يحفظ للقصة منطقيتها في مناقشة موضوع العمالة الوافدة، وهو موضوع أثير لدى العديد من الكتاب الإماراتيين في مختلف المجالات الإبداعية، حيث من الطبيعي أن تنشأ تناقضات عديدة في المجتمع على أثر الطفرة الاقتصادية والاجتماعية وحياة ما بعد اكتشاف النفط، ولا غرو إذن ونحن نرى سارة النواف تعالج هذه المسألة المتعلقة بتصوير آثار النقلة الحضارية ما بين مظاهر الرفاه والفتنة والتحدي. وفي حوار معها تؤكد النواف أن المناخ الحضاري ومساحة الحرية المفتوحة للكتاب في الإمارات أسهما كثيراً في مناقشتها للعديد من الأفكار والظواهر الطافية على السطح الاجتماعي، وعن ذلك تضيف في الحوار: “من خلال خبرتي الشخصية وجدت أن هامش الحرية في الإمارات مفتوح منذ بدأت تجربة الكتابة وحتى الآن، سواء كانت الكتابة الورقية أو النشر في الجرائد والمجلات، والمواقع الإلكترونية أو حتى من حيث إنشاء مواقع إلكترونية بغرض النشر. في كل هذا لم أجد أي تضييق للخناق أو مضايقات من قبل المؤسسات في المجتمع. الحياة بصورة عامة ليست أخذاً فقط، وحرياتنا تتوقف عند حريات الآخرين، ولكل إنسان إن كان كاتباً أو شخصاً بسيطاً يعيش على هامش الحياة حدود ومدى. والمؤسسات الثقافية في الإمارات تساعد بشدة على الكتابة الإبداعية والنشر، والمجتمع بصفة عامة مجتمع متفتح وواع وسريع التكيف. وهذه الحالة التي اكتسبها المجتمع الإماراتي من خلال التطور السريع المتلاحق للدولة مما أكسبنا صفة القدرة على التكيف والاندماج، حيث إننا ندور بنفس دوران ما يحدث حولنا، ويبقى لكل مجتمع خصوصيته وخطوطه الحمراء. وفي قناعتي الخاصة لا أرى أي عمل يعمل على تجريح الوطن وتقطيعه انه عمل إبداعي”. جائزة ونشاط أصدرت سارة النَواف، الحاصلة على جائزة الشيخ راشد بن حميد للعلوم والثقافة بعجمان عام 1996 عن قصتها “طاخ.. طاخ.. طاخ”، ثلاث مجموعات قصصية الأولى وحملت عنوان “كلنا كلنا نحب البحر”، والثانية “نسمات من الخليج”، والثالثة “بحر لا يغيب أبدا”. ترجمت بعض قصصها إلى اللغة الإنجليزية بمساعدة وإشراف الدكتور بيتر كلارك مدير المجلس الثقافي البريطاني بدبي، ومن ثم في دمشق، ونشرت هذه الترجمات في لندن في الفترة ما بين 1991 إلى 1994. كما تمت ترجمة بعض أعمالها إلى اللغة الألمانية بمساعدة وإشراف المؤرخة جيل رامزي الأستاذة بجامعة أوبسالا في السويد، في الفترة ما بين 1998 إلى 2003. كما تم تحويل قصتها “المفاجأة” إلى تمثيلية إذاعية لمصلحة إذاعة دبي تحت عنوان “درر من الخليج”، كذلك حوّلت قصتها “العانس” إلى سهرة درامية تلفزيونية. وقد شجعها ذلك على دخول مجال الكتابة للمسرح، حيث كتبت أولى مسرحياتها بعنوان “ابتدأ الدرس يا خالد” وعرضت في إطار نشاطات مسرح الشارقة الحديث. كما كتبت مسرحية للأطفال بعنوان “الأميرة والنَاي السحري” لمصلحة مسرح عجمان الحديث. أما الحضور اللافت للقاصة سارة النَواف سواء على المستوى النقدي، أو على مستوى المشاركة في الأمسيات والمنتديات الثقافية والأدبية، فقد أسهم في اكتسابها عضوية لجنة الكَتاب والأدباء في المجلس العالمي للصحافة التابع للمجلس الاستشاري بالمجلس العالمي للصحافة بالمنطقة العربية. ويهدف عمل هذه اللجنة إلى إثراء الحركة الأدبية والثقافية ودعم الشعراء والمفكرين وتحسين المهارات المهنية والتحقق من توافر حرية الرأي واستقلال الأدباء والكتَاب والشعراء. كما أسهم ذلك في وضعها في دائرة النقد الأدبي العربي، ومن ذلك ما ورد في عرض الناقد العراقي عبد الإله الصائغ لكتاب “النقد الأدبي الأنثوي العربي” للباحثة العراقية دجله أحمد محمد آل رسول السماوي الصادر عن جامعة ذمار اليمنية عام 2009. والكتاب كما هي بلورته رسالة علمية نالت عنه الباحثة درجة الماجستير من الأكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك. وقد عالج الكتاب موضوعين مهمين هما: نقد النقد، والأدب الأنثوي. ومما جاء في الموضوع الثاني نقتطف: “... ومثل ذلك يمكننا فعله مع القاصة السودانية بثينة خضر مكي، التي جعلت التماهي بين الواقع المزري والواقع المتخيل دون أن تتورط في ردم الفجوة بين الواقعين، كما يمكننا المتابعة على النول ذاته مع قصص فاطمة وأسماء الزرعوني وميسلون هادي وشيخة الناخي وسارة النواف وهدية حسين، ممن أسهمن فعلياً في تبكيت الضمير الجمعي العربي وانتصرن لحضارة الجنسين!”. سارة النَواف عضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، حاصلة على شهادة البكالوريوس في علم النفس من جامعة الإمارات، نائب رئيس مجلس إدارة رابطة الأديبات الإماراتيات، عضو اللجنة الإشرافية على مجلة “أشرعة” هي من جيل الثمانيات، حيث الخصوبة الثقافية والفكرية في تلك الفترة، نجحت في تأكيد صوتها الإبداعي خلال وقت قياسي نسبة إلى زميلاتها في باقي دول الخليج العربية. وتقول النواف حول اهتمامها بالعمل في إطار المؤسسات الثقافية المحلية: “العضوية في المؤسسات الثقافية هامة اذ أنها تحدد هوية الكاتب المبدع وتبني له الإطار الفكري المناسب، ولكنها لا تصنع كاتبا من عدم، وما يحدث هنا في الإمارات هو ما يحدث في عموم المؤسسات الثقافية في أي مكان آخر، حيث إن هناك مجموعة تسعى للعمل الإبداعي، ومجموعة أخرى تجعل من العمل الإبداعي سلماً وجسراً للتسلق الى المناصب الإدارية ومن ثم البدء في الحروب الخاصة لتحقيق المزيد من البريق”. جماليات البناء شكلت قصة “درب أم الدويس” لسارة النواف مادة خصبة للدراسة والبحث الأكاديمي والنقدي، نظراً لقيمتها الفنية، وما احتوته من جماليات اللغة والبناء الفني والصورة المشهدية العالية. وقد تناول الباحثان حسين الهنداوي، وحاتم قاسم القصة بدراسة تحت عنوان “المونولوج الداخلي والبحث عن الذات التائهة في قصة درب أم الدويس” والتي تتسم بنفس مسرحي على مستوى استخدام الحوار. ونقتطف مما جاء في الدراسة: “درب أم الدويس بحث مضن من الكاتبة عن الذات التائهة في تلافيف اللاشعور وفي أعماق اللاوعي الذي اختزن الآخر مخلوقاً يتصور وجوده مزاحماً له فبين “أم الدويس” الحقيقة و”أم الدويس” الخيال يقف الإنسان حائراً باحثاً عن الوجود الحقيقي. والكاتبة سارة النواف في نصها تحاول أن تخرج الأسطورة الشعبية من قمقمها لتحولها الى واقع اجتماعي إنساني يعكس صورة الإنسان في ذروة مجده. فأم الدويس في العقل الباطن لكل إنسان يعيش في أرض الخليج، امرأة ساحرة جميلة معطاءة يتمنى الرجال لقاءها ومحادثتها، و”أم الدويس” في العقل الواعي هي المرأة التي تفاجئك بعيون قطة مخيفة مرعبة وبساقين منجليين يستطيعان قطع الرؤوس. قدمت الكاتبة صورتين للمرأة الأولى الفتاة الجميلة في ريعان شبابها وأنوثتها. والثانية صورة المرأة في غياب شمس الجمال عنها بسبب تراكم السنين”. لقد استخدمت الكاتبة في قصة “درب أم الدويس” مستوى رمزياً من دمج المتخيل بالواقع من خلال “مونولوج داخلي” جميل داخل المرأة المزدوجة المشاعر، بلغة شفافة تحمل في معطياتها وحياً لمعان أكبر من الكلمات، مع تصوير لتصعيد الحالة النفسية للبطلة، بلغة معبرة، تصاعدت مع توتر الحدث ووصوله إلى لحظة الذروة في إطار الفكرة الفلسفية التي تناولتها القاصة حول حقيقة الخلود على هذه الأرض: “تمشي.. تحث الخطى.. تلتصق بالجدار الرطب.. تنصت أكثر.. لعل الصوت يدلها على مصدر الضوء الخافت الذي كلما تدنو منه يخالجها إحساس أنها وصلت.. تفاجئ أنها لا تزال بعيدة. نقاط مطرية باردة تهطل على رأسها وكتفيها. تزداد أحيانا وتكون غزيرة.. وتكاد أحيانا أن تتوقف ـ من القصة”. لقد طرحت الكاتبة المرأة كنموذج رئيسي لقصتها من خلال وعي فلسفي مشحون بذاكرة الذات، حينما تقمصت الكاتبة شخصية “أم الدويس” لتبحث من خلال هذه التقنية عن ذاتها، وكأنها دون أن تقصد اشتغلت على آلية الحلم، وهي واحدة من أخطر الآليات الداخلة في العمل الإبداعي في إطار التذكر والحلم والتجربة. إنها قصة ذات أبعاد دلالية كثيرة، فهي تقرض من الشعر لغته الفنية، فتنقل القارئ من نص قصصي إلى نص مشحون بالشعر، ولو أنك تصفحت تلك اللغة الشعرية في القصة لوجدت عزفاً حزيناً يصحبها، وكأنك تستمع إلى شريط موسيقي يكسر أعتابها من ذلك الحنين والدفء الإنساني الذي يلف اليدين الباردتين: “ترفع عباءتها وتغطي رأسها لتحمي نفسها من البلل ولكن عباءتها تجمع مياه المطر لتسيل على ثوبها فيرتجف بردا جسدها المرتجف خوفا.. رائحة الموت غريبة في البيوت الخربة.. بيوت بلا أسقف أو نوافد أو أبواب.. بقايا خربة لبيوت كانت ذات يوم عامرة.. قدماها تغوصان في بحيرات المياه الصغيرة التي تملأ الأزقة والمداخل.. مزيج من الوحل والطين يلطخ ساقيها وثيابها.. وتتابع السير”. حضور الموت موضوعة “الموت” احتلت مساحة كبيرة في معظم النصوص السردية الأنثوية، سواء على مستوى الموت كلغة صريحة وفيزيولوجية، أو على مستوى الموت بلغته الرمزية ودلالاته النفسية والفلسفية. ولم تكن سارة النواف بعيدة عن اللعب في هذه الدائرة الأثيرة حتى بالنسبة للإنسان العادي، فقد عبرت عنه من خلال مكنوناتها الداخلية ورؤيتها الخاصة للحياة، فهو يتحول عندها إلى مفهوم آخر عن الفقد والغياب وأزمة الإنسان تجاه حقيقة الوجود. ومن ذلك مضمون قصتها بعنوان “النوخذة” من مجموعتها القصصية “حوار صامت” حيث يصبح الموت هو الحل، وهو الخروج من المأزق، وبذلك يشكل “الخلاص” نهاية لبطلة القصة التي لم تستطع التحدي أو التصدي للظلم. تماما على النحو الذي شاهدناه يحدث لبطل مجموعة “الصهيل الأبيض ـ 1961” لزكريا تامر، حيث يواجه البطل عالمه برغبة في الانسحاب منه، فالموت هو الجواد الأبيض الذي يناديه ليصحبه في رحلته للمروج الخضر. ثمة حضور نوعي لفكرة الموت عند سارة، انه شكل آخر من أشكال الحياة في متاهات الاستسلام للمصير، هنا قلق دائم وخوف من التقدم في العمر، ومن ثم الخوف من النهايات غير المعلنة، لدرجة أن الموت أصبح مفتوحا كجرح في خاصرة الكلمات: “قالت لي إن القبور المفتوحة شؤم.. فالقبر الجاهز ينادي صاحبه، ويناديه ليترك الدنيا، ويأتي إلى القبر”. هذه قصة نموذجية من حيث هي تضم موضوعا شموليا مؤرقا على المستوى الإنساني، ومن حيث صياغتها التي تعتمد على الجملة القصيرة المحددة التي بمقدورها أن توحي بحالة شعورية كاملة، أما تلك الصور التي رسمتها الكاتبة لتطور الحالة النفسية للبطلة المأزومة، فقد تم استخدامها على نحو شاعري فريد، بحيث يمكن أن تكون هذه الحالة لأي إنسان على هذه الأرض. إنه نص سردي جميل، تغريك مفرداته بالعاطفة المتوقدة الصادقة لأن تقرأ بوح تلك الكلمات التي نحتتها القاصة من نسغ روحها المجدولة بسؤال الوجود الغامض والمؤرق لوجدان كل من كتب في هذا الجانب المأساوي، ولسان حالها يقول مما ورد على لسان بطلتها.. إننا نعيش كحصان مشاكس لا تستطيع أن تسرجه وأنت تعيش بين موتين بصمت، موت يحمل إليك مرارة الموقف والحياة بمرارة صورها، وموت ميثيولوجي يتمثل أمام الذات كل لحظة. وكأن هذه الرمزية البديعة التي رسمتها الكاتبة ترسم لنا ذلك الشعار الأبدي أن الإنسان لا يحصل في النهاية إلا على تلك الثمار الحنظلية ما قبل الموت وبعده. ألم يقل أوديب الإغريقي يوما في مسرحية سوفوكليس “أوديب ملكا” أن لا سعادة للإنسان إلا في القبر. إن سارة النواف صاحبة قلم رشيق، إنه مثل سيف، لكنه سيف من حرير، ويكتب بحبر أنثوي، لكنه في النهاية يفصح بجرأة عن المسكوت عنه في ضمير المجتمع ولو من خلال مناقشة موضوع الموت. للقاصة سارة النواف بصمتها أيضا في تناول مشكلة (الإدمان عند الشباب) في الداخل والخارج، وخطورة هذا التناول لا تتحقق فقط في موت بطل القصة (راشد) بفعل الإدمان، بل في تلك الإشارة التي جاءت في شكل ورقة إدانة واتهام للمجتمع الذي يسهم بصورة أو بأخرى في بروز مثل هذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة من خلال قدرتها على رسم الصورة الضبابية لشخصيات القصة، كاشفة بذلك بعض السلبيات التي يعاني منها المجتمع، والمطالبة بإعادة ترتيب العلاقات بين الأجيال في ضوء المتغيرات الفكرية المتسارعة، مترجمة أحاسيسها تجاه هذه القضية بكل صدق ووعي وبساطة. سارة النواف في جانب آخر من مسيرتها الإبداعية لها اهتمام نوعي بالأدباء والمثقفين العرب من خلال “موسوعة الأدباء العرب”، فهي تشرف على القائمة الأدبية في الإنترنت وهي قائمة بلغ عدد أعضائها نحو 6000 مشترك من ذوي الاهتمامات الأدبية والثقافية والفكرية. حول انطباعها عن دور الإنترنت في المشهد الثقافي العربي والتأثيرات السلبية والإيجابية التي أحدثها قالت: “الإنترنت بصورة عامة أحدث ثورة نوعية في المشهد الثقافي في العالم كله وليس العربي فقط، رغم السلبيات التي ظهرت ومنها ظاهرة السرقات الأدبية ومدعو الأدب، الا أن الإيجابيات الكثيرة والمتميزة تجعل للإنترنت مكانة كبيرة، حيث برز جيل جديد من كتاب الإنترنت وهم أدباء وأديبات ليس لهم أية إصدارات ورقية أو مواد منشورة في المطبوعات الورقية، ولكنهم في المقابل نالوا شهرة أدبية عريضة من خلال الإنترنت، بالإضافة الى النشر عبر شبكة المعلومات يتميز بمواصفات مفقودة في النشر الورقي أهمها سرعة النشر والانتشار والتواصل مع القراء والزوار، ومسألة الحدود والمكان وحتى الزمان تتلاشى عند النشر على الإنترنت، ومن أهم التأثيرات تراجع أهمية الكتاب المطبوع والنشر الورقي، حيث أصبح أغلب الأدباء يميلون الى النشر الرقمي لأنه في تقديرهم متطور أكثر ويحمل مؤثرات غير موجودة في الورقي كالموسيقى وغيرها”. انكسارات سياسية وفي معرض ردها على سؤال حول هموم وتطلعات وأحلام الإنسان العربي من خلال الخطاب الثقافي قالت النواف: “في فترة ما كانت الكلمة تغير أموراً كثيرة، ولا تزال للكلمة مقامها وقدرتها في بعض المجتمعات، أما في مجتمعاتنا العربية فهي لا تحرك ساكناً، وكتّاب اليوم غارقون في الهم الذاتي، يعبرون ربما عن حال الأمة، ولكنه مجرد تعبير وانكسار للكلمات على الورق. والكاتب هو إنسان قبل أي شيء وما ينطبق على غيره من الإحباطات الناتجة عن ضغوط الحياة، ينطبق عليه أكثر بصورة مضاعفة وذلك يعود لطبيعة الكاتب النفسية التي جعلت منه في الأساس كاتبا، فردود الأفعال تجاه متغيرات الحياة تكون لدى الكاتب أكثر حدة ووضوحا، خاصة لدى الكتاب الذين تعاني دولهم من انكسارات سياسية أو ضغوطات عالمية، بالإضافة الى أحوالهم النفسية من خلال عيشهم في المهجر أو حتى البقاء في الوطن، ولكن تحت ضغط نفسي، هذه الأمور الشائكة تؤدي بالكاتب إلى الانصهار في انكساراته حيث لا يستطيع الانفصال عنها وبالتالي يغرق في الذاتية والتي يرى أنها تعبر عن حاله الذي هو مثل حال أمته..”. تبقى سارة النواف واحدة من ذلك الجيل الثمانيني الجميل وفضاءاته الحميمية على مستوى الفكر والمضمون والشكل، الذي كتب لنا بأصالة وعمق وصدق شديد، بلغة متقنة محكمة وموازين الفترة بكل حمولاتها، ومضامين نابعة من البيئة والظاهرة الاجتماعية، ولعل النواف هنا وقد أثارت العديد من القضايا والمسائل الشائكة في قصصها وبخاصة في موضوع المرأة ، إنما تمثل حالة خاصة، إنها لا تثير الجدل فحسب، ولكنها تثير الاهتمام من خلال أسلوبها ومفرداتها المقتصدة في سردها القصصي الممتلئ بالصور والمشهدية وحسن استخدام الحوار في المسرح، وتضمينه في إطار جذاب، ونحسب أن ذلك من أهم العوامل التي أثرت في بناء شخصيتها وهويتها الكتابية. يقول بورخيس: “إن الكتب الحقيقية تحتاج إلى زمن طويل كي تقرأ من جديد..”. ونختتم: هل يقصد بورخيس أن هناك كتبا حقيقية وأخرى مزيفة؟ وماذا يعني بالحقيقية هل الكتب الحقيقية هي التي تؤثر فينا لفترة من الزمن ويدفعنا الحنين لها بإعادة اكتشافها وقراءتها من جديد؟ إذا كان هذا ما يقصده، فإن قراءتنا الجديدة لإبداع سارة النواف كانت في محلها، لأنها كاتبة حقيقية بكل المقاييس.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©