الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الممثل.. مجنون يعصف بالجمهور

الممثل.. مجنون يعصف بالجمهور
15 سبتمبر 2010 20:47
يقولون: فلان ممثل كوميدي.. وآخر تراجيدي.. وثالث نجم شباك.. وآخر ممثل آلي.. وتلك ممثلة موهوبة.. ولكن السير لورانس أوليفيه ممثل مبدع.. متطور.. مختلف.. يعرف كيف يقف على خشبة المسرح.. إنه مدرسة شاملة في التمثيل.. فهل يمكن لنا نحن الممثلين الجادين أن نصبح مثله؟ يقول السير لورانس أوليفيه الممثل الأول في إنجلترا، في مقابلة أجراها معه الناقد الإنجليزي الشهير كينيث يتنان ونشرتها مجلة “لنستر”: “أتمنى أن يصبح الممثل أكثر أهمية في حياة الناس. وإن ما يحتاجه الممثل في تكوينه بوصفه ممثلاً هو دقة الملاحظة وسرعة البديهة، فإذا ما وضع في أعلى مكانة، أصبح في كل ما يمثله شعلة تضيء القلب الإنساني مثله مثل الطبيب النفسي، أو رجل الدين.. أو المفكر..”. ومن أوليفيه إلى المخرج الفرنسي موريس فيشان الذي يصف فن التمثيل على أنه: “فن خلاّق، كفن العازف، يستخدم الممثل من خلاله كل مفردات جسمه وصوته لنفس الغرض.. لينقل خيال الكاتب بصدق وبراعة.. إنه إنسان خلاق مبدع من خلال أدواته ولغته الخاصة إذا عرف كيف يستخدمها”. لكن علماء النفس يربطون ما بين الممثل وحالته السيكولوجية، ومنهم من جعل من الجنون الرمزي صفة لازمة له، باعتبار أن الفن (هروب من الواقع) وان الممثل غالبا ما ينسلخ عن شخصيته لكي يندمج في شخصية أخرى، ويسمي البعض ذلك التمثيل بالحالة المرضية الناجمة عن أمراض العصابية (1) والانفصام التي ترتبط بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فهل هذا هو الممثل حقا؟؟ أهمية الممثل لا تكمن أهمية الممثل في تقديمه للمسرحيات فقط، بل هو العنصر الوحيد في العملية المسرحية الذي لا يمكن تجاهله أو الاستغناء عنه، وهو أيضا العنصر الذي يتحمل فشل المسرحية أو نجاحها.. نعم تفشل المسرحية إذا حاول الممثل تجاوز دوره.. كأن يضيف عليه أشياء من عندياته تسيء إليه، وتشتت الجمهور عنه، أو عن الأدوار الأخرى إذا حاول أن يقوم بأداء حركات وإيماءات وإشارات معينة أثناء حوار للممثل الذي يقابله في الحوار المشهدي.. فهناك لحظات موحية تتطلب الصمت أو التركيز لجذب انتباه الجمهور، ومن الممكن بأفعال كهذه تدميرها.. إن أي تصرف للمثل خارج عن السياق العام للمعنى أو أية لفظة أو حركة مفتعلة لا معنى لها.. تشير إلى أن الممثل فوق خشبة المسرح لا يدري ماذا يفعل بالضبط! ينطبق مثل هذا القول على حرفية المسرح العربي، فمن المؤسف حقا أن بعض المخرجين العرب إن لم يكن غالبيتهم، لا يجدون على الدوام الممثلين القادرين على الصمود والاجتهاد في أداء الأدوار الصعبة لأسباب كثيرة منها: عدم وجود فرق مسرحية دائمة ومستمرة في الكثير من الدول العربية، إلى جانب عدم وجود إنتاج دائم يستطيع الممثلون من خلاله تطوير أنفسهم ومهاراتهم التمثيلية من خلال الأدوار المختلفة والمتنوعة، علاوة على افتقار عدد كبير من الممثلين للثقافة الدرامية السليمة أو الأكاديمية المنهجية. إن عملية اختبار الممثلين هي عملية عشوائية وغالبا ما تسند الأدوار الكبيرة تبعاً للأسماء المعروفة أو الكبيرة، وليس تبعا للقدرات والمهارات الفنية مما يخلق حاجزاً بين الممثلين المبدعين والممثلين الذين يفتقرون إلى الحرفية الحقيقية في جانب التعبير. وأخيرا فإن اختيار الأدوار من قبل المخرجين غالبا ما يقوم على المواصفات الفيزيولوجية (الجسمانية) للمثل أو أن دورا معينا قد التصق به، مثل أداء دور الشرير أو العاشق وهنا تصبح المقاييس مجردة. إذا كان هذا هو بعض الواقع السائد في مسارحنا العربية فإن الوضع على مستوى المسارح المتقدمة عالميا فهو مختلف بكل المقاييس.. ولك أن تعرف انه في بعض المسارح العالمية المتقدمة فان بعض الممثلين الكبار لا يمانعون في أداء أدوار صغيرة جدا على المسرح.. ولا يعتبرون أن ذلك محط انتقاص من شخصياتهم أو تاريخهم الفني الطويل.. لقد حدث أن تنازل الممثل والمخرج الكبير لورانس وليفيه عن دور (روميو) للمثل الصاعد آنذاك جون جيلجود بسبب أن الأخير تمكن من إتقان الدور أكثر منه، نعم لا مجال هنا للمحسوبية أو المجاملات الفارغة أو إرضاء الخواطر. إن الفن الخلاق هو وحده الذي يتكلم ويقرر! إن الممثل بحاجة دائمة إلى التدريب والمران المستمرين على عدة أشياء من أهمها فن الإلقاء، وإخراج الصوت، ورشاقة الجسم (اللياقة البدنية الخاصة بالأدوار الحركية والاستعراضية)، والعمل الجماعي، وصناعة الماكياج والأقنعة، إلى جانب ضرورة اكتساب اللياقة الداخلية من خلال المخرجين الذين يعمل معهم أو من خلال المتخصصين، أو من خلال دراسته الأكاديمية لتلك المفردات والعناصر التي تعتبر مهمات مميزة في عالم التمثيل الشمولي. فن الإلقاء.. يقول الفنان المصري الراحل عبد الوارث عسر عن فن الإلقاء: “إنه فن النطق بالكلام على صورة توضح ألفاظه ومعانيه، وتوضيح اللفظ يعني دراسة الممثل للحروف الأبجدية وصفات كل حرف، ليخرج من الفم سليما معافى، كاملا، واضحا، بلا عيوب لفظية أو نطقية، أما توضيح المعنى فيأتي من خلال دراسة وافية للصوت الإنساني: طبقاته، حدته، وأيضا دراسة موسيقية للأصوات من حيث النغمات التي تتناسب والمعاني (الحوار الرومانسي مثلا يتطلب صوتا ناعما هادئا).. لتأتي مطابقة لدرجة الصوت وتحدث وقعا لطيفا على أذن السامع.. وفي مجال التدريب نطلب من الممثل مثلا أن يؤدي مقطعا من مسرحية هاملت لشكسبير وبالأصوات الأربعة المعروفة: السوبرانو، الألتو، الباص، التينور.. وعلينا كممثلين هنا أن نتقيد بقواعد النطق المهمة وهي: مخارج الحروف والسكتات أو (التمبو) وهي من أبرز العناصر في أداء الجمل المسرحية الطويلة، إذ إنها تمثل الفواصل الزمانية في الحوار المسرحي أو أداء المونولوج”. وأخيرا فن التركيز وهو تدريب: حاول كممثل أن تؤدي هذا المونولوج من مسرحية “أفول القمر” للكاتب الأميركي جون شتاينبك.. وقد ترجمت المسرحية في بعض البلدان العربي بـ”تحت الرماد”.. في المرة الأولى أداء بطيئا وفي الثانية سريعا، حتى تصل إلى حالة (الكريشندو) أو الأداء المتصاعد إلى الذروة. أما المونولوج فهو: ان الشعوب الحرة لا تثير الحرب، ولكنها إذا أثيرت عليها عرفت كيف تستمر في الصراع حتى في حالة الهزيمة، أما الشعوب التي تسيطر عليها الأحلام الزائفة فلا تستطيع الاستمرار في الحرب إلا في حالة النصر ولهذا فهي تكسب المواقع.. أما الشعوب الحرة فتكسب الإرادة والحرب. مدارس الإلقاء لفن الإلقاء عدة مدارس على الممثل أن يجيدها لكي تصبح أداة طيعة من أدواته التعبيرية، وهي: أولاً: المدرسة الصوتية: وتعتبر الصوت هو حجر الأساس في عملية التمثيل، كما تعتبر الصوت الجميل المعبر القوي هو كل شيء بالنسبة للممثل دون اهتمام بتطوير القوى الداخلية الخلاقة التي تساعد على تنمية الخيال والابتكار ولهذا فلن تقدم هذه المدرسة سوى ممثل صوتي أو صوت بلا جسد.. بمعنى أنها تقدم آلة منفذة لا غير. ثانياً: المدرسة التشخيصية: وقد تزعمها الفنان (كوكلان) مؤسس مسرح الكوميدي فرانسيز في باريس وصاحب كتاب “فن الممثل” ويرى أن الفن ليس تقمصا كاملا، كما عند ستانسلافسكي، وإنما هو تجسيد أو تشخيص، وعلى ذلك لا ينبغي للممثل أن يمارس الانفعالات التي يحاول تصويرها، وعليه أن يبقى دون تأثر واضح حتى يستطيع التأثير في الآخرين. ثالثاً: مدرسة الحرفية الداخلية: وتركز على انفعالات وأحاسيس الممثل والممثلة وتدعو إلى تطويرها باستمرار من خلال الذاكرة الانفعالية والتخيل. رابعاً: مدرسة الكليشهات: واسمها مستمد من كلمة (كليشيه) أي الشيء الثابت، الجاهز كما هو بلا تغيير، وهناك اليوم متخصصون في هذه المدرسة وهم الذين يؤدون نفس الأدوار بنفس الطريقة والحركات مهما اختلفت نوعية هذه الأدوار. وغالبا ما تجد مثل هؤلاء الممثلين في المسارح التجارية العربية. خامساً: مدرسة ستانسلافسكي: وهي مدرسة منهجية تقوم على تنمية الحرفية الداخلية لدى الممثل من خلال تطوير خياله الخلاق واكتشاف جوهر الدور. سادساً: مدرسة برتولد بريخت: وهي المدرسة القائمة على الأداء دون التقمص الانفعالي المعروف وتستمد مقوماتها من عنصر التغريب في الشخصية. اللاشعور عند الممثل إذا كان الممثل هو (مشروع مجنون) كما يقول أو يقرر بعض الفلاسفة، فلماذا يصفق النظارة (الجمهور) لهذا المجنون؟ هل يستطيع مجنون أن يستحوذ على لب الجماهير بهذه السهولة؟ ولماذا يكتسب كل هذا الاحترام؟ وإذا قلبنا صفحات التاريخ المسرحي وجدنا ان ملوك الإغريق كانوا يضعون الممثل في مرتبة (الكهنة) و(رجال الدين) ولديهم حصانة كاملة من كل القوانين الأرضية! حين ترفع الستارة عن مسرحية ما، ينسى المتفرجون كل شيء.. لكي يبدأوا حياة جديدة مع شخصيات وهمية.. إنهم سرعان ما يتوحدون معها، بل ويتعاطفون مع بعضها ضمن منظومة (التطهير) أو (الكاثارسس) الإغريقية.. وفي بداية هذا التصور اختفاء لعنصر الذاتية ليبدأ الممثل دوره مستعينا بكل خفايا عقله الباطن وما يختزنه اللاشعور عنده من تجارب وخيالات تتداعى كلها في عقله الواعي لخدمة الدور وتحقيق الغرض منه. وفي هذا السياق يقول ستانسلافسكي: “الاسترخاء والطمأنينة يحققان استلهام الشعور بوصفه مصدرا للإبداع ومن العدل أن نقرر بأن العلاقة بين المهارة الفنية وبين حالة الخلق والإبداع اللاشعورية هي نفس العلاقة القائمة بين قواعد اللغة والشعر”. تجهيز الممثل الخطأ الشائع الذي يرتكبه معظم الممثلين أنهم لا يدونون في نصوصهم/ المهمات المسرحية (الإيماءة والحركة الثابتة كحركة العين أو الفم) وحركاتهم الفعلية على خشبة المسرح.. ويكون شغلهم الشاغل هو حفظ الأدوار.. أو الحركات دون فهمها من حيث تطابقها مع نوع الحوار مما يؤدي إلى بلبلة العمل وتضييع الوقت.. وهناك آخرون يقذفون بالنص المسرحي بعيدا ويكتفون بورقة دونت عليها حواراتهم ومفاتيح أدوارهم فقط ؟! مما يعزلهم كلية عن القيم الدرامية في المسرحية، فتأتي الأدوار آلية جافة لا روح فيها. ولكي يقف الممثل على بعض التأثيرات المهمة في عمله يجدر بنا أن نعرض لبعض العناصر المهمة في تكوين الصورة الدرامية: الإيقاع (التمبو): يتكون الإيقاع في المسرحية من خلال الانفعالات الفطرية والتلقائية للممثلين، والتمبو هو سرعة الأداء أثناء الإلقاء أو الغناء أو الحوار أو الموسيقى، ويعرفه الكسندر دين على انه: “سرعة النمط الإيقاعي ويمكن وصفه بأنه سريع وبطيء أو متوسط السرعة، والتغير في التمبو لا يغير بحال في النمط الإيقاعي والأساسي، والمسرحية التي تسير على نبرة واحدة هي مسرحية مملة، رتيبة، ومع ذلك ينبغي ألا تؤدي التنويهات إلى كسر النبرة الأساسية” (2) وللتمثيل أنواع عديدة، قد يتخصص في بعضها ممثل زو يجيدها كلها، وهي: البانتوميم: يطلق على المواقف الصامتة في المسرحيات الحديثة أو هو الفعل بلا كلام، ونعني بالفعل تتابع من تعبيرات الوجه والإيماءات والإشارات وحركات اليدين وأوضاع الجسم مستخدمة استخداما تخيليا ويطلق على هذه العملية (التصوير الدرامي البانتوميمي) وعلى هذا فهي تتضمن عنصر التكوين والتصوير والحركة الإيحائية دون الاستخدام الكامل للأدوات المسرحية الملموسة. التمثيل الخطابي: هو التمثيل بطريقة مفتعلة، تعتمد على الطنطنة والصراخ مع المبالغة في الحركات التي تأتي حادة خشنة على خشبة المسرح. تمثيل هابط: وهو أن يؤدي الممثل دوره تأدية ضعيفة، دون أن يؤكد كلماته أو حركاته بما ينشطها بوسائل التأدية المسرحية المعروفة. وهنا لا بد من الإشارة إلى ضرورة ان يعرف الممثل وضعه على خشبة المسرح، فمنطقة اليمين مثلا بالنسبة له تعني يساره، ومنطقة اليسار على المسرح تعني يمينه، أما وقوفه على المسرح فيكون انحرافيا بعض الشيء متساويا في انحرافه مع تركيبة الديكور حتى يراه الجمهور بوضوح ومن كافة الزوايا (وضع البروفيل = جسم الممثل فيه مائل بزاوية قدرها 90 درجة) وعن الوقوف على المسرح ينبغي ان يقف الممثل دون حراك وباتزان كامل ودون توتر وعلى أمشاط القدمين حتى لا يميل الجسم إلى الاسترخاء والفتور وهنا تفقد الحركة المسرحية بريقها وتوازنها وانضباطيتها. تدريبات الصوت: ليس هناك طريقة للاستحواذ المباشر على انتباه الجمهور أفضل من جاذبية الصوت الجميل المعبر الصادق، وقد حدد الكسندر دين للمثل طريقة مثلى (للتثاؤب) بهدف التخلص من خشونة الصوت. وفي النهاية وكما قال هيراقليطس: “الإنسان لا ينزل النهر مرتين” نعم لقد أحسست ان المسرحي لا يترك النهر أو لا يدخل إلى العالم المسرحي مرة واحدة، فهو يتغير دائما.. وينظر إلى الأشياء في إطار اللحظة التي يكون فيها غارقا في حالة مختلفة على خشبة المسرح.. ومن هنا كان المسرح هو التمثيل وهو سؤال الحياة الدائم.. من هنا كان على الممثل أن يسترشد على الدوام بقواعد ومفردات كفيلة بأن تجعل منه العنصر الأصيل والسيادي ضمن العملية المسرحية المعقدة. هوامش: 1 ـ عبارة عن سوء توافق بين الشخصية نتيجة ظروف البيئة السائدة، وهي حالة خفيفة يستطيع الإنسان أن يمارس حياته كما يرى. وأنواع العصاب هي: القلق، وحالة الهستيريا غير العضوية وهي ان الفرد يصاب بشيء يريد هو أن يصاب به. 2 ـ أسس الإخراج المسرحي ـ ترجمة سعيد غنيم ـ ص 357. دار المعرف المصرية ـ القاهرة 1972 م.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©