السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

آخر صور المدينة.. المنقرضة

آخر صور المدينة.. المنقرضة
15 سبتمبر 2010 20:47
قد يكون الفنان صاحب أحمد الرسام العراقي الوحيد الذي جسد معالم مدينته كربلاء وتاريخها بشكل مختزل دون أن يترك شاردة ولا واردة إلا مر عليها بعمق وبتعبير في غاية البساطة والاختزال. إنه رسام وحفار برع في التخطيطات الصحفية مثل “المونتيف” بالإضافة إلى أعمال “الجرافيك” والزيت حيث أحدث نقلة نوعية ولأول مرة في تاريخ الصحافة العراقية والعربية. كانت تفرد له صفحتان من جريدة “الجمهورية” السابقة و”الاوبزيرفر” البغدادية الصادرة بالإنجليزية ليجسد عليهما رسوماته المذهلة، الرائعة في بساطتها واختزالها ومعناها. في معظم أعماله سواء كانت رسماً أاو حفراً تبدو ذاكرته مليئة بالحكايات الشعبية عن هذه المدينة المتشحة بالسواد والبكاء والعباءات والشناشيل والأزقة والقصص والتاريخ. درس صاحب أحمد الرسم في أكاديمية الفنون الجملية وأكمل دراسته في الطباعة والكرافيك في أميركا في معهد “اوتس” في ولاية لوس انجيليس عام 1982. برع الفنان في فن “الجرافيك” وأقام علاقات بالوسط الفني الأميركي وعمل حفاراً في أشهر مشغل للجرافيك بدفع من أستاذه الهندي الأحمر الذي أشاد بفنه ونظرته الحادة في التقاط الأشياء والتعبير عنها بكل بساطه واختزال. بعد عودته من الدراسة تفرغ للرسم وللصحافة حيث يحدث لأول مرة أن تنشر الصحف العراقية رسوماته على صفحتين من جريدة “الجمهورية” التي عمل فيها رساماً طيلة عقدين أو يزيد، وقد حدث ذلك أيضاً مع جريدة “الاوبزرفر” العراقية الصادرة بالإنجليزية، بالإضافة إلى مشاركاته الواسعة في أغلب المعارض العراقية والعربية. في مدينته العتيقة ذات القصص والحكايات الشعبية يهيم الفنان صاحب في الضواحي والأزقة الباردة هرباً من لهيب الحر العراقي المزعج متأملاً ومستذكراً أسماء شخوصها ومناقبها وأسماء نساء شكلن موضوعاً أثيراً وممتعاً في ذاكرته، يمر صاحب أحمد بصمت وهو يرى المدينة التي كونت عوالمه وأسلوبه وقد أصبحت أكبر مركز تجاري في العراق بعد عام 2003. إنها مزدحمة وضاجة بالمحلات التجارية والمطاعم حيث يرتادها ملايين الزائرين طيلة أيام السنة، هذه المدينة فقدت ميزتها وخصوصيتها. اختفت المقاهي والحارات بأزقتها الضيقة وشناشيلها الجميلة بعد أن استولى التجار على المدينة وحولوها إلى مخزن كبير لبضاعتهم، لم يعد فيها متسع للتأمل فقد غادرتها القصص وغادرها الشخوص مثل حسين الكواز وعلي الصليني والشيخ هادي صوت كربلاء الهادر. يمتلك الفنان صاحب أحمد قدرة عالية على تأمل أشكاله وأدواته إذ إن لديه القدرة على تجسيد إيقاعات مختلفة وإنشاءات متعددة ومن منظور مختلف حتى كأنك ترى فيلماً سينمائياً أمامك من زوايا عدة. ورغم تعدد إنشائه تكويناته إلا أنها شديدة الاختزال والتعبير حيث تحتشد الخطوط بكل نضجها وتعددها. أما ألوانه فهي مستمدة من جمال المدينة العتيقة وما يحيطها من بساتين الفاكهة حيث كون عالمه الأبدي الذي مازال يتغنى به رغم الزحام وقلة الحركة. ومع هذا ترى أعماله ضاجة بالحركة والديناميك مع أن أبعاده محسوسة وتكون أجمل إذا صاحبها تعليق للفنان وتسميته لشخوصها وأزقتها. في قسم آخر من أعماله نشاهد الكثير من الخطوط وكأنه يترك للمشاهد حرية التعبير مع ما يتناسب من خطوط وألوان وأشكال. أما في أعمال الحفر فتبدو أعماله وكأنها نسجت من قطعة سجاد أو نسيج إسلامي قديم مرر عليها الفنان حرفاً هنا أو زخرفاً هناك، أو حتى إشارة وهي منفذة بأكثر من تكنيك ومعالجة كما هو الحال في أاعمال الحفر على الزنك التي لا تفترق كثيراً عن روحية تخطيطاته. إنه يختزل ويكثف كما في مجمل أعماله عندما يدخل الحرف مرة أو الافريز الإسلامي للتحلية أو لتجسيد أثر ما من تاريخ مفقود أو في طريقه إلى الاندثار بعد زحمة المدينة التي لم يعد يجد فيها الفنان متسعاً لأفكاره وأعماله، لهذا تراه اليوم ينتقل هنا وهناك على أمل العثور على ضالته التي طالما أتعبته وأفسدت عليه حياته. أقام الفنان صاحب أحمد الكثير من المعارض في أميركا وبغداد وتونس والأردن ويستعد لإنجاز معرض كبير يضم لوحات متعددة التقنيات يصور فيه المعالم التي بدأت تختفي من المدينة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©