الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إصلاح الأسد... الوعد المنكوث

18 يونيو 2012
قبل أكثر من عقد من الزمن على وقوع ما بات يسمى "الربيع العربي" كان هنالك ربيع دمشق. ففي الأشهر الأولى بعد تولي الأسد الحكم في سوريا عام 2000، انتعشت موجة من حرية التعبير بعد أن بعث الرئيس الجديد بإشارات أُوِّلت على أنه يعتزم إرخاء قبضة الحكم السلطوية التي كانت سائدة طيلة عهد والده. فشكل المعارضون 70 منتدى للحوار، وكانوا يجتمعون بشكل صريح، ونشروا مجلتين منتقدتين. ولكن بعد ذلك، وبشكل مفاجئ تماماً وعلى النحو الذي بدأ به العهد الجديد، عمدت قوات الأسد إلى القمع. فتعرض الأشخاص الذين كانوا يعبرون عن آرائهم ومواقفهم علانية للاعتقال، وتوقفت الإصلاحات الاقتصادية. وفي هذا السياق، يقول محمد العبدالله، وهو ناشط سوري شارك في الحوار ليجد نفسه ووالده وشقيقه بعد ذلك يتعرضون للاعتقال بعد بضعة أشهر: "لقد وجدنا أن الربيع لم يكن سوى طريقة لجعل الناس يقبلون بنقل السلطة من الوالد إلى الابن"، مضيفاً "لقد كان واضحاً أن الأسد ليس إصلاحياً سياسياً". واليوم، وبينما يرد نظام دمشق بعنف على انتفاضة شعبية من النوع الذي أطاح بأنظمة أخرى عبر الشرق الأوسط خلال الثمانية عشر شهراً الماضية، قبل نظام سوريا صورته كنظام منبوذ عالمياً، وقال الأسد في العلن كما في المجالس الخاصة إنه لن يهرب، وإنه لن يذعن للضغط الأجنبي. ويعتقد الأسد أن وجوده وسيطرته هما الوسيلة الوحيدة لحماية طائفته العلوية -وهي طائفة شيعية تشكل نحو 12 في المئة من سكان سوريا- من أعمال العنف المضاد. وفي هذا الإطار، يقول القس باتريك هنري ريردون، الذي التقى الأسد لـ90 دقيقة في ديسمبر الماضي: "ليس لديه أي وهم بشأن الطريقة التي ينظر بها إليه عبر العالم"، مضيفاً "ولكنه يرى أنه لابد من أن يحافظ على بلده متماسكاً، وللقيام بذلك، عليه أن يدق بعض الرقاب". وكما سبقت الإشارة، فعندما تسلم الأسد السلطة في سوريا بعد وفاة والده السلطوي، كان يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه إصلاحي، وشخص يمكن أن يطبق الأفكار الغربية للحداثة والانفتاح في حكم دولة عربية، ولاسيما أنه عاش في لندن ردحاً من الزمن، وتزوج من امرأة مولودة في بريطانيا، وأصبح من الدعاة إلى استعمال تكنولوجيات الإعلام الحديثة. وخلافاً لشقيقه الأكبر الأكثر صرامة باسل، الذي توفي في حادث سيارة سنة 1994، لم يتلق بشار تدريباً على الحكم، فقد كان طبيباً فقط. وفي خطاب تنصيبه، صدر عن الأسد ما بدا لكثيرين دعوة إلى التغيير حيث قال: "علينا أن نواجه أنفسنا ومجتمعنا بجرأة وشجاعة، ونجري حواراً شجاعاً... نكشف فيه نقاط ضعفنا". ولكن رد فعل الحكومة على ربيع دمشق أثبت أنه كان مؤشراً أكثر دقة على الطريقة التي سيحكم بها الأسد البلاد. فعلى رغم كلامه حول تشكيل مجتمع أكثر انفتاحاً وديمقراطية، إلا أن الأسد تبنى خطاباً يقدم سوريا دائماً باعتبارها هدفاً لمؤامرات المتشددين والولايات المتحدة وإسرائيل. وكان كلما تعرض للضغط خلال الخمسة عشر شهراً الماضية من داخل سوريا وخارجها، كلما قاوم ذلك وواصل عناده. ويقول "ديفيد ليش"، وهو مؤرخ بجامعة ترينيتي في سان أنطونيو، ومؤلف كتاب حول الأسد: "في ذهنه، أنه إذا كان لابد من أن تتحول سوريا إلى بلد مثل كوريا الشمالية في الشرق الأوسط لمدة عشر سنوات، فليكن ذلك". وبينما نفت حكومته أي دور لها في أعمال القتل الجماعي للقرويين العزل، ألقى الأسد خطاباً أمام البرلمان السوري هذا الشهر، دافع فيه بعناد عن الردود القاسية على ما يعتبره هجوماً وجودياً على بلاده حيث قال: "من هو الإنسان العاقل الذي يحب الدماء؟... ولكن عندما يدخل الطبيب الجراح إلى غرفة العمليات، ويفتح الجرح، وينزف الجرح، ويقطع ويستأصل ويبتر.. ماذا نقول له؟ تبت يداك هي ملوثة بالدماء؟ أم نقول له سلمت يداك لأنك أنقذت المريض؟". عندما تولى الأسد السلطة لأول مرة، بدا كما لو كان نوعاً مختلفاً من الزعماء العرب، حيث تراجع عن بعض من ديكور حكم العهد السابق. كما قطع مع بعض التقاليد وأخذ زوجته إلى مطاعم دمشق بدون حراس شخصيين. بل إنه قاد سيارته بنفسه في بعض الأحيان. ولكنه "سرعان ما بدأ يصدق أن مستقبل سوريا متشابك كلياً مع مستقبله الشخصي"، كما يقول "ليش"، الذي كان يلتقي مع الزعيم السوري بانتظام خلال معظم العقد الماضي، مضيفاً "إن السلطة مثيرة للشهوة... وعندما يكون المرء محوطاً بالمتملقين، فإنه يشرع في تصديقهم". كما أدرك أيضاً أن سلطته تعتمد على إرضاء القوات الأمنية والعسكرية السورية، إلى جانب طائفته العلوية، يقول "ليش". وقد حصل "ليش" أيضاً على لمحة أولية عن تردد الأسد في مواجهة قواته الأمنية في 2007، عندما تلقى دعوة للالتقاء بالرئيس. فقد احتجز "ليش" في مطار دمشق واستجوب لثلاث ساعات من قبل ضابط أمن لم يتوقف خلالها عن تدوير مسدسه على سبابته. وعندما التقى "ليش" بالأسد وحكى له ما حدث، اعترف له هذا الأخير بامتعاضه، ولكنه قال له إنه لا يستطيع فعل أي شيء حيال المعاملة السيئة التي تلقاها. "إنه يحتاج إلى قوات الأمن لأشياء أخرى"، يقول "ليش"، مضيفاً: "لقد اكتفى بالقول إن تلك هي الطريقة التي ينبغي أن تتم بها الأمور في سوريا". مارك فيشر محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©