الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التاريخ الفلسطيني بوجهيه

التاريخ الفلسطيني بوجهيه
19 يونيو 2013 20:59
وردة حمراء، زجاجة عطر أو شال بلون الثورة... جميعها هدايا لا تفي بالغرض في حضرة مناضلة بحجم ليلى خالد، فكان الخيار العملي لدى زوجها الطبيب والكاتب الفلسطيني ابن مدينة قلقيلية فايز رشيد بإهدائها مؤلفاً وضعه باسم “تزوير التاريخ”، وفيه دحضٌ لادعاءات رئيس الوزراء السابق في اسرائيل “بنيامين نتنياهو” في كتابه “مكان تحت الشمس”، والأخير من بين أكثر الكتب المعادية التي حققت رواجاً ملحوظاً في الشارع العربي بعدما تمت ترجمته الى العربية. عشرة فصول لنتنياهو يقابلها رشيد بعشرة فصول محبكة الوثائق والمعطيات من أجل كشف زيف مقولات الصهاينة وبطلانها، وبالتالي عدم السماح لتلك المغالطات بالانتشار على حساب الفلسطيني الذي كان يملك الأرض، فإذا به يصبح على قرار يسلبه الأرض والهوية والانتماء منذ 65 عاماً، ولا تزال محاولات السلب و”السلبطة” قائمة بأبشع سبلها وأكثرها وحشية، فهل من آذان صاغية وعيون مفتوحة للتحذيرات التي يحويها الكتاب بين دفتيه على مدى 206 صفحات من البيانات والشواهد التاريخية؟. يعترف رشيد بأنّ مقولة نتنياهو عن الشعب الفلسطيني الذي وصفه بـ”أقلّية لا تمتلك مواصفات الشعب”، مع ما فيها من عدوانية وعنصرية واستعلائية وحقد، هزّته كثيراً إلى حد اتخاذه القرار بالرد دفاعاً عن فلسطين الكنعانية العربية التي يجري اغتيال تاريخها، وعن الشعب الفلسطيني الذي “تمتد مراحل تاريخه إلى آلاف السنين، عاشها منغرساً في فلسطين العربية... وآخر مرحلة له استمرت 1400 سنة منذ الفتح العربي الاسلامي لفلسطين، وما صاحبه من هجرات عربية إلى أرض اللبن والعسل”. وعلى الطرف المقابل، يجهد نتنياهو في صناعة تاريخ لليهود الذين عاشوا في دول متعددة كمواطنين مثل كل الآخرين في تلك المجتمعات، وذلك بهدف إثبات وقائع جديدة، مع كل ما تتضمنه من ديماغوجيا، على طريق تثبيت مفهومي (الشعب الاسرائيلي والأمة اليهودية) بالرغم من انعدام الروابط ـ باستثناء الديانة ـ ما بين الأميركي والبولندي والأثيوبي من اليهود. ومن ذلك الموزاييك، تنطلق الحركة الصهيونية في بناء وتثبيت مصطلح جديد هو المجتمع الاسرائيلي”. ولذلك يبيّن رشيد حقائق حول امتلاك الأرض تثبت بأنّ اليهود في العام 1917 ما كانوا يملكون سوى 2.5 بالمئة من أراضي فلسطين، وعند صدور قرار التقسيم عام 1947 كانوا يملكون 6.5 بالمئة، أمّا في العام 1982 فانهم أصبحوا يسيطرون على 93 بالمئة ولمحو ذكرى وجود السكان الزراعيين الفلسطينيين والتأكيد على أسطورة بلاد الصحراء، دمّرت اسرائيل بالبلدوزر نحو 385 قرية من أصل 475 كانت مسجلة في العام 1948. يزعم نتنياهو بأنّ “التراث اليهودي” أهم مرتكزات الحضارة الغربية، إلا أنّ رشيد يورد في هذا السياق مقالة للدكتور عبدالوهاب المسيري بعنوان “أكذوبة الثقافة اليهودية” يبيّن فيها: “أنّه وبرغم حرص الكتابات الصهيونية على الترويج للثقافة اليهودية والمصطلحات الأخرى مثل “التراث اليهودي” و”التاريخ اليهودي” و”العرق اليهودي” الذي يفترض وجود “إبداع يهودي” مستقل عن إبداع الأمم التي يعيش اليهود بين ظهرانيها، وهو افتراض تدحضه الشواهد التاريخية، فإنّ ذلك لم يمنع استمرار الصراع القائم بين الثقافات المختلفة داخل اسرائيل”. وبخصوص المسيحيين في العالم العربي، فإنّ نتنياهو ينفي عنهم عروبتهم باعتبارهم أقلّيات، وهو النفي الذي يشتمّ منه الطبيب الفلسطيني رائحة الفتنة التي تنبعث دوماً من الصهيونية إذ يعلّق: “لم يشهد الوطن العربي على مدى تاريخه، أيّة نزاعات دينية أو عرقية، إلا عند قيام اسرائيل حيث ابتدأت بؤر التوتر، واشتعلت جذوة هذه الصراعات. وأبرز مثال كان في لبنان، حين حاولت اسرائيل ادعاء الدفاع عن الطائفة المارونية...”. وحول العلاقة بين العرب والغرب، يرجع نتنياهو الجذور الحقيقية للنزاع في الشرق الأوسط إلى توأم التطرف العربي: “القومية العربية والإسلام الأصولي”، وهنا يقرأ رشيد محاولته الخبيثة بالآتي: “ليس متوقعاً من نتنياهو الإعجاب بالقومية العربية أو الإسلام الذي يسميه أصولياً، فهو يرى في القومية العربية الممتدة بعيداً في التاريخ والتي تعتبر عاملاً أساسياً في إمكانية توحيد شعوب الأمة العربية، صاحبة التاريخ واللغة والأمّة والانتماء الواحد والهموم الواحدة في دولة الوحدة، النقيض للوجود الصهيوني برمته في المنطقة”. يذكر رشيد أنّه قبل التقسيم كانت فلسطين تنتج ثلاثين ألف طن من القمح سنويا،عدا الحبوب والحمضيات والمحاصيل الوفيرة التي أحرقت جميعها بغرض الترويج لفكرة الأرض المهجورة مدعّمة بأقوال لعلماء آثار منحازين لاسرائيل، ومنها: “وجدنا صعوبة في التعرّف على القدس”، و”إنّ الناصرة عبارة عن قرية صغيرة ليست ذا أهمية”، وقول لامارتين: “لم نر مخلوقاً حياً خارج أسوار القدس”. في حين ينقل المؤلف عن الروائي اليوناني نيكوس كازتنزاكي في كتابه “ترحال” مشاهداته في فلسطين في العام 1927: “دلفت الى داخل مسجد عمر في القدس وأنا مفتون مسحور. كانت الأحرف العربية مجدولة كالأزهار، حروف تكرّس الحكم والمواعظ القرآنية، تلتفّ حول الأعمدة كأشجار العنب المتسلقة، ثمّ تزهر ثانية وهي تحيط بالقبّة... وترى أريحا تبتسم لك كواحة معزولة أمام بساتين الرمان المزهرة، وأشجار الموز والتين والتوت، كلها محاطة بسياج من أشجار النخل الطويلة... ذلك المنظر البهيج نفسه يقابلك في حيفا، فترى بساتين الرمان المزهرة والمتجددة، وبساتين أشجار البرتقال والليمون... وفي الجنوب في مدينة ابراهيم الخليل القديمة، تحسّ بألفة وطمأنينة الأرض وهي تستقبل محراث الانسان... في السامرة والجليل تبدو الجبال أكثر وداً وألفة في مظهرها العام، حيث الطيور والمياه والأشجار تعطي للطبيعة أنسها وألفتها”. في الفصل الأخير يشكك بإبادة ستة ملايين يهودي على أيدي النازية، باعتباره رقم مبالغ به. يفنّد بالأرقام: “إذا كان مجموع ضحايا الحرب العالمية الثانية قرابة 50 مليوناً من البشر، منهم عشرين مليوناً من الاتحاد السوفياتي، وستة ملايين بولندي، وعشرة ملايين ألماني، و15 مليوناً من الدول الأوروبية الأخرى فمن أين جاء عدد اليهود الذين اعتمدتهم محكمة نورمبرغ؟”. ويحاول نتنياهو أن يبعد المسؤولية الرسمية الإسرائيلية عن ارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا إذ يقول: “مذبحة ارتكبها مسيحيون لبنانيون ضد مئات الفلسطينيين في مخيمي اللاجئين صبرا وشاتيلا، القريبين من بيروت، إنّ جنود الجيش الإسرائيلي لم يرتكبوا تلك الجريمة البشعة، ولم تشترك قوّات اسرائيلية فيها، كما لم تمهّد لها، حتى أنها لم تعلم بها. ولقد أوصت لجنة التحقيق برئاسة رئيس المحكمة العليا الاسرائيلية القاضي كاهان، بإقالة وزير الدفاع أرييل شارون، لأنّه فقط لم يعلم بأنّ المذبحة ستحدث”. ينقض الكاتب ادّعاء نتنياهو مستنداً إلى حقائق منها أنّ القوّات الاسرائيلية كانت تحتل بيروت في وقت المجزرة، وكانت تنتشر وتحيط بالمخيمين من كل الجهات، وكان التنسيق الإسرائيلي الكتائبي في أوجه، فهل من الممكن لأيّة ميليشيات مسلّحة لبنانية أن تدخل المخيمين دون علم وتنسيق مسبق مع القوّات الاسرائيلية المحيطة بهما. ويستذكر ما أجاب به الناطق باسم الجيش الاسرائيلي عندما سئل عن مجزرة العرقوب التي قتل فيها 14 فلسطينيا: “هذه الأحداث أكل الدهر عليها وشرب، ولا حاجة لإثارتها نحن لا نملك أرشيفاً منذ عام 1948”. الخلفية التي ينطلق منها نتنياهو هي “القوة اليهودية” وفرض السياسات الإسرائيلية المراهنة على “العقل اليهودي والأموال العربية”، وهذا يبيّن أن إسرائيل لا تريد سلاما حقيقيا مع العرب، وإنما الامتثال لمخططاتها. وفي حين يطرح منطق “السلام” بشروطه الخبيثة، يجد رشيد فيه منطق “الاستسلام” أو سلام عصابة قطّاع طرق تفرض خوّة على جيرانها، يقول: “إنّه ليس السلام الذي يعترف به المجتمع الدولي أو الهيئات الدولية، إنّه السلام المؤدي الى التوسّع”. وينتقد رشيد منطق نتنياهو الذي يؤمن بأنّ “قتل العرب جائز”. يورد قصة الجندي شموئيل لاجيس الذي كان مسؤولا عن مصرع نحو 70 فلاحا عربيا، وقد كرّم على جرائمه بتعيينه مديراً عاماً للوكالة اليهودية”. أمّا المسؤولية في النكبة الفلسطينية، فينفض نتنياهو يده منها باعتبار أنّ طرد وتهجير ما يزيد على ثلاثة أرباع المليون من الفلسطينيين في العام 1948 يقع على عاتق الحكومات العربية التي أمرتهم بمغادرة مدنهم وقراهم من أجل فتح الطريق أمام الجيوش العربية المتقدّمة. في ختام شهادة رشيد التي يضعها برسم التاريخ انطباع بأن السلام إذا ولد مشوهاً لن يعمّر، وأنّ الصلف والعدوانية التي ينطق بها كلّ حرف من حروف كتاب نتنياهو يبيّن بما لا يدع مجالا للشك بأنّ اسرائيل لا تريد سلاما حقيقياّ، وإنما امتثال العرب لمخططات ذلك الكيان الغاصب. فهل من يعتبر ويحسن قراءة التاريخ كما يفعل فايز رشيد؟. الكتاب: تزوير التاريخ المؤلف: فايز رشيد الناشر: الدار العربية للعلوم
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©