الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفن الـ «صاخب»..

الفن الـ «صاخب»..
19 يونيو 2013 21:02
محمد خضر كل ما في قاعة العرض كان صاخباً ومدوياً تماما كما يدل عليه عنوانه: “صتخب”، أو هكذا أراد المنظمون لهذا المعرض، الذي انطلق في مدينة الخبر شرق السعودية واختاروا له عنوانا يشف عن توجههم الفني الحديث. مجموعة من الأعمال والاشتغالات الفنية الحديثة لمجموعة من الفنانين يقتربون في توجهاتهم وأفكارهم ويتقاطعون مع بعضهم في الخروج من الدوائر الفنية الضيقة وإطارات الفن الجامدة متجهين نحو اقتراب الفن من الواقع والحدث والراهن، بل وفي صميم ذلك بدت اشتغالاتهم ـ والتي لم تعرض كثيرا في المنطقة الشرقية ـ قريبة مما يشغل الناس في قضاياهم الاجتماعية والسياسية والإنسانية عامة، وما يتصل بنقد العادات والظواهر المكرسة في مجتمعاتهم، وجنبا إلى جنب مع ما تحمل الأعمال من خطوة فنية بدا أن فنانيها على درجة كبيرة من استيعاب المتغير والحديث في الخطاب الفني العالمي اليوم، وفي الاشتغال والحفر والترقب والرصد لما يمكن تحويله إلى عمل فني يحمل مفاهيمية ما نحو قضايا الإنسان. وهذا ما أشارت لي به مشرفة وشريكة ادارية في المعرض نجلاء السحيمي حيث تعتبر أن قيمة هذا التجمع يكمن في رهانه على المختلف وتقديم تجارب فنية بعيده عن القوالب المعتادة والسائدة. هناك صناديق يوسف الشافعي الملونة التي وضعت مركونة في صالة المعرض وكأنها لأول وهلة ليست من معروضات الصالة، مكتوب عليها عبارات لأغنيات وقصائد شهيرة وربما حنينه وذوقه الخاص قاده إلى صنع هذا البديل لأدراج وطاولات روتينية ومعتادة. الشافعي يقترح البهجة والفرح ويأخذنا نحو صناديقه المليئة بالأسرار والألوان الزاهية. وجداريات منى التي تصادفنا منذ الصعود إلى سلالم صالة العرض، نساؤها اللواتي يملأن الصالة ببصيص أمل في نهاية المطاف حيث المرأة بزيها العباءة بحيث لايظهر إلا عينيها (النقاب) تحمل بالونات في دلالة مفتوحة على الحلم والأمل، وتحمل حقائب أوروبية لتخلق حالة من الأسئلة. وعلى مقربة منها يقدم الكويتي محمد شرف عملا يشير إلى التناقضات الصارخة والمتباينة عن بعض الظواهر الاجتماعية، وينتقد لغة المنع والحجب التعسفية التي تملأ أفكار الناس وتملي عليهم توجهاتهم حتى السياسية منها، فيما يركن طلال الزيد قطعا من الستالايت ـ الأطباق الفضائية على أرض المعرض، تلك القطع التي تلطخت بآثار كأنها تشويش فضائي أو أثر قادم من فضاء آخر. وفي وسط الصالة ثمة طاولة ضخمة تمثل لعبة الكيرم الشعبية المعروفة العمل الذي قامت به الفنانتين غادة العسيمي ودلال الشيخ وكتب عليه عبارة “اللي ماله ماضي ماله حاضر”، ومقابلها على الجانب الآخر عبارة صنع في الهند، في دلالة ساخرة وناقدة على ما ساد لدى الناس طيلة فترات زمنية طويلة من أن الكيرم لعبة شعبية يعتز بها كتراث وطني أو رمز تراثي، بينما الحقيقة تقول أنها مجرد لعبة صنعت في مكان بعيد ولا تعني موروثاتنا العربية على أي حال.. وعلى مقربة من الكيرم يجلس الفنان طلال مداح على أريكة صنعها حسين المحسن تشير بطريقة ما إلى رحيله وذاكرته في دواخل الناس وربما إلى ذاكرة الموسيقى بوجه عام في دواخلهم. وكذلك رملاء الحلال التي تعرض أغلفة مجلة فنية شهيرة “رولينغ ستون” عليها صور لفنانات من السعودية في أزمنة قديمة، في إشارة لوضعهن البعيد عن الشهرة ونيل حظهن منها لأسباب كثيرة من بينها سمعة ما يقمن به في بعض الثقافات أو الخطابات التي تدني من شأنهن. أما نورة كريم فهي تبتكر أغلفة مجلات بشكل كاريكتيري لتشير إلى واقع ينبغي أن يكون بديلا عن ظاهرة التلميع الدائمة في مجلاتنا. ويقدم أيمن الزيداني أربع لوحات ومقاربات عن الطير والإنسان، وتعرض الفنانة زهرة السيد عملا يشبه اللوحة الإرشادية لكنها حول المرأة والرجل والاشتعال والكسر وكيف يمكن أن يتم تدوير الإنسان بل تغييره، إذ لا شيء يبدو مستحيلا. ومثله عمل آخر علق في سقف الصالة للوحات إرشاديه مبتكرة وبتعبيرات محلية صرفة. وهناك أعمال أخرى تحمل ذات الحس بالأشياء من حولنا وإن اختلفت الخامات والتعبيرات بين الفوتغرافي والغرافيك والمركبات والحروفيات والطباعة والتجهيز في الفراغ، إلا أنها تكاد تعبر عن ثيمة واحدة ليوسف الحمد وفنجان قهوته ومفردة (بس) كناية عن الاكتفاء. ومن المعروضات أعمال لسارة طيبة وأمينة الباسي وخالد زاهد الذي يلقي باب السيارة الملقى في ركن الصالة بينما كلمة حريتي مكتوبة مع صورة امرأة بالزي التقليدي. كذلك عرضت مجموعة أخرى من المصورين بينهم علي شعبان وهياتم الدهام وأمينة العباسي أعمالهم مع بعضها البعض والتي صورت بكاميرا الجوال العادية في نظرة جديدة لهذا الفن ونقدا لصرامة محترفيه من الفوتغرافيين الذين يشترطون الجودة دائما والنوعية المميزة للعمل في هذا المجال. والمعرض لايكتفي بذلك فقط بل دعا إليه هواة من ساحات الانترنت ذاع صيتهم برسوماتهم في الشوارع، مثل رزيقة الذي جاء مقنعا للمعرض رافضا الافصاح عن هويته ليرسم الأوجه والبورتريهات، ومشكلا ظاهرة فنية جديدة وغريبة لكنها تليق بفنان وبجدارة. صاخب جدا هذا المعرض ومميز وخلافا للسائد والمكرر يأتي ليقدم أفكاره الجديده مع فنانين جديرين بالتقدير، صاخب يبحث عن الفن في كل أمكنته المتاحة من أقبية الهواة والانترنت وجيل جديد يحمل على عاتقه توجها فنيا مواكبا لما يحدث في العالم اليوم وما يحتاجه الفن قبل ذلك من الالتصاق بواقعنا وهمومنا وثقافتنا. وضمنيا يريد هذا المعرض الصاخب تخليصنا من عبء الأسئلة الراهنة والمصيرية وشراكته معنا كنظارة ومتلقين في صنع الحلول التي قد يكون النقد ـ حتى لو كان ساخرا ـ واحداً من مرتكزاته، ومحملا بقيم الاختلاف والجدل والحوار، علاوة على ذلك يعطي مفهوما واسعا عن الفن حيث ثقافة الغالبية من الناس تتوقف عند الجمالي البصري وعند معطى الفن الأولي، ذلك المعطى الذي ظل ناعما لفترة طويلة يلتقط من بعيد وبالكاد يترك أثرا ويفتح فضاء للأسئلة. إنه معرض يدمج بين إحساسنا بالراهن من حولنا وموروثاتنا والعادات والتقاليد ليرينا اللقطة مرة أخرى بعد مدة من الزمن، اللقطة التي قمنا بتصويرها نحن لنشاهدها تماما في أعمال مختلفة بتكنيك وخامات مختلفة. هذا المعرض يبدأ من المكان.. من بيئته الثقافية في وجدان الناس وصعودا نحو أي متلق في العالم يمكنه أن يقرأ فضاءاته. لم نعد بحاجة اليوم إلى مستشرقين يلتقطون صورا ولوحات لنراها مرة أخرى مندهشين من قدرتهم على الانصات لنا...
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©