الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أعمال حامد عبدالله تُعيد للخط العربي مجده وتألقه

أعمال حامد عبدالله تُعيد للخط العربي مجده وتألقه
5 يوليو 2014 22:56
مجدي عثمان (القاهرة) استمد الفنان حامد عبدالله مهاراته الفنية من أصوله المصرية وتجاربه الحياتية، مع اعتزازه باللغة العربية وقرآنها الذي حفظه في الكُتاّب، واستشهاده وإشادته بالزخرفة العربية الإسلامية التي اطلع عليها الغرب واعتبرها الفيلسوف الألماني كانط قمة فنون العالم، وكان يقول إن مصر هي معلمه الأكبر، بطبيعتها الجغرافية، بشمسها وفلاحيها وسمائها ونيلها، وأن ألوانه تتناسب مع طبيعته، وأن الرسامين الغربيين لديهم اعتقاد خاطئ بأن الشرق يوحي بألوان حارة، كالأصفر والبرتقالي، بينما الأبيض هو الذي يسيطر على لوحة الألوان المصرية، ويعود السبب في ذلك إلى أن النور الباهر الذي تتميز به مصر يخفف من كثافة الألوان وحدّتها، ومن وجهة نظر أخرى لا توجد عندنا ظاهرة التضاد اللوني الشديد، ذلك لأن الضوء القوي ينعكس على الظل، فيضيء الظل. تراث شفهي وأعمال عبدالله تكشف عن روح العائلة المتماسكة التي طالما رسمها في لوحاته، وتتذكر عائلته حينما جمعهم في باريس لقراءة الفاتحة على روح عبد الناصر حين علم بوفاته، ومنع تشغيل التلفزيون في المنزل لعشر سنوات في أعقاب هزيمة 1967، اعتراضاً على الصور المضللة التي كانت تبث عن مصر، وظل يحكي لأولاده عن بطولات ثورة 1919 وما سبقها من ثورات وانتفاضات مصرية، كان أهله قد نقلوا تراثها الشفهي إليه، حكي قصة السيدة العجوز التي صفعت نابليون بونابرت أمام أهرامات الجيزة، لأنها استاءت من زهوه وخيلائه. ويرى حامد أن الفن يعبر ولا يروي‏، ويشير ولا يشرح‏،‏ لذلك تطرق إلى عدة أساليب فنية مختلفة من الأكاديمية إلى الحروفية، وفي ذلك قال عنه الأديب الكبير ادوارد الخراط «لا أظن أن فناناً مصرياً استطاع أن يسيطر علي مراحل فنه المختلفة بأستاذية وإلهام لا يخطئ مثله على الرغم من تنوع المراحل واتساقها في آن مثلما فعل حامد عبدالله»، وربما كان ذلك بسبب تنقل حامد عبدالله بين باريس، وأوروبا، والدانمارك، واكتسابه تجارب فنية استطاع أن يوظفها في لوحاته لا سيما في مقاربته للقضايا التي تعصف بالعالم، مفتخراً في الوقت نفسه بلغته العربية وتراثه العريق ومعتبراً أن الفن سلاحه للهروب من البشاعات إلى الجمال المطلق الأقرب إلى الخيال والحلم. النقد المعرفي وقال حامد عبدالله، إن الفنان المعاصر عليه إلا يخضع للتراث أو يكون عبداً له، بل عليه أن يتناوله بالنقد المعرفي، وأن الفن الإسلامي والفرعوني مجال خصب للمبدع الذي يستوعبه، فجوجان نقل لوحة فرعونية بدقة شديدة، لكنها ملونة بعالمه، مؤكدا أنه من الضرورة التعامل مع التراث، لكن مع العلم بأننا في عصر الكواكب وغزو الفضاء، فلابد من أن نكون في مستوى العصر. وفي محاولته لفهم أعمال سيزان وبيكاسو وبول كليه، كان يبحث في الوقت نفسه عن ذاته، ويجيب بما لديه من موروثات تؤكد النزوع التجريدي لدى الفنان المسلم، وهو نزوع يعتقد أن التجريدية الغربية طورته، كما ذكر في مقال نُشر في كتاب «عين الروح - الرسام عبدالله» تحت عنوان «أوروبا ودرس الشرق»، والذي صدر مؤخراً، ذلك الكتاب الذي كشف عن انشغالاته النظرية وتأملاته التي صاغها بشأن مشروعه الفني. الشرق والغرب وتركز مساهماته في الأساس على التأثيرات المتبادلة بين الشرق والغرب، حتى أرقته كيفية تطوير ما سمي بـ «الكلمة الخلاقة»، ومن أجل ذلك وفي خضم عدد من الارتجالات الخطية، كما أطلق عليها، رسم وجوها مستوحاة من كنيسة سلاتين في صقلية، يتضح منها التأثر بالخط العربي، حتى انتهج حروفية تتميز بنظرة خاصة وأسلوب فريد، وألوان جريئة تنبض بالحياة، مع أنها تشمل مفردات مثل الحزن، القهر، الثورة، الألم، الهزيمة، الحرية، العبودية، من خلال إضافة البعد الإنساني إليها فالرجل والمرأة كائن يتحور إلى حرف ضمن كلمة ذات معنى، فيما يمكن أن يطلق عليه «حرفنة الإنسان»، والتي فسرها الناقد بدر الدين أبوغازي بأن عبدالله انشغل بالحرف العربي وجدّد في تمثيله، مؤسِّساً عالماً تشكيلياً لا علاقة له بالزخرف أو الزينة، لكنه اتخذ من الحرف الغاية والوسيلة، ويعيد بناءه من جديد ليس بصفته رمزاً، بل بصفته المشتركة حرف «شكل» أو حرف «صورة»، أي أن الحروف تفقد وجودها الصوتي لتصبح أجساداً مستقلة تعبر عن المضمون والمعنى. ألوان وخطوط واهتم عبدالله في تشكيلاته من الحروف العربية بتحقيق تعبير تشكيلي من وحي الكلمة معبراً عن معناها ومضمونها بالألوان والخطوط محاولاً توصيل معناها للمشاهد حتى إذا لم يكن يعرف اللغة العربية، وقد أشار قاموس بتي لاروس الشهير للفنون راصدا قدرة عبدالله الاستثنائية على تطويع كل مفرداته وأسلوبه الشخصي، فجاء فيه: هذا الفنان العصامي الذي ذكر أنه لم تكن له مرجعية فنية لأن والده كان مزارعاً أمياً من سوهاج، ثم استقر في منيل الروضة بالقاهرة في قطعة أرض زراعية صغيرة، وألحق حامد بقسم الحديد المشغول في معهد الفنون والزخارف، فتمرد على أسلوب التدريس، لكنه اكتسب من الحديد الصلابة وقوة الإرادة طحنته ظروف الحياة واضطر للكدح عاملاً حتى يتمكن من تدبير نفقاته»، وعندما سئل عن دوافعه إلى استخدام الحروف العربية أجاب «إن الحرف العربي كان وطناً في الغربة»، مؤكداً أن مبدأه الأساسي كفنان شرقي، أن يرسم الطبيعة، كما يراها بوعيه، لا كما تراها عينه. التشكيل بالحروف عن أسلوبه الفني يوضح الناقد الدكتور صبحي الشاروني أنه بعد هجرته إلى أوروبا اتجه إلى التشكيل بالحروف، لما يحققه هذا الأسلوب من تعبير جمالي من وحي الكلمات التي كان يرسمها معبراً عن معناها، حتى أن مضمونها كان يصل مباشرة لمن لا يعرف العربية، وإنه سبق الجميع بهذا الأسلوب، وكان أسبق من العراقيين الذين أسسوا جماعة الحروفيين في السبعينيات، لكنه بدأ في الستينيات، وكان يمتلك نظرة نادرة في التكوين وأعماله دائما مكتملة شأن المذهب الفلسفي، أو النظرية المغلقة التي لا مجال لتجديدها إلا بنظرية جديدة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©