الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«شرشحوني ثم ادفنوني»

«شرشحوني ثم ادفنوني»
3 يناير 2010 23:02
لا أدري كيف سيطيب لأهلي أن يتدافعوا لركني في أي موقف شاغر في المقبرة، وعلى عمق أكثر من متر، ويتسابقوا في إهالة التراب على وجهي ليعودوا إلى بيوتهم وهم ينفضون أيديهم ليصافحوا «شرّيبة» الشاي، بينما أنا مرصوص في قماش أبيض مثل الرضّع لا أستطيع تحريك أي جزء من جسمي. هل قلتُ قبل أن أموت؟ نعم، فأنا أتخيل أنني سأُدفن حياً، ولا أقصد أنهم سيئدوني كما كان يفعل حمقى الجاهلية ببناتهم، وإنما قد يحدث لي عارض من عوارض توقف النبض، ثم يأمر الطبيب أفندي بالإسراع في دفني، ثم أجد نفسي حياً في القبر. فهذه الفكرة اللعينة تطاردني وأخشى أن تحدث فعلاً، لأننا، بحسب قانون الجذب، نجذب أفكارنا الإيجابية أو السلبية إلينا، وهي ستحدث لنا وفق ذلك. وما يجعل هذه الفكرة تعشش في عقلي هو الأخبار التي تنجذب إليها عيني وأنا أتصفح الجرائد، عن أشخاص «ماتوا» ثم عادوا إلى الحياة. المؤسف أنهم لم يكونوا قد دُفنوا في حفر مُحكمة الإغلاق، أي كان بإمكانهم التحرك وإثبات أنهم أحياء يرزقون. العجوز الألماني يورغن تولمان كان نائماً في شقته ويحلم بمغامرات أيام الشباب مع صبايا ميونيخ. لاحظ جيرانه الملاعين أن شقته هادئة منذ فترة. وجده رجال الطوارئ عارياً وهو نائم على ظهره وعيناه مفتوحتان وجسمه بارد. ولأن القانون يفرض تصوير الموتى قبل دفنهم، فقد استيقظ العجوز على فلاش الكاميرا. وفي أوكرانيا، توفيت عروس ليلة زفافها، نقلت الجثة بالفستان الأبيض على صوت الزلاغيط الجنائزية، وأودعت ثلاجة الموتى. وفي المساء كان حارس الثلاجة يفرك يديه، فقد لعب فأر الجنس في مخيلته وشرع في اغتصاب العروس الميتة، لكنها قامت من الموت وأخذت تجري خلفه وهو يصرخ. وفي بلاد مارادونا، «توفي» انتونيو مازيغو، ونُقل «فوراً» إلى المشرحة لبيان سبب الوفاة، حيث يتم هناك تقطيع الجثة إلى قطع كباب وريش والباقي لـ«الباجة» وطبق الكوارع، حتى لا يضيّع الدود الأرجنتيني وقته في التقطيع والفرز. لاحظت الممرضة طقم الأسنان الذهبي في فم الرجل، وأخذت كماشة وهي تغني: «الحي أبقى من الميت.. هيييه»، وما أن بدأت عملية الفك حتى استيقظ انتونيو من الألم. في كل هذه الحالات، تدخل القدر لينقذ هؤلاء الأحياء، وبالتأكيد هناك حالات لا أحد يعرفها لأشخاص قرر الأطباء أنهم موتى ودُفنوا ثم استيقظوا في الحفر والتوابيت، ثم عادوا فماتوا فعلاً إما رعباً وإما اختناقاً وإما جوعاً وعطشاً و.. إما حسرة على غباء أهلهم واستسلامهم لرعونة الأطباء. وما العمل الآن وقد أصبحت متأكداً من استيقاظي في حفرتي؟ هناك عدة حلول آمل من أهلي أخذها على مدفن الجد، ولا يقولوا إنها مجرد مقال ساخر، بل هي وصية واجبة النفاذ، وأحمّل كل من قرأ هذا المقال المسؤولية الأدبية عن دفني حياً. عليكم بتصويري ليلاً لأنني أحتاج إلى فلاش الكاميرا وليس إلى الصورة بالبداهة. وعليكم أن تلاحظوا وجهي جيداً عندما يقترب المغسّل من الأجزاء الحساسة في جسمي. ولا بأس في أن تخلعوا ضرسي أو تؤلموني بأي طريقة كانت. عليكم فعل ذلك خصوصاً إذا كانت وفاتي غير متوقعة أو مشبوهة، وكانت علامات الغباء تشع من وجه الطبيب، وكانت إجراءات الخلاص مني تحدث بسرعة مريبة، ويفضّل في كل الأحوال تأخير الدفن 24 ساعة، لعلّ وعسى.. المهم أن «تشرشحوني وتبهدلوني» قبل أن تدفنوني. وعليكم أن تتذكروا أنني قائل هذه الأبيات المستوحاة من شعر الحلاج: شرشحوني يا ثقـاتي.. إن في قبـري حياتي واسلخوني كالأضاحي.. واضربوني بالعصاةِ وادفنوني بالتراخـي.. وامهلوني للنجــاةِ لكن إذا كان موتي واضحاً مثل الشمس، خصوصاً إذا تمزّق قلبي «حِتتاً حِتتاً»، فلا داعي لفعل شيء قبل وضعي في تلك الحفرة الضيقة، لأنني سأكون ضيفاً على أكرم الأكرمين.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©