الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«تاجماعت» نظام قضائي عشائري يدير شؤون القبائل الجزائرية

«تاجماعت» نظام قضائي عشائري يدير شؤون القبائل الجزائرية
21 يونيو 2011 19:50
تنفرد منطقة القبائل الأمازيغية عن غيرها من مناطق الجزائر بنظام عشائري تحكيمي فريد من نوعه يُسمى «تاجماعت»، وهو عبارة عن مجلس أعيان أو حكماء يقوم بمهام عديدة ومنها فض النزاعات والخلافات بين أهالي القرى وتنظيم حياتهم الاجتماعية، وقد تطور هذا النظام في السنوات الأخيرة واتخذ طابعاً جمعياً رسمياً يساعد السلطات على تنمية قرى المنطقة، بعد أن كان مجرد تنظيم عفوي. لا يُعرف على وجه التحديد متى ظهر النظام العشائري «تاجماعت» إلى الوجود، ولكن الاعتقاد السائد لدى مثقفي وسكان الجزائر أنه نظامٌ قديم يعود إلى عدة قرون، بسبب رفض السكان التعامل مع مختلف المحتلين الذين تعاقبوا على الجزائر والمنطقة. وبرز بشكل كبير في العهد الاستعماري الفرنسي بالجزائر (5 يوليو 1830- 5 يوليو 1962) حيث انكفأ سكان القبائل على أنفسهم في قراهم الجبلية، ورفضوا التعامل مع الاستعمار الفرنسي وقوانينه، وطوّروا بأنفسهم قوانينَ عرفية يحتكمون إليها في نزاعاتهم وإدارة مختلف شؤون حياتهم، وأسندوا شؤون تسييرها والإشراف على تطبيقها لـ «تاجماعت». وبعد الاستقلال، بقي هذا النظامُ القبلي سائداً إلى حدّ الساعة. مجلس حكماء «تاجماعت» هي تحويرٌ أمازيغي لكلمة «الجماعة» العربية، وتحظى بسلطة محلية طاغية في كل قرى منطقة القبائل الأمازيغية بالجزائر، وقراراتُها إجبارية التنفيذ، ولا تقبل النقاش أو التراجع عنها لأنها تعبّر عن الإرادة الجماعية للسكان؛ إذ تصدر بعد اجتماعات عامة لكل سكان القرية الذكور الذين تتجاوز أعمارُهم 18 سنة، ويجتمع السكان مرة في الشهر في ساحة مقر «تاجماعت» وهو بيت عمومي بسيط، لدراسة مختلف النزاعات والمسائل الطارئة بين السكان وكذا مختلف شؤون القرية وتتم بعدها الموافقة على القرارات المتخذة بالأغلبية، ولذلك يرى الدكتور عبد المجيد مزيان، رئيس المجلس الإسلامي الأعلى سابقاً، أن «تاجماعت» تُعدّ أحد الأشكال الديمقراطية المباشرة التي تحدث عنها بعض الفلاسفة والمفكرين». ويسند أهل كل قرية قبائلية رئاسة «تاجماعت» إلى أحد حكمائها الكبار ويسمونه «الأمين»، ويساعده بضعة شيوخ مشهود لهم برجاحة العقل، ويلعبون دور المستشارين قبل اتخاذ أي قرار وعرضه على الجمعية العامة لسكان القرية، وبعدها تُسند مهمة تنفيذ هذه القرارات إلى «الطمّان» وهي كلمة تعني «الضامنين» لأنهم يضمنون تنفيذ القرارات المُتخذة. وتقوم كل عشيرة أو قبيلة بتعيين «طامن» يمثلها في «تاجماعت»، إلا أن بعض العشائر الكبيرة تعين عدة «طُمّان» حتى يستطيعوا أداء مهمتهم في مراقبة تنفيذ القرارات. مهمات «الطمان» يوضح مجيد سي أعْمر أن «الطُمَّان» لا يكتفون بتنفيذ القرارات، بل يسند لهم «الأمينُ» أيضاً مهمة توقيع عقوبات على المخالفات الصغيرة التي يضبطون أصحابها متلبسين، كتلفظ أحد السكان بكلام غير لائق أو اعتدائه على آخر أو شرب الخمر، وهنا يقوم «الطامن» بمعاقبته بغرامة مالية واجبة التسديد، مع السماح للشخص المعاقَب بالتظلم أمام «الأمين» إذا اعتقد أن «الطامن» قد تعسَّف في ممارسة سلطته عليه، وإذا ثبت ذلك، تلغى الغرامة ضده. ويؤكد عبد الكريم قنفود، وهو «طامن» سابق قبل أن يغادر المنطقة إلى الجزائر العاصمة للعمل والإقامة، أن العشائر تختار عادة «الطامن» الخلوق ونظيف اليد لتمثيلها في «تاجماعت» حتى لا يسيء استعمالَ السلطة، ولا يمدّ يده إلى أموال الغرامات أو تبرعات سكان القرية لإقامة مشاريع عمومية، ويضيف «لا يُسمح للعزاب بتولي هذه المهمة حتى ولو بلغوا الخمسين من العمر وبلغوا درجة كبيرة في العلم، لأن عدم زواجهم يطعن في رجاحة عقولهم بحسب سكان منطقة القبائل». ويرى قنفود أن نظام «تاجماعت» قدّم أنموذجاً مثالياً لحل النزاعات بين السكان، وإقامة مشاريع مشتركة كتوصيل مياه الشرب إلى البيوت وغاز المدينة وقنوات الصرف الصحي وبناء المساجد وتجهيزها، ويشير إلى أن النظام برهن على فعاليته في حل الخلافات ودياً وحال دون لجوء الكثيرين إلى العدالة بعد أن رضي المتخاصمون بأحكامه، لذلك فإن القضايا المُحالة على المحاكم قليلة في المنطقة، وتكاد تقتصر على القضايا الجنائية التي تتجاوز صلاحيات «تاجماعت». ويصف قنفود طريقة «تاجماعت» في حل القضايا ودِّيا بين السكان بأنها «بمثابة وساطة قضائية عفوية»، وهو ما انتبهت إليه السلطات مؤخراً لتتبنى الفكرة. وساطة قضائية سنت الجزائر قانوناً جديداً للإجراءات المدنية والإدارية في مايو 2008 ينص في بعض مواده على استحداث «الوساطة القضائية»، لإيجاد حلول ودية بين المتخاصمين في المجالين المدني والإداري، يثنيهم عن اللجوء إلى العدالة وتعقيداتها وطول أمدها وتكاليفها المالية. إلى ذلك، يقول وزيرُ العدل الطيّب بلعيز مُدافعاً عن الفكرة «الوساطة القضائية ليست نظاماً جديداً أو دخيلاً على المجتمع، بل هو مستمَد من تقاليده القائمة منذ فجر التاريخ على إصلاح ذات البين». وضرب بلعيز مثلاً بنظام «تاجماعت» في منطقة القبائل وكذا الزوايا الصوفية ودور الإمام في الإصلاح بين الناس في مختلف مناطق الجزائر. ويؤكد سكان القبائل أن هذا النظام ساعد على حلّ الكثير من الخلافات والمنازعات على الأراضي بين العشائر وقضايا الميراث العائلية والصلح بين الأزواج وغيرها من القضايا اليومية المُثارة، وكذلك مساعدة الشباب ماديا على الزواج من خلال فرض مهور رمزية لا تتجاوز 25 ديناراً جزائرياً للقضاء على العنوسة بالمنطقة، وكذا مساعدة الفقراء والمحرومين والتضامن مع المنكوبين. ويؤكد السكان أن صرامة قرارات «تاجماعت» أسهمت بشكل فعال في تقليل التجاوزات بين السكان والحفاظ على التضامن بينهم، واحترام روح الجماعة، حيث تُعتبر قراراتُه نافذة لا نقاش فيها ولا يُسمح لأحدٍ بتجاوزها أو الاستهتار بها، لأنها تعبِّر عن الإرادة الجماعية للسكان، ومن يتجرأ على ذلك يلقى عقاباً شديداً يتمثل في نبذه وهجره ومقاطعته رفقة زوجته وأطفاله، من طرف كل سكان القرية، ومنهم أقاربه وعشيرته، حيث يُحظر عليهم التحدث معه والسماح لأطفاله باللعب مع أطفالهم، أو التعامل معه بأي شكل من الأشكال، وغالباً ما تفضي هذه المقاطعة الجماعية إلى استعطاف «تاجماعت» للصفح عنه، فتعقد جمعية عامة وتعرض أمره على السكان، وقد يتمُّ الصفحُ عنه مقابل تسديد غرامة مالية باهظة والاعتذار للسكان و»تاجماعت» علناً والتعهد بعدم تكرار التحدي، أما إذا رُفض الصفحُ عنه، فيضطر المعاقَب وعائلته إلى ترك القرية وبيع بيته وأراضيه وأملاكه ومغادرتها إلى مدينة أخرى ليعيش دون عشيرة. يقول «الطامن» السابق قنفود «الكثيرُ من أفراد القبائل الذين يظهرون مستثمرين وتجاراً في مختلف المدن الجزائرية، هم في الواقع منبوذون اضطروا إلى مغادرة قراهم بعد نبذهم، وهؤلاء لن يعودوا إليها مرة أخرى».
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©