روسيا.. مؤهلات جاذبة للمهاجرين

لا تعد روسيا من الدول التي ينظر إليها كثيراً كمقصد للهجرة، بيد أن المساحة الشاسعة للدولة وتقلص عدد السكان الأصليين يشجع على قدوم عدد صادم من المهاجرين: ففي العام الماضي، وبالرغم من انهيار أسعار النفط والأزمة الأوكرانية، كانت روسيا أكبر مصدر لتحويلات العمال المهاجرين في أوروبا. وعندما ذكر أوباما في لقاء معه العام الماضي أن «المهاجرين لا يتدفقون إلى موسكو بحثاً عن فرصة»، أشار معلقون، لهم نظرة أقل قتامة، وربما أكثر علماً، إلى أنه وفقاً لتقرير الأمم المتحدة لعام 2013، فإن روسيا لديها ثاني أكبر عدد من المهاجرين في العالم بعد الولايات المتحدة. إنني لا ألقي بالاً كثيراً لهذا التصريح، ليس فقط لأن الولايات المتحدة، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من ضعف سكان روسيا، لديها أربعة أضعاف هذا العدد من المهاجرين. لقد أظهر تقرير الأمم المتحدة أيضاً أن رصيد روسيا من المهاجرين زاد بالكاد خلال الفترة من 1990-2013، حتى وإنْ كان انهيار الاتحاد السوفييتي جعل العديد من الروس العرقيين يغادرون الجمهوريات المنفصلة. وباعتباري أحد سكان موسكو، كنت معتاداً على رؤية عمال من طاجيكستان ينظفون فناء منزلي وطباخين ونوادل من أوزبكستان يعملون في المطاعم. وكانت المربيات يأتين من أوكرانيا ومولدوفا. أما المقاول الذي جدد عقد الشقة التي تقطنها والدتي فكان من جورجيا. لقد كانوا جميعاً هناك بحثاً عن فرصة. أما بيانات الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد) لعام 2014 فهي صادمة لسببين. أولاً، لأن روسيا تحتل المرتبة الأعلى فيما يخص التحويلات المالية التي بلغت 20.7 مليار دولار، حتى وإن كان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي أقل من مثيله في دول أخرى. أما نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في المملكة المتحدة، التي سجلت تحويلات مالية بقيمة 17.1 مليار دولار، فهو أعلى بنحو 50 في المائة. والمفاجأة الثانية هي أن المشاكل الاقتصادية في العام الماضي لم تجرد روسيا من قيادتها في هذا المضمار. وتشير الأدلة إلى أن الكثير من المهاجرين من وسط آسيا والدول السوفييتية السابقة الأكثر فقراً في أوروبا والقوقاز يعودون إلى أوطانهم، ولكن من الواضح أن الكثيرين تمسكوا بالبقاء. وفي نوفمبر 2014، وفقا لآخر البيانات المتاحة -- وعندما بدأ الروبل الروسي في التدهور الحاد -- فإن صافي عدد المهاجرين، الذي بلغ 23754 كان أعلى من المعدل الشهري في 2013. لذان فإن روسيا لا تزال في حاجة إلى مهاجرين، وستحتاج لمزيد منهم. في الربع الأول من هذا العام، بلغ الانخفاض الطبيعي في عدد سكان روسيا ( الفارق بين عدد المواليد والوفيات) 34584 نسمة، أي زيادة بنحو 13 في المائة منه في الثلاثة أشهر الأولى من عام 2014. وببساطة، لا يوجد ما يكفي من الروس للقيام بالوظائف الوضيعة في الغالب التي يقوم بها المهاجرون. وهناك سبب آخر وراء زيادة التحويلات المالية القادمة من روسيا وهو أن قوة قطاعها التكنولوجي أدى إلى تخفيض تكلفة التحويلات. وقد بلغ متوسط تكلفة تحويل أموال إلى الوطن العام الماضي في الدول الأكثر ثراء في أوروبا 7.3 في المائة، وفقاً لبيانات الإيفاد، في حين أن هذه التكلفة في روسيا بلغت 2.4 في المائة فقط. وفي كثير من الأحيان، يتعين على العمال المهاجرين في روسيا التوفير مع ظروف العمل والمعيشة الفظيعة، فضلاً عن العنصرية، خاصة من جانب الطبقة البيروقراطية. وحتى المعارضون للرئيس فلاديمير بوتين، مثل المناضل المكافح للفساد «أليكسي نافالني»، فغالبا ما يأخذون مواقف مناهضة للمهاجرين. ورغم ذلك، فإن وفرة الوظائف منخفضة الأجر، علاوة على رخص وسهولة تحويل الأموال إلى الوطن والجاليات الكبيرة والإلمام باللغة الروسية على نطاق واسع في الجمهوريات السوفييتية السابقة تجعل لروسيا جاذبية. وبالطبع، فإن الكثير من المهاجرين ليسوا على الأرجح أطباء أو مبرمجين ممن ترحب بهم الولايات المتحدة وأوروبا المتقدمة. ورغم ذلك، فإن جهودهم تساهم في الإبقاء على بلادهم صامدة. ووفقاً لبيانات الإيفاد، فإن أوكرانيا لديها4.4 مليون عامل مهاجر في سائر أنحاء أوروبا، معظمهم في روسيا. وهي تتلقى سنوياً تحويلات مالية بقيمة 7.6 مليار دولار. أما روسيا البيضاء ومولدوفا وطاجيكستان وأوزبكستان فكلها تعتمد على التحويلات المالية لمواطنيها المقيمين في روسيا. ومن مصلحة أوروبا الغربية أن تظل الحال كذلك. وإذا ذهب اقتصاد روسيا في حالة من الفوضى وبدأ العمال في مواجهة صعاب لا تطاق، فإنهم سيبحثون عن فرصة في مكان آخر. بالنسبة لبعض مسلمي وسط آسيا، هذا سيعني التوجه نحو الشرق الأوسط. أما بالنسبة للأشخاص من أوكرانيا وروسيا البيضاء ومولدوفا والقوقاز، فإن الاتحاد الأوروبي سيكون مقصدهم على الأرجح. ليونيد بيرشديسكي * كاتب روسي مقيم في برلين. *ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»