الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأزمة اليونانية والاحتكام للغرائز الإنسانية

20 يونيو 2015 00:31
هناك أمران يكون من المهم الانتباه إليهما أثناء متابعة الوضع الراهن في اليونان. يكمن أولهما في أن البلد لن يكون بكل تأكيد في حال أفضل مهما كانت طبيعة الصفقة التي سيقدمها أعضاء منطقة «اليورو»، وتفيد الثانية بأن من غير المؤكد بالضرورة أن اليونان سوف توافق على تلك الصفقة. وليست هذه هي المرة الأولى التي أعرض فيها لمثل هذا الرأي حول بعض السياسات الاقتصادية للبلدان. وسبق لي أن قلت إن الإبقاء على معدل التضخم الهائل في زيمبابوي هو فكرة سيئة. وأن سلوك فنزويلا في تبديد صناديقها على الاستثمار لمجرّد الإبقاء على قدرتها على ضخ النفط وتأمين الحاجة للإنفاق الاجتماعي، هو فكرة سيئة أيضاً. ويمثل قرار الأرجنتين بتطويع الدائنين وإجبارهم على التخلي عن شروطهم، حتى لو حدث هذا على حساب تعثر جهودها للحصول على قروض جديدة من صندوق النقد الدولي، فكرة سيئة أخرى. والآن، وحيث بدأت اليونان تمازح «اليورو» بشيء من الإثارة، فإن الأمر لا يبدو وكأنه يمثل فكرة جيدة. فلماذا تحدث مثل هذه الأمور؟. والجواب هو أنها تحدث لأن منطق السوق لا يتوافق مع الغرائز البشرية التي يتصرف بموجبها الغرباء، ويتنافى مع المعايير الأساسية لمفهوم العدل والإنصاف. دعنا نقلّب هذه الأمور من وجهة نظر اليونانيين. فلقد كتب عليهم أن يقعوا تحت حزمة ضخمة من الديون لمصلحة «غرباء» من الذين هدروا الكثير من الوقت حتى توصلوا إلى وصفهم بأنهم مجرّد طبقة من المبذّرين المتهرّبين من دفع الضرائب. إلا أن هؤلاء الغرباء أغنى بكثير من اليونانيين. وما فتئ اليونانيون يتلقون منهم الأوامر بالاقتطاع من كذا وكذا في وقت يعاني فيه المتقاعدون من ضيق ذات اليد، وتأتي الأمراض وتذهب من دون توفر القدرة للحصول على العلاج اللازم، ويجاهد فيه العاطلون عن العمل للحصول على لقمة عيشهم. ولا شك أن الألمان لن يحرموا أنفسهم من إحدى الوجبات اليومية لو أنهم تنازلوا لليونان عن بعض الشروط الصعبة لدفع التزاماتها. كما أن الغالبية العظمى من الشعب اليوناني سوف تعاني الكثير لو أنهم استجابوا لمطالب دائنيهم. ويمكنك أن تقول إن الحكومة اليونانية كانت تبالغ في استهلاك وتبديد المصادر الحقيقية للبلد، إلا أن التأخر عن دفع الدين سيزيد الأمر سوءاً، لأن عجز الدولة عن تحصيل الضرائب المدينة بها للغير يمثل جزءاً كبيراً من مشاكلها المالية. وربما تبدو العديد من هذه الأفكار واقعية، إلا أنها تبتعد عن القضية ذاتها من وجهة النظر العاطفية. ويتمتع البشر بالعديد من الميول الغريزية التي تدفعهم للبحث عن العدل والتعاون والوفاء، وهي الخصال التي ساعدتنا على مواصلة الحياة ضمن التجمعات الصغيرة التي نعيش فيها عبر تاريخنا. ونحن نشعر بالغريزة بأن من الخطأ أن يقاسي البعض من القلّة فيما ينعم آخرون بالفائض والوفرة. كما أننا ميّالون بغرائزنا للاهتمام بمعاناة الناس المقربين إلينا بأكثر من اهتمامنا بالبعيدين عنا. ولولا هذه الحقيقة الأخيرة لما عمدت الدول الصناعية الغنية إلى العمل بالبرامج الاجتماعية على الإطلاق، ولكانت اكتفت بإرسال فائض أموالها إلى أكثر شعوب الأرض فقراً. وأما المعايير المجحفة التي تحكم أسواق البورصات، والتي يعتمد عليها الأغنياء، فقد جاءت بعد ذلك بوقت طويل. ولهذه الأسباب، وعندما يبدأ المقرضون في عرض خدماتهم على الدول الأكثر فقراً، فإن هذه الغرائز الإنسانية تتبخّر أمام منطق السوق الذي يتميز «بالوضوح» و«الحساسية» في المجتمع المالي العالمي. وكثيراً ما تتبنى بعض الدول ما يطلق عليه علماء السلوك البشري مصطلح «المعاقبون الغيريّون» altruistic punishers، وهم أولئك الذين يميلون لتحميل أنفسهم تكاليف باهظة من أجل معاقبة آخرين من الذين يعتقدون أنهم سلكوا سلوكاً يخلو من العدل والإنصاف. وعند النظر إلى الأزمة اليونانية وفقاً لهذا الطرح، فسوف نلاحظ أن المشاعر التي يحملها «المعاقبون الغيريّون» سائدة عند الطرفين المثيرين للجدل. وإن لمن الأفضل لليونان أن تبقى في منطقة «اليورو» وتُخضع نفسها لمستوى أعلى بقليل من التقشف بدلاً من الانسحاب وقدح شرارة أزمة اقتصادية محلية عنيفة. ولكن، إذا كان الحل الأخير عالي التكلفة بالنسبة لليونان، فإنه سيكون مكلفاً أيضاً للمقرضين. ولقد توسعت النظرة إلى الدائنين وتعممت من أنهم يسلطون الضغوط على دولة تعاني أصلاً من ضائقة مالية خانقة. وهذه هي حقيقة ما يحدث في اليونان. ميجان ماكاردل *محلل أميركي في الاقتصاد والتجارة والسياسة العامة *ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©