الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بغداد.. عودة أجواء العنف الطائفي

بغداد.. عودة أجواء العنف الطائفي
5 يوليو 2014 23:30
لي سلاي بغداد جرت عملية دفن عمر عبيد حمودي في سرية تامة وبعيداً عن الأنظار، حيث ووري الثرى بإحدى زوايا المقبرة الملأى برفات من سقطوا في موجة العنف الأخيرة التي تجتاح بغداد. ووفقاً للظروف التي أحاطت بمقتل حمودي يبدو أن عمليات القتل الطائفي عادت مجدداً لترهب سكان العاصمة العراقية وتقض مضاجعهم، فبعد أن خُطف من منزله على يد رجال ملثمين بزي موحد بأحد الأحياء ذات الغالبية الشيعية، عثرت الشرطة على جثة حمودي، وهو سني المذهب، مرمية بالقرب من أحد المساجد في اليوم التالي على الحادثة، حيث بدت عليه علامات الخنق وآثار إطلاق النار. وهذه الأحداث الدموية وعمليات الاستهداف الطائفية تذكر سكان بغداد بالأيام العصيبة التي عاشوها بين عامي 2005 و2007 عندما وصل القتل الطائفي ذروته. وعن مقتل حمودي يقول شقيقه أحمد، وهو يستحث الخطى خارجاً من المقبرة بعد مراسم الدفن: «لقد صُفي أخي لأنه سني». وقد كان لافتاً أن المشيعين وهم يغادرون المقبرة بأعداد قليلة التزموا الصمت خوفاً من تمركز قوات الأمن القريب التي ينظر إليها على أنها موالية لحكومة نوري المالكي الشيعية. وبعد الأسابيع الأولى التي أعقبت سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، المعروف باسم «داعش»، على مدينة الموصل بشمال العراق، وإعلانها يوم الأحد الماضي أنها ستطلق على نفسها اسم «الدولة الإسلامية» فقط، تراجعت حالة الارتباك والخوف التي استبدت ببغداد، إذ يبدو أن القوات المسلحة ذات الغالبية الشيعية استعادت بعض الثقة في نفسها بعد انضمام الآلاف من المتطوعين الشيعة، ما سيمكنهم من الصمود أمام زحف المسلحين وحصرهم في المناطق التي سيطروا عليها. ولكن بالنسبة للأقلية السنية في العاصمة بغداد كان لدعوات حمل السلاح ضد المسلحين التي أطلقتها بعض المرجعيات الدينية الشيعية دورٌ في إثارة المخاوف، واستحضار ذكريات مؤلمة عندما كانت فرق الموت تجوب شوارع العاصمة بحثاً عن ضحايا محتملين. ثم جاءت سلسلة من حوادث القتل ورمي الجثث على قارعة الطرقات لتفاقم تلك الهواجس لدى السنة. ولكن لحد الآن لم تظهر مؤشرات قوية تشي بعودة فوضى القتل على الهوية بنفس الحدة التي شهدتها بغداد في أوج الحرب الأهلية عندما كان سكان المدينة يستفيقون كل صباح على مشاهد الجثث المرمية. وعلى رغم أن بعض السنة شاركوا أيضاً في العنف، إلا أن أسلوب المتشددين كان معروفاً ويتجسد في السيارات المفخخة التي تستهدف أسواقاً وأحياء بعينها يقطنها الشيعة، فيما اختصت الميلشيات الشيعية المتطرفة بتشكيل فرق الموت التي تستهدف السنة. وعلى امتداد الأسابيع القليلة الماضية أفادت تقارير الشرطة بتكرار حوادث قتل تشبه ما كان يجري قبل سنوات، حيث تُكتشف من حين لآخر جثث لقتلى كُبلت أيديهم وأطلق عليهم الرصاص من مسافة قريبة، ما يعني أنهم قد أعدموا بدم بارد على يد فرق متخصصة. وعن عمليات القتل تلك يقول الشيخ عامر العزاوي الذي يقود منظمة تدعمها الحكومة في حي الأعظمية السني، وقد قتل نجله على يد الميلشيات الشيعية في 2006 «نحن تعودنا على هذه الأمور بعد أن تعرضنا للاضطهاد لمدة طويلة»، مضيفاً «لقد اكتويت بتلك النار ولست مستعداً لخوض التجربة مجدداً». وتابع بصوت متهدج متذكراً ابنه القتيل «لو بدأ العنف مجدداً على أساس طائفي فسيكون الأمر بمثابة الكارثة، ولكن العديد من العراقيين فقدوا أعزاءهم ولا أعتقد أنهم سيعودون للحرب مجدداً». ولكن الاستجابة الكبيرة التي تلقتها دعوة المراجع الدينية الشيعية لحمل السلاح والتطوع في صفوف القوات المسلحة ربما أطلقت أيدي الميلشيات الشيعية مجدداً على نحو غير مسبوق منذ تدخل القوات الأميركية لإخماد العنف في 2007، فأفراد هذه الميلشيات الشيعية التي تنشط تحت أنظار قوات الأمن، وأحياناً تعمل جنباً إلى جنب معها، يجوبون أحياء بغداد في شاحناتهم وقد ثبتت فوقها رشاشات كبيرة، وفي سيارات الدفع الرباعي، كما أنهم يرتدون زي الشرطة الذي يمكن الحصول عليه بسهولة من محلات العاصمة. وفيما يخشى سُنة بغداد من رجوع الميلشيات إلى الساحة وانخراطها في التجاوزات التي عرفتها في السابق، رحب شيعة العاصمة من جانبهم بظهور الميلشيات التي يقولون إنها تحمي المدينة من تقدم تنظيم «داعش»، وهو ما يؤكده عبدالكريم السوداني الذي يعمل بأحد محلات الخياطة التي كثر عليها الطلب لخياطة ملابس قوات الأمن، قائلاً «كان للميلشيات دور في تأمين بغداد، ومع أن المعارضة تطلق عليها كل النعوت السلبية، إلا أنها تستجيب لفتاوى المرجعيات الدينية». بيد أن هذه الدعوات لحمل السلاح ينظر إليها السنة من أمثال أبو عبيد العدناني من حي الأعظمية باعتبارها تؤجج المشاعر الطائفية وتعمق حالة الاستقطاب بين أفراد المجتمع العراقي، قائلاً «نحن على شفا الانهيار، إنهم يدعون الشيعة بصراحة لحمل السلاح، فما كان يقع في السابق في الخفاء بات اليوم يجري في وضح النهار». هذا وقد ظل حي الأعظمية واحداً من الجيوب السنية القليلة في بغداد بعد الحرب الطائفية التي دفعت الشيعة، في ردهم على التفجيرات، إلى استغلال أغلبيتهم لتكريس وجودهم وطرد السنة من عدد من الأحياء، وقد فاق عدد القتلى في 2006 لوحدها عشرات الآلاف من العراقيين مع استمرار البحث عن المفقودين. ولم ينتهِ العنف الطائفي إلا بعد الزيادة في عدد القوات الأميركية وتشكيل قوات سنية عرفت باسم «الصحوات» التي انضمت إلى القوات الأميركية في طرد عناصر «القاعدة». ولكن حتى بعد تراجع العنف إثر التدخل الأميركي لم تجرِ هناك مصالحة حقيقية بين المكونات العراقية، ومنذ مغادرة القوات الأميركية للعراق في 2011 ظلت شكاوى السنة في تصاعد من المعاملة غير العادلة التي يتلقونها على يد حكومة المالكي. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©