الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

التمييز العنصري خلق مأساة كبيرة لأقلية جمعت الشرق والغرب

6 يوليو 2014 00:46
إبراهيم الملا (الشارقة) يتتبع كتاب «تاريخ الموريسكيين.. حياة ومأساة أقلية»، الصادر عن دار كلمة التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، المسار المؤلم والمظلم التي حدد مصير المسلمين في الأندلس بعد سقوط غرناطة، ومشاهد المعاناة والتمزق التي سجلها التاريخ في حق فئة عانت الأمرّين من أجل البقاء والاستقرار في ظل ثقافة إقصائية مهيمنة. يتناول الكتاب الذي ألفه كل من الباحثين أنطونيو أورتيث، وبيرنارد فانسون، وترجمه إلى العربية محمد بنياية، الكثير من الجوانب المخفية المتعلقة بمحاكم التفتيش من خلال وثائق أصلية وذات قيمة تاريخية ثمينة، حيث يجمع الكتاب بين وصف الأحداث وتحليل الديموفراغية الموريسكية والتوزيع المهني لهذه الفئة ومواقفها الدينية والاجتماعية. في الجزء الأول منه يسرد الكتاب تحولات الموريسكيين بدءا من التنصّر مرورا بالتمرد وانتهاء بالطرد، حيث يتوافر إجماع عام حول الفترات الثلاث للصراع المسيحي ــ الموريسكي والمستندة على ثلاثة أحداث حاسمة، هي: تنصر المدجنين القشتاليين بين العامين (1500- 1502)، وثورة الموريسكيين الغرناطيين (1568- 1570) وأخيرا الطرد العام (1609- 1614)، ويذكر الكتاب أن فترة التعايش الديني بين المسيحيين والمسلمين التي استمرت لقرون في الأندلس، انتهت بصراع أدى إلى الإقصاء التام للموريسكيين بعد فترة لم تدم سوى قرن ونيّف منذ ظهور الاضطرابات الأولى التي سعت إلى صهر الأقلية ضمن الكتلة التي تشكل الأغلبية وحتى اندلاع الثورة التي قامت بها هذه الأقلية. ويشير الكتاب في هذا الجزء إلى أن مصطلحي: «المسيحي الجديد» و»الموريسكي» لا يمكن استعمالهما للحديث عن تواريخ تعود إلى ما قبل عام 1500، إذ انطلاقا من هذا التاريخ- كما يؤكد مؤلفا الكتاب- سيبدأ التنصير الجماعي للمسلمين، لكن هذا الحدث لم يكن سوى نتيجة نهائية لسلسلة طويلة من الأحداث، بدءا من تحول المسلمين إلى مدجنين، ثم إلى مورسكيين، ولكن النوايا الحسنة بين الطرفين الغالب والمغلوب في بداية التعامل الفعلي بينهما لم تصمد في مواجهة الواقع، حيث ألغي الترخيص للمسلمين بحمل السلاح، وحرموا بعد مدة من الحق في شراء الأراضي، والأكثر خطورة أن المملكة المسيحية الجديدة قامت بين العامين 1495 و1499 بفرض ضرائب جديدة على المدجنين دون سواهم، ويوضّح الكتاب حجم هذا الصراع أو التصادم عندما ثار مدجنو حي البيازين بغرناطة، كردة فعل على مشروع التنصير الإجباري. وينوه الكتاب إلى أن المدجنين في باقي مملكة قشتالة كانوا بعيدين نوعا ما عن مشاكل الأندلس الشرقية، وكانوا يعيشون حياة دون تاريخ، تحت حماية الملكية في الأحياء التي خصصت لهم، وكانوا مجبرين على وضع علامات مميزة على ملابسهم، ورغم هذا التدبير، وغيره من الإجراءات المشينة التي سعت إلى التمييز الديني والعنصري، لم يكن هناك أي تدبير لإجراءات التنصير الإجباري في هذه المناطق، ولكن الصدمة المضادة لأحداث غرناطة هي التي جعلت منهم ضحايا لوقائع لم يكونوا طرفا مشاركا فيها، ففي 12 فبراير/ شباط سنة 1502 م، صدرت وثيقة ملكية تخيّرهم ما بين التنصر والمنفى، فتنصر جميعهم تقريبا. ويتناول الكتاب في جزئه الثاني الديموغرافية الموريسكية من خلال بحث مستقل قدمه (هنري لابيير) في العام 1959 وجابه الكثير من التحديات لتقديم صيغة تاريخية مقبولة حول أهم المناطق التي شغلها الموريسكيون بعد سقوط الأندلس، ويشير الكتاب إلى أن البحث الذي قدمه لابيير يعد أحد المراجع الثلاثة الأساسية لدراسة هذه الأقلية المهمشة في النسيج الإسباني الجديد بعد اضمحلال الحضور الإسلامي، وفي الفصل الثاني من هذا الجزء يسرد الكتاب جانبا من المظاهر المهنية والمستوى المعيشي للموريسكيين الذين كان انقطاعهم واضحا عن المحيط الاجتماعي ليس لأسباب أيديولوجية وسياسية وحسب، بل للاختلافات الأساسية التي كانت تفصلهم عن هذا المحيط، وفي الفصل الذي يليه يعرج الكتاب على مسببات التعايش الصعب بين المسيحيين والموريسكيين، بسبب الاحتقار والخوف والبغض، بين الطرفين، ورغم أن هذه العداوة لم تكن تتجلى باستمرار في الحياة اليومية، إلا أنها لم تكن تحتاج لأسباب كثيرة لتعثر على ذاتها بشكل عنيف بعد ذلك. في الجزء الثالث من الكتاب يتعرف القارئ على الأحداث التي سبقت مرحلة طرد الموريسكيين، وذلك بداية من تسلم فيليبي الثالث الحكم في العام 1598 بدلا من والده فيليبي الثاني الذي كان متشددا ومهيمنا على السلطة، ما أدى في عهد الابن المتساهل والضعيف الشخصية إلى سيطرة المتنفذين في البلاط على القرارات الملكية، والتي كان من أخطرها اضطهاد الموريسكيين وطرد من لم يقبل الدخول في المسيحية منهم، وينتهي الكتاب إلى أن تفسيرات هذا الطرد تتجاوز المنحى الذاتي الذي أدى في القرن الماضي إلى اعتبارات تقوم على أساس عدم فصل الدين المسيحي عن الكيان الإسباني، الذي كان عليه بالنهاية، أن يلفظ ذلك الجسم الغريب عنه، والذي تشكله تلك الاقلية المهرطقة- حسب رؤيتها- وآخر ما تبقى من هزيمة الطائفة المسلمة، بالإضافة إلى أسباب اجتماعية واقتصادية أخرى متشعبة يسردها الكتاب، وبتفاصيل شائكة ومروعة في كثير من الأحيان تتعلق بمصير المورسيكيين في القوس الأخير من عصور الظلام ومحاكم التفتيش المرعبة في أوروبا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©