روعة يونس:
تصوير-أنس قني
تشمخ المدينة قبالته على الضفة الأخرى··· ترنو إليه نوافد أبنيتها الشاهقة، وتلوّح له ستائرها الحريرية· يفصل بينهما ما يقربهما: بحر ممتد على طول الكورنيش الجميل···واجهة المدينة الأحلى أبوظبي ·
ماء وسفن وأسماك··· ناس وأمكنة وحكايات··· ستصير بعد شهور مجرد ذكريات، عن منطقة اسمها 'الميناء' كانت الشمس تغط في أحضانه كل غروب·
يفتح الميناء صدره طيلة ساعات اليوم، وتمتد شوارعه كما الأضلاع، وتتنفس أشجاراً تنهض عن الأرصفة، ونباتات زينة تتثاءب على سرير الدوّار الرئيسي للميناء· بينما يحتضن عدة أسواق توفر كافة الاحتياجات المنزلية، وشتى البضائع التي تلبي كافة القدرات الشرائية·
ترحل السفن التجارية إلى بغيتها، ويقعد الناس إلى رزقهم البسيط، يصيدون الأسماك ممارسين هواية وكاسبين طعام عشاء مفعم بذكريات وضحكات· ويبدو، ليست السفن وحدها التي ترحل! فالميناء كله سيرحّل، ذلك في إطار التوسيع الخدمي للمنطقة التي تواصل نهضتها الشاملة·
مقهى وادع متطرف في موقعه وبساطته وألفته، يشكّل اسمه مصادفة غريبة، إذ سيقول كثر ذات يوم كلما مروا بموقعه: كان زمان يوجد مقهى هنا اسمه 'كان زمان'·
باختصار: نحن لسنا أمام تحقيق صحفي عن ميناء برسم الإزالة، بل أمام تلويحة وداع بوردة وفاء، لماض سيصبح مستقبلاً في القادم من الأيام·
أحمد النعيمي مسؤول الشؤون الإدارية في ميناء زايد، أفادنا بأن دائرة الموانئ البحرية في أبوظبي أبرمت مع سلطة موانئ دبي اتفاقية خدمات إدارية لتشغيل ميناء زايد، تتولى خلالها سلطة موانئ دبي الإدارة اليومية لعمليات الميناء الذي سيتمّ ضمّه إلي شبكة سلطة موانئ دبي العالمية، وأنه بالفعل باشرت مؤخراً الإشراف على العمليات الجارية فيه· أما بخصوص انتقال ميناء زايد إلى منطقة أخرى فهناك توجهات ودراسات تتناول إمكانية انتقال الميناء إلى منطقة 'الطويلة'· وفي المقابل هناك استشارات ودراسات تستقرىء الخطط والمشاريع المتوقع إقامتها على أرض ميناء زايد الحالي في حال انتقاله·
السفن التجارية
أثناء تجوالنا في منطقة الميناء التي تضم العديد من الأرصفة والشوارع والساحات والأسواق والمخازن والمستودعات والشبرات، توقفنا قبالة السفن التجارية العملاقة التي بدت لنا تنظر إلى السفن الصغيرة الأنيقة المواجهة لها على الشط الآخر مقابل مطاعم الظفرة، حيث يقصد الناس هذه السفن لينطلقوا على متنها في رحلة عشاء على أنغام الموسيقى المتناغمة مع عزف الأمواج، تحملهم وتجوب منطقة الكورنيش وصولاً إلى كاسر الأمواج، لتعود بهم بعد العشاء من حيث أتوا·
وقبل أن نواصل حديث الأشرعة والسفن، نخترق أسواقاً قريبة من منطقة المطاعم بعض الشيء، أولها سوق السمك بأصنافه العديدة التي تتجاوز العشرين وأشهرها: الهامور، الروبيان ، البياض، والسمك موسى، والقاروس، بلح البحر، وأم الخلول، والجندفلي، الزبيدي، الحمرا، الشعري (من الأسماك المرغوبة لدى أهل الإمارات) وتبدأ الأسعار من 3 دراهم للكيلوغرام، والأغلى 'الروبيان' حيث تصل بعضــ أسعــــار الكيلوغـــرام منه إلى 50 درهما·
على الطرف الآخر من السوق، يقع المسلخ الذي تصل إليه المواشي الحية من مناطق الإمارات أو الدول العربية 'سوريا والسعودية' ويتم الذبح فيه وفق الشريعة الإسلامية ومواصفات مدروسة تخضع لإشراف البلدية والرقابة الصحية، ويتاخمه سوق اللحوم التي تباع فيها العديد من لحوم المواشي، مثل: الغنم والماعز والبقر المستوردة كما أخبرنا الباعة من عدة دول مثل: استراليا والهند وباكستان وسوريا والسعودية، إضافة إلى الإمارات نفسها، ويباع كيلو اللحم بحسب جودته ومصدره من 13 إلى 18 درهما·
في عودة إلى السفن التي ترسو في انتظار إفراغ حمولتها أو تحميل البضائع والإنطلاق بها، بينما سواعدها الخشبية وأشرعتها تنادينا للاقتراب منها ومحادثة كابتن إحدى السفن الذي ردّ على سؤالنا له عن شعوره حين علم بإمكانية انتقال ميناء زايد إلى منطقة أخرى! فقال: إنه رغم ضيقه لن يبالغ بالحزن، لأن المسؤولين في الدولة يعملون لصالح نهضتها وحضارتها ولاشك يسعون لتقديم الأفضل لها· وذكر لنا أنه يقصد الميناء منذ نحو 12 سنة، ويذكر جيداً كيف كان يضم بداية ثلاثة أرصفة، بينما اليوم يضم21 رصيفا·
انضم إلينا ضابط في مديرية الجمارك وشاركنا الحديث بقوله: تبلغ مساحة الميناء الإجمالية 510 هكتارات، وتطور بسرعة فائقة ليصبح واحداً من أهم الموانئ العالمية في الشرق الأوسط، ويقدم خدماته إلى قطاع النقل البحري الدولي، متيحاً محطة مناولة للحاويات وبضائع الصب، والبضائع المدحرجة، المجمدة والبضائع العامة·
أما بعض المشاة الذين كانوا يقصدون الميناء لممارسة هواية صيد الأسماك، فقد أحزنهم نبأ إمكانية انتقال منطقة الميناء، وتحويل البقعة التي يجلسون على حوافها يصطادون الأسماك، إلى مدينة سياحية أو منطقة سكنية·
وشرعوا بفتح هواتفهم النقالة يلتقطون صوراً بدت كأنها للذاكرة لا أكثر!·
بينما هرعت سيدة ترتاد المكان اسبوعياً مع صديقاتها بصحبة 'الشيشة والمأكولات وأدوات الصيد' إلى سيارتها ممتعضة تغص بالدمع، رافضة الحديث إلينا!
فخاريات بجوار المفروشات
من ضمن الأسواق الموجودة في منطقة الميناء، بمقربة من السفن الشامخة صواريها إلى الشمس، يقع سوق المفروشات المنزلية الذي يضم محالا تعرض غرف جلوس ونوم وسفرة ومكاتب وموبيليا متنوعة، منها 'الخيزران والجوز والزين والسنديان' تتم صناعتها محلياً وتباع بأسعار في متناول الجميع· تبدأ أسعارغرفة النوم أو الجلوس بـ800 لتصل 3000 درهم، باستثناء مفروشات من الخيزران المشغولة بمهارة وجمالية ملفتة، تصل من إيران مرة كل شهر·
مقابل رصيف المفروشات المغطى بعضها بستائر من النايلون الشفاف، يقبع بهدوء سوق الفخاريات، حيث تصل البضائع اليدوية المنوعة المصنوعة من الفخار عبر سفن تحملها من قرى إيرانية ساحلية، كما أخبرنا أحد باعة السوق··· حيث الحرص على تقديم نماذج عديدة من الآواني الفخارية لكافة المستلزمات، سواء للاستخدام المنزلي كأدوات الطعام، أو 'أصيص' المزروعات والنباتات التي تحتضنها آنيات فخارية، بات الباعة والمهنيون يلونونها بعدة ألوان إرضاءً لأذواق الزبائن الذين باتوا بدورهم يحرصون على اقتناء أوانٍ ينسجم لونها مع لون المفروشات في غرفهم ومطابخهم·
بينما يحاذي سوق الفخاريات، سوق الأدوات المنزلية البلاستيكية والمعدنية البسيطة التي تلبي نماذجها ونوعياتها القدرات الشرائية البسيطة، وتشكّل ألوانها وطريقة اصطفافها فرجة للمستهلكين الذين يشترون من البائع بعد أن 'يفاصلوه' في السعر··· وحين رأتنا السيدة أم خليفة نتجول في المكان، تدخلت بقولها: كلنا نسمع عن أن الميناء سينتقل إلى جهة بعيدة خارج أبوظبي، قد يخسر الباعة محلاتهم والتخزين المجاني في المستودعات، وقد نخسر هذه المحلات وما توفره لنا، لكن الحكومة أدرى منا بصالح بلدنا··· الدايم الله يا بنتي·
هذا ليس كل شيء، فلقاءاتنا مع الباعة في باقي أسواق الميناء نستكملها في القسمين الثاني والثالث من تحقيقنا·
عدد اليوم
