الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأ حضان الآ منة

الأ حضان الآ منة
21 مايو 2006
سعاد جواد:
أتعذب كثيراً وأنا أرى ولدي الوحيد يصد بوجهه عني ويضع يده حاجزاً بيني وبينه كلما تقدمت لاحتضانه، لماذا يتصرف معي بهذا الشكل؟ ماذا فعلت لأستحق منه ذلك؟ انه قطعة من قلبي، انه كياني وسر سعادتي، انه أعز ما أملك في هذه الحياة، هل يتغلى علي؟ هل هذا نوع من الدلال، أم ماذا؟
احترت في تفسير هذا الجفاء والصدود من ابني الوحيد· احترت في انغلاقه على نفسه بعيداً عني وعن والده· كنت حائرة لا أدري كيف اتصرف؟· شكوت أمري إلى زميلات العمل فنصحنني بعدم تكبير الأمر، فالموضوع لا يتعدى التغييرات الفيزيولوجية التي تصاحب هذه المرحلة العمرية، فهو في الثانية عشرة من عمره، على أبواب المراهقة· نصحنني بالصبر وزيادة الرعاية والاهتمام·
جلست أمامه وهو يتناول طعامه بغير شهية وجهه شاحب، تعلوه علامات الحزن والكآبة، عيناه منتفختان وكأنه لم يذق نوماً منذ أمد بعيد أو كأنه كان يبكي بكاءً طويلاً، قلت له بصوت متهدج: ليس لي غيرك في هذه الدنيا، انت نور حياتي، أبواب قلبي مقفلة عليك وحدك، فلماذا لا تصارحني بالسبب الذي يبعدك عني؟ لماذا لا تخبرني بسرك؟ لماذا لا تساعدني على فهم ما تعانيه؟ انا لا استحق منك هذا الجفاء، أرجوك تكلم·
نظر إلي بعينيه الذابلتين وبقي ساكتاً لا يتكلم، وكأنه تمثال حجري لا يتأثر بشيء ممن حوله، ثم نهض من أمامي وذهب إلى غرفته دون تعليق·
بكيت بألم وحرقة، ماذا جرى لولدي؟ لماذا تغير بهذا الشكل؟ قبل عام واحد كان انساناً آخر مليئا بالحيوية والمرح، لماذا تحول بهذا الشكل الغريب؟ هل هنالك سر في حياته؟ ماذا يخفي عني؟ الغريب هو ان والده لا يكترث كثيراً لقلقي على ابني، ربما لأنه لم يعد يكترث لشيء، فيالحسرتي على اسرتي الضائعة·
الحب الأعمى
تزوجنا عن حب أو هكذا كنت معتقدة، وإلا لماذا أغمضت عيني عن كل عيوبه واخطائه؟ فالحب أعمى كما يقولون، اعميت عيني واغلقت أذني عن كل النصائح التي قدمت إلي لعدم الارتباط بهذا الانسان الفاشل· الحب اعماني عن كل شيء واصررت على الارتباط به على الرغم من معارضة أهلي ومقاطعتهم لي، فكانت النتيجة هي انني وبعد ان مرت سحابة الحب والهيام وتكشفت الحقائق كلها أمامي، نظرت إلى شريك حياتي وعرفت أنني قد اخطأت خطأً كبيراً وسأدفع ثمنه غالياً لوحدي لأنها مسؤولية اختياري الخاطئ· انه بعيد كل البعد عن جادة الصواب، لا يعرف من الدين إلا الاسم وهو يشرب الخمر ويميل للكسل وعدم الاحساس بالمسؤولية·
أنجبت ابني الوحيد بعد عام من زواجي ثم قررت ان لا أكرر التجربة، فزوجي لا يصلح لأن يكون أباً·
عملت بجد في عمل مرهق يستولي على ساعات النهار كلها لأجل ان أوفر احتياجات اسرتي بعد أن انسحب زوجي من تلك المسؤولية في الأشهر الأولى من زواجنا بحجة وجود مشاكل في العمل· قدم استقالته وجلس في المنزل بلا هدف·
ثلاثة عشر عاماً وهو يرفض ان يبحث عن عمل، اعتاد حياة الاسترخاء والاستمتاع بإجازة مفتوحة مريحة، خصوصاً وانه وجد من تتحمل المسؤولية عنه بلا اعتراض·
فعلت المستحيل كي اعيده إلى صوابه ولكن دون جدوى، نفذت كل الاقتراحات التي زودني بها الأهل والصديقات بالحرف الواحد دون جدوى لم يعد ينفع معه شيء أبداً، لا الطيبة ولا العصبية والانفعال، فقررت ان اتحمل هذا الوضع البائس من أجل ابني فقط، من أجل ان يحيا حياة طبيعية في اسرة متكاملة لا ينقصها شيء·
كنت اكابد العناء لأبعد ولدي عن المشاكل والمعاناة التي أعيشها· بقيت أصارع الوضع الصعب وحدي· فعلى الرغم من عملي كموظفة في شركة كبرى إلا ان راتبي لم يكن ليغطي جميع التزامات الأسرة، خصوصاً وان زوجي كان يستولي على جزء لا باس به لشراء ما يلزمه لجلسات اللهو التي كان يقضيها مع اصدقائه خارج المنزل·
حالة الطوارئ
مرت السنين وكان ولدي سعيداً جداً بحياته ولم يشعر يوماً بالكآبة أو التعاسة التي تنتابه هذه الفترة· قررت ان ابحث المشكلة مع زوجي فهو رجل وربما يعرف ما يحدث لابنه اكثر مني· انتظرته حتى عاد من سهرته اليومية، جلست أمامه، طالبته بلحظة انصات، تضايق مني لأنني امنعه من النوم، صرخ بي ليبعدني عنه ولكني اسكته بصوت بكائي معلنة حالة الطوارئ، فلم أعد احتمل· بين دموعي وانفاسي المتقطعة قلت له: أشعر بالخوف على ابني، فقد مرت سنة كاملة وهو في حالة سيئة جداً، ألا تراه شاحباً لا يأكل بشهية ولا ينام براحة، كثير السرحان، قليل الكلام، تبدو عليه علامات الخوف والحزن، وهو يتهرب مني كلما حاولت الاقتراب منه أو التحدث إليه· حتى انت والده لم يعد يجالسك أو يشاكسك كما كان يفعل في السابق، فكيف تفسر كل هــذه التصرفات الغريبة منه؟
أجابني بمنتهى البرود: انه تدليلك الزائد له· انت أفسدته دون ان تدركي ما تفعلين·
قلت له: وبم تفسر ابتعاده عنك؟ لقد اصبح يتجنبك اكثر مما يتجنبني، لماذا يفعل ذلك؟
أجابني بنفس البرود: انت تبالغين في أفكارك وأوهامك، الولد بخير ولا ينقصه شيء·
المفاجأة المرة
قررت ان اعرض ولدي على طبيب نفسي لأعرف سبب ما يعانيه، فلن اسكت وانا أشعر بأن ولدي في خطر·
أخذت موعداً له وقررت ان اخرج من عملي خلال ساعات النهار واصطحبه إلى الطبيب· عدت الى المنزل لآخذه وهو في إجازة من المدرسة، فتحت الباب بالمفتاح وقبل ان اطلق صوتي منادية عليه سمعت صوت بكاء مكتوم وأنين مؤلم ينطلق من غرفته، فتحت باب الغرفة بسرعة ففاجأني مشهد لم استطع معه سوى الصراخ الهستيري، ثم بلا وعي هجمت على زوجي وصرت أضربه وانا أردد: يا مجرم، حرام عليك، ابني·· ابنك، دفعني بقوة وألقى بي على الأرض، لملم نفسه ثم ارتدى ثيابه دون خجل وهو يرمقني بنظرة ازدراء وقحة ثم خرج من المنزل·
ركضت إلى ابني، احتضنته، تشاركنا البكاء والألم، الآن فقط عرفت ما به، عرفت لماذا لا يستطيع البوح بمعاناته، عرفت السر الذي طواه بين حناياه، عرفت مأساته التي سرقت طفولته وبراءته، دفعني بيديه، لم يقبل ذراعي الحانيتين، لم يعد يثق بحضني حين لم يعد حضن أبيه آمناً، مسكين هذا الصغير، لقد عاش معاناة لا تحتملها الجبال كلها·
لا أدري لم صبرت على عشرة زوجي كل تلك السنين، عرفت بأنه انسان فاشل، يعاقر الخمر ويرتكب المنكرات ولا يخاف ربه، كسول لا يتحمل المسؤولية، عاق لوالديه وأهله، سيئ الطباع، بذيئ وفاحش في كل ما يقول، اناني وسلبي في جميع تصرفاته· لا أدري لم بقيت متمسكة به مع انني كنت واثقة بانه أب فاشل بمعنى الكلمة لا يصلح ان يكون قدوة لولده، لم صبرت عليه؟ لم لم أحمل ابني بعيداً عنه؟ نفسي تلومني لوماً قاسياً لا استطيع الفكاك منه، ولكن ما فائدة اللوم والندم، لقد حدث ما حدث، يتحتم علي الان انقاذ نفسي وولدي من براثن هذا المخلوق البشع·
احترت كثيراً، كيف اتصرف، هل اذهب إلى مركز الشرطة واخبرهم بالواقعة ليلقوا القبض عليه، فيحصل على جزائه العادل؟ ولكن! ماذا أفعل بالفضيحة التي ستلحق بنا من جراء ذلك؟ كيف سيفلت من العقاب بكل سهولة؟ هل أقتله لأستريح واريح الدنيا من وجوده؟ ولكن ماذا سيفعل ابني ان مات والده ودخلت انا السجن؟ هل اخبر أهله وأهلي ليكون محتقراً طوال عمره؟ والله لا أدري ماذا أفعل؟·
بعد تفكير طويل حملت اشياءنا وحاجاتنا الضرورية في حقائب وانطلقت إلى منزل اختي تاركة له الشقة ليتصرف بها كما يشاء، فعقد الإيجار سينتهي قريباً وسيتحتم عليه تحمل مسؤولية نفسه بعيداً عني·
اخبرت اختي بأنني لم اعد احتمل المزيد مع هذا الانسان الكسول، واخفيت عنها الحقيقة، كما توقعت فقد شجعتني على الطلاق منه، فالجميع يعلم انه لا فائدة من اصلاح مثل هذا المخلوق·
رفعت قضية في المحكمة اطالب فيها بالطلاق، فحصلت عليها بسهولة لأنني قدمت ما يثبت بأن زوجي لم ينفق علي وعلى ابنه لسنوات طويلة دون ان أذكر تلك التفاصيل البشعة التي قام بها زوجي مع ولده الوحيد، فما فائدة الفضائح، لقد فوضت أمري إلى الله وانا واثقة بانه سينال جزاءه العادل عاجلاً أم آجلاً·
سمحت لي اختي ببناء ملحق صغير في بيتها يضمنا انا وولدي، وقد كنت سعيدة وانا أجده استعاد بعض حيويته وصار يشارك أولاد خالته اللعب واللهو، ثم أخذته الى الطبيب النفسي وساعدته حتى شفاه الله وتحسنت حالته·
ترك طليقي الشقة وذهب للعيش في منزل أخيه لفترة ثم سرعان ما وجد غبية اخرى مثلي مثل عليها دور العاشق الولهان، فتزوجته وهي تعلم بأنه فاشل وبلا عمل وأنها ستضطر للإنفاق عليه، ربما أرادت ظل رجل في بيتها بعد ان فاتها القطار، للأسف هي لا تعلم بأنه ليس ظلاً حقيقياً وانما هو ظل حارق لا ظليل ولا يغني من اللهب·
أنظر إلى ولدي وهو يلعب الكرة مع الأولاد بسعادة واطمئنان، وأحمد ربي انني استطعت حمايته بعيداً عن احضان والده غير الآمنة·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©