الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اصطياد زوج

اصطياد زوج
20 يونيو 2013 20:42
بما أنني شابة جميلة والجميع يثنون على أناقتي وقوامي ووجهي المبتسم الصبوح، فقد كان لي الحق في أن أحلم بعريس غير عادي يناسب هذه المواصفات ويستحق أن يقترن بي، وأيضاً أفخر به وآتيه بين قريناتي، ومن حقي أيضاً أن أفرض شروطي، وأعلنت ذلك على الملأ، وباختصار يجب أن يكون الفارق بيننا في العمر بين عامين وخمسة أعوام على الأكثر، وحاصل على مؤهل عال، ويعمل في وظيفة مرموقة ويملك فيلا أو على الأقل شقة فاخرة في منطقة راقية، ولديه سيارة فارهة أحدث موديل ويهدي إليَّ مثلها بسائق خاص، ورصيده في البنك متضخم ولا يتأثر بالسحب منه، وجدول أسفار وتنزه موزع على الشتاء والصيف والمناسبات بكل أنواعها، وكان رد فعل صديقاتي أن هذه ليست مواصفات عريس وإنما شروط تعجيزية لشغل وظيفة، وتندرن جميعاً على ذلك بتعليقات كل حسب رؤيتها، ورأى البعض أنها مبالغ فيها وبعيدة عن الواقع وكذلك تعبر عن التعالي، ولذا فإنها تحتاج أيضاً إلى عريس يكون من الشاكلة نفسها. الأماني ممكنة بالطبع لم يكن هذا الكلام لمرة واحدة منذ أن بلغت العشرين من عمري وأنا في السنة الثانية بالجامعة، وقد تكرر ذلك مني كثيراً وقلته أمام كل من يعرفني من الناس ومن أسرتي، ولا أدري إن كنت أريد أن أتعجل الزواج أم أنني زاهدة الآن، لأن الفرص كثيرة وواعدة وكل الأماني ممكنة، وإذا لم تكن واحدة مثلي تضع الشروط فمن يضعها إذن؟ فها أنا أرى الأخريات يتزوجن بشكل عادي لا يرضيني ولا أقبله، ولا بد أن أكون متميزة في كل شيء وإلا فالبقاء في بيت أبي أفضل، ولا أجد ما يضطرني لقبول زيجة مثل كل الفتيات وهذا موقف ثابت. بعد أن تخرجت والتحقت بالعمل في وظيفة حكومية لم يتغير رأيي وظللت متمسكة به، وأعدت إعلانه أمام المقربات مني فيما بعد أو من يفتح معي الموضوع أو من قبيل النقاش العام، وخاصة أنني أمتلك سيارة وأقيم مع أسرتي الميسورة، وإن كان ما أريده يزيد عن الوضع الذي أنا فيه، وهذا طبيعي إذ يجب أن تنتقل الفتاة من مستوى إلى مستوى أفضل وإن لم يكن ذلك فلا داعي للزواج أصلاً. وبدأ الغيث بقطرات من العرسان كان الأول في وظيفة مرموقة وكان عمره مناسباً حيث يكبرني بثلاث سنوات، لكنه لا يملك إلا منصبه ويعتمد عليه في كل حياته ويعيش على الأمنيات والأمل، وأنه سيفعل كل شيء ويفتقد كل الشروط الأخرى، فهذا لا يحصل إلا على واحد من عشرة، يعني راسب أو مرفوض بالثلث، فأنا لست مضطرة للمعاناة وقبول الزواج من شخص يحتاج للمساعدة والعون، فهو يزعم أن وظيفته كافية لفتح الأبواب المغلقة أمامه وأن كل أسرة سترحب به وها هو يكتشف أنه مخطئ. أصحاب السطوة ولم يكن هذا الشخص الوحيد من هذا النوع من الرجال، بل تقدم آخرون من المتوهمين بأنهم من أصحاب السطوة والسلطان، وتلك المؤهلات تجب كل الشروط الأخرى، وقد لقوا نفس مصيره ورفضتهم مثله، وجاءت أنواع أخرى مختلفة كانت تمثل الوجه الآخر لعملة الرجال، فهؤلاء يملكون المال ولكنهم غير متعلمين ولا مثقفين ويفتقرون إلى الوجاهة الاجتماعية، ومع ذلك فإنهم لا يختلفون في فكرهم عن النوعية الأولى، فيُخيَّل إليهم أن المال أيضاً يفتح أمامهم المتاريس ويزيح العقبات مهما كانت ويقضي على الصعوبات، ولا يوجد أمامهم شيء اسمه المستحيل ويتوهمون أنهم يستطيعون شراء الناس كما يشترون السلع، وإذا كانت لهم تجارب سابقة في مواقف مختلفة فقد رأوا أن هذا ينطبق على كل الأحوال، وتعدد هؤلاء أيضاً وكان نصيبهم الرفض مثل السابقين، وقد علم الجميع أن على من يتقدم لي أن يكون جامعاً لكل المواصفات. تضاءلت أعداد الخطاب الراغبين في الارتباط بي حتى انعدمت ولم يعد هناك من يتقدم لي، وتوهمت أن هذا يعود إلى أن الشباب يراجعون أنفسهم وظروفهم قبل الإقدام على هذه الخطوة حتى لا يتم رفضهم مثل السابقين الكثيرين، ولا يصبحون رقماً في قائمة المرفوضين، وهذا أمر طبيعي، لكن طالت هذه المدة ولم يعد يتقدم أحد بأي مواصفات لا مقبولة ولا مرفوضة، وقد بدأت أدرك الحقيقة المرة وهي أن العمر تسرَّب من بين يدي بفعل فاعل، ولم يكن الإدراك وليد التعقل والتفكير، ولكن عندما توفي أبي وجدت نفسي وحيدة في الحياة، فقد كان السند الذي أتكئ وأعتمد عليه في كل ما كنت أتخذه من قرارات، وأستمد منه القوة والانطلاق في كل الأمور، وقد تمثلت تلك الحقيقة في أنني تخطيت الثلاثين، وهذه بالفعل محطة خطرة وبداية الانضمام إلى راكبات قطار العنوسة. تراجع وتنازل تغيَّرت عندي المفاهيم والأفكار، وأعلنت هذا التحول الذي كان بمثابة تراجع أو تنازل عن الشروط والمواصفات السابقة، وقدمت تسهيلات لجذب أحد العرسان وزدت على ذلك أنني عرضت ما لدي من إمكانات تشجيعية مثل الشقة التي كان أبي قد اشتراها لي خصيصاً والمشاركة في الأثاث علاوة على المساهمة في نفقات حفل العرس، ثم بعد ذلك مصروفات المعيشة ولم تكن كل هذه الإغراءات كافية للفوز بعريس مناسب، وكان كل ما لاح في الأفق بعض الطامعين ونماذج مرفوضة في كل الأحوال، فلم يكن الذين ظهروا رجالاً يرغبون في الزواج والاستقرار والإنجاب، إنما بعض كبار السن الذين يريدون أن يجددوا شبابهم مع عروس في الثلاثين في عمر بناتهم، وتركزت عروضهم حول الزواج العرفي أي غير الموثق، أو أن يكون سرياً بحيث لا يعلم به أحد حفاظاً على مواقعهم أو خوفاً من أبنائهم وزوجاتهم، أي في كل الأحوال سأكون زوجة لبعض الوقت وفي الظلام، وكان من الطبيعي وبقليل من التفكير أن يكون الرفض مصير كل هؤلاء العرسان العجائز. ما زلت عند المربع صفر، لم أبرحه حتى هذه اللحظة، لم أتقدم في حياتي خطوة واحدة إلى الأمام، وكل ما استجد أن صديقاتي وزميلاتي وقريباتي تزوجن وأنجبن وزادت حدة انتقادهن لي، وكأنهن شامتات فيما وصلت إليه أحوالي المتردية، ويردن أن يثبتن أنهن كنَّ على صواب وأنني كنت وما زلت على الخطأ والنتيجة واضحة للعيان، أو اعتبرنها هزيمة قاسية لي، ويردنني أن أعترف بها ولا مانع عندهن من أن أعلن ذلك وشعرت بالانكسار والألم من تلك الشماتة بلا مبرر، لكن كبريائي يمنعني من الاعتراف إذا كانت النوايا بهذا الشكل. هبوط اضطراري كانت هناك تنازلات أخرى مثل الهبوط الاضطراري، ويجب أن أجذب انتباه أحد الشباب ويكون مناسباً وأجعل علاقتي به قوية حتى يقع في غرامي أو بالأحرى أوقعه في هذا الغرام ببطء، حتى يغرق فيه وحينها يمكنني إيقاعه في شباكي واصطياده بسهولة، ولم يكن حولي إلا واحد من زملائي في مثل عمري ويعمل معي في نفس القسم الوظيفي، وعلاقة الزمالة بيننا تصل إلى سبع سنين، وأعرف كل ظروفه فهو من عائلة متوسطة ولم يستطع الارتباط حتى الآن لأنه كان مشغولاً بتزويج أخواته أولاً، وقد انتهى من تلك المهمة ولم يعد معه إلا أمه العجوز ولا يملك ما يتزوج به، وقد كان المدخل لشخصيته هو الحديث عن همومه وآلامه والتخفيف عنه والتهوين منها وعرض المساعدة بأسلوب راق لا يجرح مشاعره. نجح هذا الأسلوب في خلق علاقة تقارب بيننا، تطورت إلى لقاءات في أماكن عامة، لكنها لم ترق إلى نيته في الارتباط بي، وإحساسي يقول إنه يعتبرها مجرد صداقة، فلم يلمح ولم يصرح بكلمة تتجاوز ذلك، وأريده أن ينطق وأشجعه لكنه لا يفعل، ولا أستطيع أن أعرف إن كان يدعي عدم الفهم أم أنه يفهم ويريد المزيد، أو يفهم ولكن ظروفه لا تسمح، والغموض يحيط به من كل الجوانب، لذا لا بد من أن ألجأ إلى تطوير الوسائل في التعامل معه ولم يرد على بالي غير الأسلوب التقليدي، بأن أدعي أن عريساً تقدم لي ويريد خطبتي وبذلك أختبر موقفه وأستطيع الحسم، لكن بعد قليل من التفكير وجدت أن الطريقة مكشوفة، وفي نفس الوقت ليست مضمونة النتائج، وربما تضيعه من يدي فقد يكون سلبياً ولا يتكلم ولا أستطيع أن أقول له أنني مثلاً رفضت العريس أو أننا لم نتفق، وفي النهاية يذهب بلا رجعة، فقررت أن أبحث عن وسيلة أخرى بحيث لا أضعه في موقف الاختبار. لست مستعدة لتكرار تلك التجربة، ويجب أن أحافظ على تنفيذ هذا المخطط بذكاء، ويكفي ما حدث بسبب تعنتي وغبائي وسوء الحسابات والتخلص من الأفكار الطفولية التي لا تضع الأمور في نصابها الصحيح، ويجب أن أتعلم الدرس، وتمكنت من الوصول إلى الهدف حتى استطعت أن أستخرج من فم زميلي طلبه يدي والزواج مني، ومهَّدت له كل الظروف بما معي من مال ومسكن وتم الزواج، لكن ما بعده لم يكن أفضل مما قبله ووجدت أن زوجي رجل بلا شخصية تسيره أمه في كل صغيرة وكبيرة، مثل طفل في الرابعة من عمره يعتمد عليها في كل شؤونه، وتختار له ملابسه ويستأذنها في المبيت عندي أي في منزله، فتارة تسمح وتارة ترفض بلا مزيد من الشرح والتفصيل وهي تسيره «بالريموت كنترول» وتتحكم في جميع حركاته وسكناته ليس له في حياتي محل للإعراب لا وجود ولا تأثير. نورا محمد
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©