الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

طفولة تهرول دون متعة بحثاً عن التمايز المدرسي

طفولة تهرول دون متعة بحثاً عن التمايز المدرسي
17 سبتمبر 2010 20:42
أولياء الأمور يجدون أن الأطفال أصبحوا محرومين من التمتع بطفولتهم بسبب اليوم الدراسي الطويل والاستذكار وأداء الواجبات. ويتذكر أبناء الأجيال السابقة أن بناة الدولة، أصحاب السمو الشيوخ، وجميع الوزارء والوكلاء، وكل من حصل على منصب خلال الفترة مابين السبعينيات وحتى الثمانينيات، جميعهم تعلموا ودرسوا في مدارس الدولة، ثم أكملوا تعلميهم إما في دولة الكويت أو الأردن أو مصر وحتى لبنان والعراق، كل حسب تخصصه والمرحلة الزمنية التي تخرج خلالها في الثانوية. ولم تكن أوقاتهم كلها مكرسة للاستذكار كما هو حال أبناء اليوم. كل أولئك من ذكور أو إناث كانوا ذات يوم أطفال يذهبون إلى المدرسة في الصباح الباكر، ويعودون بعد صلاة الظهر وفي الغالب عند الواحدة ظهرا وبالنسبة للمرحلة الثانوية عند الثانية ظهرا في الثمانينيات، وفي الفترة المسائية وبعد تناول الغداء وأخذ قسط من الراحة، يبدأ الجميع في حل الواجبات وحفظ ما يجب أن يحفظ من النصوص أو الآيات القرآنية، وإنهاء كل ما يتعلق من الاستعداد للغد الدراسي الجديد. ينطلق الجميع بعد ذلك إلى مراتع اللعب سواء داخل المنازل للفتيات حيث يجتمعن للعب، وربما يخرجن للعب في الخارج حتى أذان المغرب، وبين لحظات اللعب هناك لحظات للتواصل مع الأهل الذين يكونون في الجوار ويراقبون الأمور عن كثب، وهي متعة يتيحها الوقت لتجديد الحيوية الذهنية والعاطفية لاستقبال يوم جديد. تلك هي صورة الطفل في الامارات خلال العام الدراسي مابين جد ولعب وتربية وتعليم، ولكن بمرور الوقت ونتيجة الطموحات الرامية لتخريج أجيال ذات تعليم مميز، من أجل الدخول إلى عالم الجامعات والكليات بذخيرة من المعلومات والتأهيل للعلوم الأكاديمية، أصبح الطفل محروماً من طفولته، بشهادة أولياء الأمور الذين يرددون في كل عام شكواهم من طول اليوم الدراسي وكثرة الكتب والواجبات، ليس للطلاب في الإعدادية أو الثانوية، وإنما الصغار في مرحلة الروضة، ولو قام أي مسؤول بالتجول في المواقع الامارتية الالكترونية لوجد الكثير من الموضوعات والشكاوي المتعلقة بهذا الجانب المنسوخة من الصحف أو الخاصة بالمجلات الالكترونية والمنتديات. أعباء خارج المألوف هنا نماذج من آراء أولياء الأمور يتحدثون عن أسلوب حياة الطفل من عمر الروضة وحتى الابتدائية، حيث تقول والدة الطفل ماجد فيصل التي تسكن إمارة أبوظبي، أنها لا تشعر بالرضا عن حال الأطفال خلال العام الدراسي، فطفلها الذي أصبح في الثالث الابتدائي يعاني في كل عام، وهي تعاني معه بسبب أنه وشقيقته التي انتقلت من الروضة إلى الأول الابتدائي هذا العام 2010-2011، بحاجة لمن يراجع معهما دروسهما وذلك مما يزيد العبء عليها كأم، حيث يخرج الأطفال في حافلة خاصة بالمدرسة عند السابعة صباحا، فتعود طفلتها عند الواحدة والنصف، أما طفلها فكان يعود عند الثالثة إلا ربعاً بعد الظهر، وفي العام الماضي كان يعود عند الثانية والنصف. تكمل أم ماجد أن ذلك يعني أن وقت الغداء قريب من العصر، حيث ما أن ينتهي الجميع من تناول الغداء، إلا وقد أصبح الوقت عصرا حيث تبدأ في فتح حقيبة المدرسة والتعرف إلى المطلوب، وتبقى في متابعة ومتابعة التحضير للدروس معه حتى أذان المغرب، وتتساءل: هل يمكن أن يبقى في الطفل أية طاقة للعب أو للجلوس للتسلية بعد كل هذا؟ ثم تكمل إن الأطفال يتناولون عشاءهم بعد ذلك ويستعدون للنوم، حتى أنهم لا يبتسمون في أيام كثيرة بعد الانتهاء من كل ذلك من التعب. تعقب أنهم كالكبار لا طفولة لهم وكأن هناك من يسرق طفولتهم باسم التحصيل، ومن أجل إنهاء المقررات في مواعيدها، ومن أجل المستقبل وكأن الأمهات أمثالها ممن تعلمن وتخرجن من عالم مختلف ربما يكون عالماً مختلفاً، ولكنه عالم أتاح لها وللأمهات الفرصة للعب والشعور بطعم الطفولة دون إنهاك من التعليم ومن طول اليوم الدراسي، الذي أصبح طويلا بسبب المناهج. حسن محمد من الشارقة لديه طفلتان في مدرسة خاصة وهو يقول إنه قد قام بتسجيل طفلتيه بالحافلة ودفع رسوم التوصيل تحسبا لأي طارئ، فربما يكون ذات يوم في إمارة أبوظبي لأي أمر طارىء بسبب الوظيفة، وزوجته تعمل في إمارة دبي، وقد لاحظ أن الحافلة توصل الطفلتين عند الثالثة عصرا وهما في حالة إنهاك وإعياء شديدين، لأنهما يبدآن بالخروج في الصباح الباكر عند بداية شروق الشمس، فالسائق عليه أن يمر على بيوت كثيرة. يكمل محمد حديثه وهو في حالة من الحزن قائلا إن الطفلتين تذهبان إلى السرير دون تناول الغداء، من شدة التعب والإنهاك وعندما تعود والدتهما توقظهما من أجل حل الواجبات وكتابتها، ثم الدخول إلى مرحلة الحفظ والتسميع والإعادة والتكرار حتى التاسعة مساء، وربما في أيام الاختبارات ينتهي كل ذلك عند العاشرة مساء. أين الطفولة ابنة محمد الكبرى في الثالث الابتدائي والصغيرة في الثاني الابتدائي، وقد دخلتا إلى ذات المدرسة منذ الروضة الأولى، ومن أجل توفير قليل من الوقت لهما للراحة أتفق مع والديه المتقاعدين للمرور على المدرسة لإحضار الطفلتين، وقد أتاح ذلك لهما أن تصلا للمنزل بعد الواحدة ظهرا بفترة قصيرة، مما يمنحهما وقتا لتناول وجبة الغداء والنوم حتى موعد عودة والدتهما، حيث تبدأ القصة اليومية وهي الاستذكار حتى فترة متأخرة من أجل العلامات النهائية. يعلق محمد قائلا إن الأطفال في هذا العصر يفتقدون الفرصة للتعرف إلى هذه المرحلة من حياتهم كأطفال، فهم في حال انشغال منذ الفجر وحتى موعد النوم، بعكس الفترة التي كان فيها هو طفلاً، حيث كان يجد الكثير من الوقت للتسلية واللعب مع أخوته أو خارج المنزل، سواء بعد صلاة العصر أو بعد صلاة المغرب، ثم يتناول الجميع العشاء بعد صلاة العشاء ويذهب الأطفال والطلاب للنوم، وهناك متسع من الوقت للنوم بشكل كاف، وبعد سنوات عديدة تخرج من كانوا أطفالا ذات يوم وقدموا خدمات جليلة للدولة. متفوقون ولكن نورة علي تقول إنها والده لخمسة أبناء، ولم تكن تشعر بالكثير من الجهد عند الأسر الصديقة قبل مرحلة الثمانينيات حيث اختلف كل شيء بعد ذلك، وأصبح كثير من تلك الأسر شغلها الشاغل هو أن تمتنع عن أية حياة اجتماعية خلال الأسبوع الدراسي وطوال العام، من أجل التفرغ للمراجعة والاستذكار، أما من تخرجوا من الثانوية في الثمانينيات فقد كانت حياتهم أسهل بكثير كأطفال، حيث وجدوا الوقت الكافي للدخول والخروج للعب خلال اليوم الدراسي، وكانت لديهم الفرصة للتواصل مع الأهل أيضاً. تكمل قائلة إن من ولدوا من أطفالها بعد منتصف التسعينيات قد وجدت مشقة في توفير الوقت الكافي لهم، من أجل ألا تحرمهم من الشعور بالمعني الحقيقي للطفولة، ورغما عنها كانت تضطر إلى حجزهم يوميا من العصر وحتى موعد نومهم، من اجل أن تتأكد من أنهم استوعبوا كل شيء، وكانت تطمح في أن يكونوا من الأوائل كبقية أخوتهم. توضح نورة إن أبناءها حققوا الدرجات النهائية، وكانوا من الأوائل ولكنهم في كل مناسبة يرددون لن نفعل بأطفالنا ما فعلتم بنا بعد أن نتزوج وننجب، وذلك دليل على أنهم غير راضين عما حدث لهم قبل التخرج من المدارس، بسبب حرمانهم من طفولتهم من أجل التحصيل العلمي، وفي المقابل تردد هي على مسامعهم أن تلك المرحلة قد انتهت إلى غير عودة، وفي المقابل أصبح كل واحد منهم في منصب وله حياة ناجحة. تعترف نورة أنها غير مقتنعة بما تردده عليهم لأن الثمن غالي، فالطفولة عمر يذهب ولا يعود مرة أخرى، وعلى أصحاب القرار أن يعيدوا النظر في السياسات الخاصة بساعات الدوام وبالمنهج الذي أصبح حملا ثقيلا، بسبب الواجبات والدروس التي على كل طفل أن يقضي من أجلها وقت طويلا في المنزل دون راحة ودون تسلية، وعلى حساب راحته الجسدية والنفسية، كذلك على حساب حياة الأسرة وراحتها وعلى حساب علاقتها مع المجتمع. إلى المدارس الحكومية نورة استقالت من وظيفتها في وزارة الصحة من أجل التفرغ لتدريس الأطفال، فذلك منحها الوقت للراحة في الصباح كي تستعد كما تصفها( لمعارك الواجبات والاستذكار)، ومحمد يستعد لتجهيز نفسه كمسؤول ماديا بشكل كامل عن أسرته، لأنه قرر أن تترك زوجته وظيفتها من أجل أن تتفرغ للأطفال، لأنها مصابة بإنهاك دائم مابين الوظيفة وتعليم الأطفال، ورغم صعوبة الحياة إلا أنه مستعد للتحمل، كما سيقوم بتسجيل أطفاله اعتبارا من العام المقبل في المدرسة الحكومية. أم سالم سعيد تؤكد إنها لولا صعوبة الحياة والحاجة للراتب لما بقيت في الوظيفة، فقد بلغت مرحلة من العصبية والإنهاك الذهني بسبب حاجة أطفالها للعب، وفي ذات الوقت لا يوجد الوقت الكافي وهناك ورقة بها ملاحظات يومية من المدرسة حول ما يجب أن يراجع أو يكتب أو يحفظ، فمن أين ستأتي لأطفالها بالوقت لتتركهم يلعبون ولو ساعة من الوقت؟ تطرح ذلك السؤال وتكمل أن كل طفل بحاجة لأن يعيش وقته، وربما هناك الكثير من أولياء الأمور يعانون، ولكنهم لا يستطيعون أن يفعلوا شيئا من أجل أطفالهم، وتنتظر أم سالم أن ينهي أصغر أطفالها المرحلة الابتدائية في المدرسة الخاصة كي تنقلهم للمدارس الحكومية ثم تستقيل، وهي تقول إن بناء الوطن بحاجة لراحة ذهنية ولأطفال عاشوا طفولة حقيقية، ولذلك ستنسحب من العطاء خارج البيت لتتفرغ لأبنائها العصبيين بسبب الواجبات وكل ما يحدث يوميا خلال العام الدراسي.
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©