الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عبث الرقابة والوقت الضائع

17 سبتمبر 2010 20:56
تمر بريطانيا بأزمة تقشف خانقة انعكست على جميع المستويات ، فعلى ذمة صحيفة “ ديلي ميل” يرغب أكثر من نصف البريطانيات بإنجاب الأطفال غير أن عدم توافر المال الكافي يمنعهن من السعي لذلك. وحذر وزير الدفاع البريطاني وليام فوكس (ذي ديلي تلغراف) من أن بلاده لم تعد قادرة على تحمل نفقات حمايتها من كل المخاطر المحتملة التي تهدد أمنها وأن الوضع “المزري” للخزينة العامة للدولة يعني أنه لم تعد هناك قدرة على تجهيز القوات المسلحة لمواجهة كل خطر محدق بالبلاد. ورغم هذه الأزمات الوجودية (المتعلقة بالذرية والأمن القومي) بسبب الوضع الاقتصادي فإن “خسارة” بريطانيا من استخدام الموظفين والعمال للمواقع الاجتماعية على الإنترنت (التي قد تصل إلى أكثر من 22 مليار دولار حسب بعض المعنيين)، لم تدفع الحكومة البريطانية إلى حجب هذه المواقع عن الموظفين كما سارعت وفعلت بعض الدول العربية التي تقول إن الموظفين يهدرون نحو مائة مليون دولار سنوياً عن كل ساعة تصفح للإنترنت. هذا مع العلم أن هذه الدول تتمتع بنسب ولادة عالية – خلافاً لبريطانيا- كما أنها ليست في وارد خوض حروب مع أحد (إلا مع مواقع ومستخدمي الإنترنت). والمهم في هذا الموضوع هو أن جميع المؤشرات تدل على أن الإنترنت مرشحة لتكون موضع النزاع الإعلامي الأساسي بين دولنا وشعوبها لسنوات طويلة . ورأيي بهذا الصدد يتلخص بالتالي : بعد أن أصبح التلفزيون والإذاعات والصحف أدوات طيعة بيد الدول التي تخاف من شعوبها ، فإن المصدر الرئيسي للقلق من وسائل الإعلام بالنسبة لهذه الدول هو الإنترنت (وملحقاتها) التي يمكن أن تكون المعبّر الوحيد الباقي عن قطاعات واسعة من الناس وأفكارهم (وخاصة جيل الشباب) بدون القيود المعهودة وأشكال الرقابة المختلفة : القانونية أو الذاتية. ولا حتى الرقابة المهنية. وسوف تستمر محاولات مثل تلك الدول لتطويع الإنترنت طالما أن بعض المسؤولين فيها يعتقد بأن “الإعلام هو الذي يخلق الأزمات” في حين أن ما يجب الخشية منه هو تسخير القوانين والتكنولوجيا الجديدة لتكميم الأفواه لأكثر من سبب ، منها أن ذلك أيضاً سيكلف ميزانية الدولة ، خسائر مالية ضخمة تصرف على جيش المراقبين وشراء الأجهزة الباهظة الثمن والأسرار التقنية والبرمجيات القادرة على تطويع جمهور الإنترنت - إلى جانب ما تكلفه البيروقراطية والبروتين والفساد الإداري المسكوت عنه. أما الكلفة الأشد خطراً والتي تدل عليها تجارب الماضي القريب والحاضر فتكمن في أن السياسات القمعية لحرية الرأي والتواصل عبر الإنترنت تتحول في الأغلب – عبر الإنترنت نفسها - إلى غضب أكبر لا أحد يعلم حدوده. والعكس صحيح. مثلاً: على الرغم من أن المدونين والإعلاميين الرقميين في الغرب هم أكثر حرية بكثير وأكثر قدرة على “الإزعاج” والتعبير و”الفضح” والإصلاح والمحاسبة إلا أن خوف دولهم منهم لم يصل يوماً إلى ما وصل إليه البعض عندنا على الرغم من ادعاء المخاطر على الأمن القومي. وما تجربة موقع “ويكيليس” الإلكتروني الذي قام بنشر أكثر من 76 وثيقة عسكرية أميركية عن حرب أفغانستان إلا مثالاً رائعاً على عبث منطق الخوف والتهويل الأمني الذي تستمر الرقابة في بعض دولنا باستخدامه للتضييق ليس على الإنترنت فقط وإنما على الإعلام كله. وما اضطرار الإدارة الأميركية إلى محاولة “ التفاوض” مع الموقع وإقناعه – فقط بالكف عن نشر باقي الوثائق إلا نموذجاً على عبث الرقابة القديمة والضغوط المعهودة بكل أنواعها. barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©