الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صورة مضيئة لأبناء الوطن المغتربين

صورة مضيئة لأبناء الوطن المغتربين
21 يونيو 2015 00:37
سمعنا كثيراً من القصص التي تبدأ بصدفة.. وكم من أحداث تترك بأنفسنا أثراً وتكون بدايتها صدفة!! نعم تلك الصدفة التي أخذتني إلى عالم جديد في وقت غير معلوم وزمان غير مفهوم، ربما لم أتوقعه يوماً.. ولكن الصدف دائماً تحمل لك مفاجآت.. والمحظوظ هو من تحمل له الصدف دروساً في الحياة.. يخوض تجربتها.. يستشعرها ويتعلم منها أبجديات الحياة. مجموعة مغتربين في كوريا الجنوبية هم شباب.. مراهقون.. ورجال مسنون جمعتهم ظروف واحدة منهم من يشكو ألماً.. أو يرافق والديه في رحلة العلاج.. أو يمضي شهوراً مع أحد أبنائه للاستشفاء.. أو ربما وقفة مع صديق في ذروة صراعه مع المرض!! ولكن يبقى السبب واحداً.. فكم نسمع عنهم (مسافرين للعلاج) ولكن لا نذوق مرارة معاناتهم.. وتعب غربتهم القاهرة في تلك الظروف.. لا ندرك مدى حاجتهم لأن نكون معهم.. نستمع إلى شكواهم.. ونلتمس آلامهم وهمومهم!! كيف يعيشون؟ كيف يقضون أوقاتهم؟ كيف ينسجمون مع غربتهم؟؟ هذا هو بالضبط ما كشفته لي الأيام بعد إضافتي إلى مجموعة (شباب كوريا 2014) عبر برنامج الواتس اب. كان رقم هاتفي الاحتياطي.. مهملاً استخدمه في حالات الطوارئ.. ولا يعتريني فضول لرؤية رسائله النصية.. فلم يكن لديّ ما أهتم لأمره في هذا الجوال.. وبينما أقوم بأحد اتصالاتي الطارئة لفت انتباهي برنامج الواتس اب المركون في إحدى زوايا شاشة الهاتف.. ألقيت نظرة سريعة على رسائله حتى سقطت عيناي على إضافة مجموعة جديدة. لم أعرف رقم الهاتف المضيف فهو غير وارد في سجل اتصالاتي.. (لتصبح حينها الأرقام سبباً لأن أكون العضو المقنع بين قائمة أعضاء المجموعة) عندما دخلت إليهم.. شعرت بالغربة.. بخطأ التواجد بينهم.. أنثى بين مجلس رجال!!.. ولكن هو الفضول.. ما دعاني للتريث قبل أن أحذف المجموعة.. محادثات بين المزاح والجدية.. بين الاستقبال والوداع.. استهوتني تلك المحادثات حتى أصبحت مراسلاتهم أشبه بعادة يومية أتابع تفاعلهم وأخبارهم وتروق لي تغطيتهم التصويرية لجولاتهم وجلساتهم وزياراتهم.. أندمج بيومياتهم وأستمع إلى نقاشاتهم.. نعم اعتدت أجواءهم.. حتى دموعي باتت تذرف أحياناً ضحكاً لمزاحهم وأحياناً أخرى لهمومهم وشكواهم.. وكم كانت تثيرني خلافاتهم الساذجة بالعبارات المشينة وتدهشني روحهم الرياضية بعد كل جلبة حوارية تدب بينهم.. هنيهات وكأن شيئاً لم يكن ليعود تواصلهم مرة أخرى دون أن ألمح ظل الخلاف بين أعضاء المجموعة.. فيا للفراق بينهم وبين المجموعات النسائية الصاخبة بالخلافات والنقاشات الحادة التي ربما تتعدى أحياناً حدود المحادثات برامج التواصل الاجتماعي إلى أرض الواقع.. نعم قد كانت هذه التجربة مقياساً بالنسبة لي لأمور كثيرة في الحياة حتى في نسبية التفكير بين الرجل والمرأة. كانت هذه المجموعة بمثابة زاوية جديدة كشفت لي الكثير من الأمور التي تناسيتها أو ربما استهنت بها في حياتي.. أرواح خلف الأثير.. تركت بداخلي بصمة زمن لمدى طويل.. فلا أنسى أسماءهم وملامح وجوههم.. حتى أني أميز أصواتهم أو أسلوب حديثهم ومنهم من امتاز بالفكاهة ومنهم بهيبة قيادية.. منهم بالعصبية ومنهم بروح أبوية.. «الشميلي، جابر، بو فلاح حسن وبو خالد» وآخرون ممن استطعت التعرف عليهم من خلال تلك المحادثات.. مواقف كثيرة شهدتها معهم.. حتى تسرب إحساسي بأني فرد من تلك الأسرة المغتربة.. فلا أنسى لحظات ترقبي لتغطية تجهيزات حفل الوداع الذي أقيم بمناسبة توديع العائدين إلى أرض الوطن.. وكيف احتفلت معهم من خلال المشاركة في محادثاتهم والثناء على مبادرتهم الطيبة تجاه إخوانهم.. أو مدى تأثري بالصورة الجماعية مع الوالد بو خالد ذلك الرجل المسن الذي اعتراه المرض وكيف تجمعوا حوله كالأبناء البررة البارين.. أو حتى إحساسي بالمواساة معهم حين أجرى صديقهم بو فلاح عمليته في إحدى قدميه لاستئصال (الورم) فلم تصمت إشارات التنبيه في محادثات المجموعة وبشكل متواصل وهم يحاولون الاطمئنان عليه.. منهم من كان يرافقه في غرفة العمليات وآخرون يرتقبون الأخبار وبشارة سلامته... لا أنسى لحظات القلق التي كانت تعتري العضو (الشميلي) حين تم إخطاره بإيقاف علاج ابنته ووقفة رجل الدبلوماسية (خالد الشحي) إلى جانبه لتسهيل أموره وضمان استكمال فترة العلاج.. فكم كانت رحابة صدر ذلك الرجل المتواضع في تعزيز تواصله مع أسر المغتربين برغم انشغالاته.. ليس لحل مشاكلهم وعقباتهم فقط.. بل حتى في تلبية دعواتهم إلى مآدبهم المتواضعة بمقر سكنهم.... فبرغم الظروف القاهرة التي يمرون بها كانوا يمتازون بالوحدة وبمعنويات عالية يجتازون بها معاً محنهم.. يلتمون بقلب واحد ويد واحدة.. نعم يد واحدة وبسالة رجال.. أتذكر وقفاتهم إزاء عاصفة الحزم فلم يتناسوا واجبهم في دعم استقرار أمن الخليج.. أو إبداء وجهات نظرهم حول قضية تعنى بمجتمع الإمارات.. فلا عجب من ردود أفعالهم التي جعلتني أسمو اعتزازاً بهم.. بل فخراً بدولة الإمارات إزاء مواطنيها المغتربين.. لا عجب في وحدتهم وهم أبناء زايد «رحمه الله».. أبناء قائد رسخ بداخلهم نعمة ربما يفتقدها أغلب شعوب العالم وهي نعمة الاتحاد وحب الوطن والولاء له بكل معطياته. أمل محمد
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©