الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإيقاع.. نبض اللوحة

الإيقاع.. نبض اللوحة
22 يونيو 2011 20:23
اختلف المؤرخون حول نشأة الخط العربي، ففريق يرى أن نشأته كانت إلهية محضة، حيث إن الله عزّ وجل قد أوحى إلى آدم بطريقة الكتابات كلها، ثم كتب بها آدم كل الكتب، وبعد زوال طوفان النبي نوح عليه السلام أصاب كل قوم كتابهم، فكان من نصيب إسماعيل عليه السلام الكتاب العربي، بينما يذهب فريق آخر إلى أن ّالخط العربي اشتق من الخط المُسند الذي يعرف باسم “الخط الحميري أو الجنوبي”، وانتقل الخط المُسند عن طريق القوافل إلى بلاد الشام، أما الفريق الثالث فيرجح أن الخط العربي ما هو إلاّ نتاج تطور عن الخط النبطي، وهذا ما تؤكده النقوش التي ترجع إلى ما قبل الإسلام والقرن الهجري الأول. ويكاد يجمع علماء العربية إلى أن أصل الخط قد أخذ من الخط النبطي المأخوذ من الخط الآرامي، ثم تطور الخط عبر مدرستين، أولهما الكوفية والثانية الحجازية، أما الخط الكوفي فكان يميل إلى اليباس مع القسوة، بينما يمتاز الحجازي بليونته وسهولة كتابته إبان الدعوة الإسلامية، وقد بدأ التدوين القرآني في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، وعُرف للخط العربي أنواع منها: الخط الكوفي، خط الثلث، خط النسخ، الخط الديواني، الخط المصحفي، الخط الأندلسي - المغربي، وخط الجلي ديواني، وخط الرقعة، والخط الفارسي... ويعدّ الحرف العربي من القيم التشكيلية لامتلاكه مقوماته الخاصة التي تتعدى أبعاد التدوين والمقروئية، خاصة الخط الكوفي، وخط الثلث اللذىن ينفردان تقريباً في التركيب والتكوين الخطي، فضلاً عن تقبل الأخير الحركات التزيينية والإعرابية بشكل يفوق غيره من الخطوط العربية. أفرد الدكتور جواد الزيدي كتابه للحديث عن “بنية الإيقاع في التكوينات الخطية” الصادر عن اتحاد الأدباء والكُتّاب في العراق بالتعاون مع دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد بصفحاته الـ112 صفحة من القطع الاعتيادي، حيث عقده من ثلاثة فصول، ومقدمة وخاتمة ونماذج تحليلية لتحقق مظاهر الإيقاع. أشار المؤلف في مقدمة كتابه إلى انصراف: الدراسات الخاصة بالخط العربي على العموم والتكوينات الخطية على وجه الخصوص إلى الأغراض التاريخية والتكوينية وأخذت مأخذاً كبيراً بوصف الخط العربي أثراً تاريخياً تطورياً، ولم تول الظواهر الفنية الجمالية أهمية بالغة، من حيث تشريح الحرف وتطوره الجمالي...”. مفهوم التكوينات الخطية خصص مؤلف الكتاب الفصل الأول من كتابه للحديث عن موضوعين هما: مفهوم التكوينات الخطية، ودور الإيقاع في التكوين الخطي، فقال عن الموضوع الأول: الخط العربي فن تجاوز البعد الوظيفي/ التكويني، أي القراءة الأولى وهي الرسالة الاتصالية بوصفه نصاً قرائياً بعيداً عن الأبعاد الجمالية، ومن ثم تحققت القيم الجمالية ـ البُعد الثاني ـ من خلال تشريح الحرف واستقرار أصوله وقواعده المعروفة لدينا لجميع الحروف العربية، تحقق ذلك في كتابات الخطاطين على مدى قرون عديدة ممتدة من القرون الهجرية الأولى حتى وقتنا الحاضر. ويرى الزيدي في هذا الموضوع أيضاً: إن تحقق الأبعاد الجمالية والدلالية في التكوين الخطي، فضلاً عن تحقق الرسالة الاتصالية الأولية ـ البُعد التدويني ـ هي رحلة متقدمة وصل إليها الخط العربي عبر مسيرته التطورية التاريخية، هذه الأبعاد التي تعكس باطن النص وروحه بشكل ظاهري عياني مُتحقق على السطح التصويري للوحة... كما يؤكد أن: التسلسل النصي يعد من أهم المرتكزات والأنساق البنائية الفاعلة في التكوين الخطي، وهو ما يتلاءم مع طبيعة المكان أو المساحة الكتابية، فإذا كان المكان دائرياً أو مستطيلاً أو مربعاً نجعل التكوين يستجيب لخصائص المكان... أما ثانياً “دور الإيقاع في التكوين الخطي” للفصل الأول من الكتاب، فوجد: إن الإيقاع Rhythm في مظاهر الطبيعة قبل ظهور الشعر والتصوير والعمارة والفنون الأخرى من خلال السير الإيقاعي للفصول الأربعة، وظاهرة الليل والنهار، وحركة الشمس والقمر، ودورات الحياة من المواليد والوفيات التي لا تنقطع أبداً، وهي ما أخذ عنها المُعتقد الإسلامي إيقاعية تصوراته المادية والعبادية، مثل الصلوات الخمسة وتكرارها يومياً. وهذا برأي المؤلف يضفي على الحياة المحصلة النهائية التنوع والإيقاعية التي يحدثها تكرار هذه الظواهر، بما تعنيه ضمناً من عملية التجدد لا يمكن إحصاء أشكالها وتكرارها. كما عرض الزيدي في هذا الموضوع :إن الإيقاع سرّ الفنون وهو حسب وظيفته الجوهرية حالة من الانسجام بين عناصر اللوحة، وبمجرد أن يرتسم على فضاء اللوحة شكل ما، فهو يرتبط في صميمية العمل الفني وليس ثمة عبارة أبلغ في المعنى من تلك التي أطلقها” كاندنسكي” حيث يقول: “إن الإيقاع هو النبض، بل هو الحياة في اللوحة”. مظاهر صيرورة الإيقاع تضمن الفصل الثاني من كتاب “بنية الإيقاع في التكوينات الخطية”، ثلاثة موضوعات هي: “الحركة، التكرار، والاستمرارية”. فقد مهد أولاً ليتحدث فيه من أن: تمثل الإيقاع في التكوينات الخطية يتحقق من خلال تضافر عناصر عدّة مكونة للبنية الخطية، وهو ناتج عوامل جمالية وبنائية فنية. وعن بنية التكوين الخطي قال: إن النص أحياناً يفرض طبيعة الأشكال في تلك الأعمال الفنية ذات المنحى الجمالي أو الدلالي على وفق قواعد تجويدية للحرف العربي، وأن هذه البنية هي نسق من العلاقات التي نلحظها في الأشياء، وأن النسق هو طريقة توافق رصف الوحدات المتجاورة مع بعضها، وهو كذلك الشيء عطف بعضه على بعض، وهو من كل شيء ما كان على طريقة ونظام واحد عام. بعدها تناول بالتفصيل المظاهر الثلاثة التي تتضافر جميعها لإنتاج البنية الإيقاعية الشاملة المتمثلة في” الحركة، التكرار، والاستمراية”. نماذج تحليلية “نماذج تحليلية لتحقق مظاهر الإيقاع” عنوان الفصل الثالث لكتاب جواد الزيدي الذي تحدث فيه عن “عينات التحليل”، الذي أشار بدءاً إلى طبيعة اختيار هذه العينات دون غيرها والتسبيب لها، بوصفها نماذج مختارة من التكوينات بعدد من الخطوط العربية دون الخطوط الأخرى، ونبه إلى أنه أقصى تكوينات الخط الكوفي لرتابة حروفه وطابعها الهندسي، بينما اعتمد المؤلف التكوينات الخطية بخطي “الثلث والجلي ديواني”، كونها برأيه تلبي الحاجة في تحقيق حركة إيقاعية متنامية. أول نموذج وقف عليه المؤلف من نماذج التحليل في هذا الفصل هو الشكل 1، ونصه “فالله خير حافظاً وهو الرّحمن الرحيم”، للخطاط التركي المرحوم حامد الآمدي، من نوع الثلث، وبتركيب ثقيل. فكتب عنه الزيدي قائلاً: سعى الخطاط/ المصمم إلى تأسيس التكوين الخطي على هيئة بيضوية في المبنى العام، عاقداً علاقة لونية ضدية بين مداد الكتابة الأسود والأرضية البيضاء الفاتحة، معتمداً قيماً وعلاقات تصميمية منها التناسب والتوازن بين الحروف والكلمات والفضاءات الداخلية مُقصياً علاقة التباين تماماً إلاّ في حالة واحدة كونتها حركات التزيين والإعراب مع حجم الكتابة الأكبر منها… ثم عرّج المؤلف لبيان التتابع الحركي لحروف النص/ الآية الكريمة للآمدي فقال: إنّ التتابع الحركي الذي حققته حروف الحاء بشكلها الأفقي، وتتابع حركة حرف الألف بالاتجاه العمودي، وصولاً إلى الاستقرار الذي أوضحته حروف” النون والظاء والميم” الملفوفة حقق إيقاعية التكوين الخطي ضمن بنيته الكُليّة. كما وقف عند نموذج آخر من خط الثلث للنص/ الآية الكريمة “إنّ مع العُسر يسراً فإنّ مع العُسر يُسراً”، للخطاط التركي محمّد أوزجان، أعقبه بنص للخطاط إسماعيل حقي، ونص للخطاط العراقي الراحل هاشم محمّد البغدادي:” محمّد رسول الله والذين معه أشداء على الكُفار، وكفى بالله شهيداً”، وآخر للخطاط محمّد أمزيل من نوع الجلي ديواني ونصه الآية الكريمة:” والأنعام خلقها لكُم فيها منافع ومنها تأكلون فيها ولكم جنات حين تريحون وحين تسرحون”، ونص آخر من الثلث لحامد الآمدي:” إنّما يُعمّر مساجد الله مَن آمن بالله واليوم الآخر”، وختمه بنموذج لعبدالعزيز الرفاعي، للآية الكريمة:” ولولا دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلاّ بالله”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©