الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

استرخ من فضلك

استرخ من فضلك
15 فبراير 2009 01:34
فشلت تمامًا في طفولتي ومراهقتي أن أتعلم قيادة الدراجات· أنت تجلس على المقعد ويداك على المقود وهناك من يمسك بك من الخلف ·· يدفعك بضعة أمتار ثم يقول لك: ـ''هيا !'' ويتركك ·· تندفع للحظة حاسبًا أنك فهمت اللعبة وصرت ملكًا أو نسرًا محلقًا· في اللحظة التالية أنت على الأرض تنزف من عدة مواضع وكل عظامك مهشمة، بينما من كان يعلمك يقول لك: ـ''أحمق !·· كان يجب أن تسترخي !·· لا تشد نفسك ·· تصرف كأنك كنت تفعل هذا طيلة حياتك!'' الاسترخاء !·· هذا الفن الذي لم أستطع قط فهم مفاتيحه ولا ممارسته بنجاح، لكن من الواضح أنك لا يمكن أن تفعل أي شيء في هذا العالم من دونه· أنا من الطراز العصبي الذي لا ينام قبل أن ينهض عشرين مرة ويشد سروال منامته على بطنه عشر مرات، ولو وجد تجعيدة واحدة في الملاءة فهي النهاية ·· لا أجلس للقراءة إلا وأسعل عشرين مرة وأنهض ألف مرة ·· شخص مثلي لا يمكن أن يسترخي ·· الآن يأتي دور تعلم السباحة ·· أنزل في الماء وأستعد ·· هنا يقول لي مدرب السباحة: ـ''استرخ !'' أنظر له في شك ·· استرخاء هنا أيضًا ؟·· مطلوب مني أن أسترخي إلى حد التحول إلى قطعة خشب طافية أو جثة غارقة ·· أجرب هذا فأكتشف أنني أنزلق لأسفل بلا توقف ·· فجأة صار رأسي يلامس القاع وقدماي في الهواء ··· هكذا أجرب مئات المرات حتى نجحت في أن أطفو كالطحالب، وقد اعتبر المدرب هذا نصرًا مؤزرًا ··· ـ''مشكلتك هي أنك لا تسترخي بما يكفي ·· لو فعلت هذا لحملك الماء حملاً··'' فلأجرب رياضة مثل التنس ·· قررت أن ألقي بالمضرب وأرحل لو طلب مني المدرب أن أسترخي ·· لكنه لم يقلها لحسن الحظ ·· راح يشرح لي طريقة تلقي الضربات وصدها، ثم قال ضاحكًا: ـ''نلعب الآن مباراة قصيرة معًا ··'' حمدت الله على أن هذه أول رياضة تحتاج إلى شخص متوتر عصبي يثب مترين في الهواء لو عوى كلب جواره، وضحكت ورفعت المضرب ·· هنا قال المدرب بنفس الضحكة المعسولة: ـ''والنصيحة الأخيرة لك هي أن ·· تسترخي !'' هكذا ألقيت المضرب على الأرض وانصرفت ·· ما دامت كل الرياضات ترغمك على الاسترخاء فلابد أن الرياضات هي هواية الكسالى· لابد أن ما يناسبني هو الاندماج في العمل أكثر ·· لما تخرجت صرت طبيبًا ·· جربت أن أمارس الجراحة، ووقفت فخورًا لأول مرة في حياتي أمام جرح مفتوح في بطن مريض بالتهاب الزائدة الدودية ·· مددت أصبعي لأستخرج الزائدة، فقال الطبيب المقيم المسؤول عن تدريبي: ـ''أهم شيء يجب أن تتقنه في الجراحة هو الاسترخاء !·· تنفس من فمك بهدوء وأخرج كل هذا التوتر ! ·· سوف تجد أن الجرح يغلق نفسه بنفسه !'' كنت أحسب الجراحة هي فن المتوترين، فاتضح أن الاسترخاء اللعين يطاردني هناك ·· توتر كما تريد قبل الجراحة، لكن عندما تقف هناك على يمين المريض ويداك تمسكان بالمبضع فأنت فنان هادئ الجنان ··· قررت أن أتعلم مناظير الجهاز الهضمي الضوئية، فكان أول درس تلقيته هو أن الاسترخاء مهم جدًا ·· سوف يجد المنظار طريقه بنفسه ·· التوتر يجعل الأمر عسيرًا ويدمي معدة المريض ·· طبعًا لابد من الاسترخاء في قيادة السيارات ·· قال لي أحد مدربي القيادة إن علي أن أريح ساعدي على النافذة اليسرى وأمسك المقود بيد واحدة في استرخاء· هذا بالطبع يتناقض مع كل ما نعرفه عن وضع الإمساك بعجلة القيادة، دعك من أنه خطأ ·· المرة الأولى التي استرخيت فيها بهذا الشكل هشمت مؤخرة السيارة التي كانت أمامي موشكة على الانحراف لليسار ·· للأسف لم يكن سائقها مسترخيًا مثلي ·· هكذا قالوا لي إن علي أن أتعلم الاسترخاء قليلاً قبل أن ينفجر رأسي ·· نصحني العالمون ببواطن الأمور بأن أدرس فلسفة (زن) اليابانية، بينما أهداني أحدهم كتابًا عن اليوجا حجمه يقرب من حجم الخروف الصغير· شعرت بتوتر عندما فكرت في أن علي قراءة هذا كله ·· لكن لابد منه ·· يبدو لي أن الحياة أعدت خصيصًا لمن يسترخون ·· لا مجال لأمثالي· فتحت الكتاب وبدأت أقرأ الفصل الأول: ـ''قبل أن تدرس اليوجا يجب أن تسترخي ·· تسترخي إلى أقصى حد !'' هذا يعني أن علي أن أسترخي كي أتعلم طريقة الاسترخاء ··هكذا تخلصت من الكتاب بكثير من العصبية، وجلست لأكتب هذا المقال· على الأقل لم تطالبني إدارة هذه الصحيفة الغراء بأن استرخي قبل أن أكتب مقالي وأدعو الله ألا يفعلوا·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©