الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حوار «الديجيتال» والحروفية

حوار «الديجيتال» والحروفية
22 يونيو 2011 20:26
عنوان المعرض يحيل إلى عوالمه قبل التعرف على أعماله الفنية المشاركة. “إماراتي: أعمال إبداعية” توقفنا عند الموضوع المشترك الذي يقدمه لنا الفنانون الإماراتيون الشباب، أربع فنانات وثلاثة فنانين، كل من زاويته وبأسلوبه الخاص، ويلتقي الجميع في “تمثيل” دولة الإمارات وعوالمها القديمة والجديدة، وهم جميعاً يستلهمون تراث العريق للبلد بأبرز عناصره ورموزه، ويستحضرونها في أعمالهم التي يغلب عليها التصوير الفوتوغرافي بالديجيتال، ولا يغيب عنها فن التصميم والغرافيك والكولاج، وتحضر فيها الحروفية بصور مختلفة. في هذا الإطار يلفت الانتباه ابتداء مدى التطور الذي يحرزه التشكيل في الإمارات، وهو ما تؤكده الكثير من التجارب الجديدة، مع غنى في التيارات والتوجهات التي يشتغل الفنانون ضمنها، بما يظهر الواقع الذي يتحركون فيه وينقلونه كل بأدواته وأسلوبه ورؤيته، ليتكون لدينا مشهد بصري ذو دلالات يمتزج فيها الواقعي بالفانتازي، والتقني باليدوي الجميل. رؤى وقراءات جديدة الفنانات والفنانون المشاركون في المعرض الذي يقيمه غاليري (آرا) في دبي، ويستمر حتى نهاية أغسطس القادم، هم: الجود لوتاه، عمار العطار، حمدان بطي الشامسي، محمد أهلي، نوال خوري، وفاء القصيمي، وزينب الهاشمي. وميزة هذا الغاليري الذي جرى تأسيسه في شهر أبريل من هذا العام، إنه يعمل على إقامة حلقات نقاشية بعنوان “تعرف على إماراتي”، بالتعاون مع مركز الشيخ محمد بن راشد للتواصل الحضاري، إذ يستضيف في كل حلقة أسبوعية متحدثاً من الفنانين المشاركين للمحاورة والتعليق والنقاش التي تهدف إلى نشر الوعي والثقافة الفنيين لدى جمهور المهتمين من جهة، وتعريف السياح والمغتربين على التقاليد والثقافة ونمط الحياة الإماراتية في الماضي والحاضر بصفة عامة. يجترح هؤلاء الفنانون الشباب رؤى جديدة، وقراءات فنية جديرة بالتوقف مطولا أمامها، وهي ترسم صورا من هذه البلاد وتراثها العربي والمحلي، ليعكسوا صورة الإمارات في عيون أبنائها الشباب، عبر تنويعات فنية تثري المشهد الفني الذي يتسع يوما بعد يوم باستضافة تجارب جديدة تستفيد مما تحقق، وتضيف رؤيتها وأسلوبها الجديد. وبذلك فهي تقدم صورة جديدة بعناوين مختلفة. فمن خلال تسعة وعشرين عملا، بمعدل ثلاثة إلى خمسة أعمال لكل فنان- فنانة، تتشكل مشهدية فنية غنية باللون والحرف والصورة، وقادرة على استحضار جوانب من حياة الإمارات، في صورة فوتوغرافية واقعية حينا، وفي عمل ينتمي إلى نوع من التخييل واللعب بالصورة حينا آخر، وبالألوان الحارة الحاضنة لتجربة حروفية حينا ثالثا. إنها تجارب يتجاور فيها الحديث والقديم، الحداثة والتراث، وتتحاور كلها حوارات ثقافية فنية جديدة، فتنتج هذه الأعمال التي تتجاور فيها عناصر فنية وموضوعية تنتج منها روح خاصة، هي روح هذا الجيل الجديد بما يمتلك من أفكار وثقافة ووعي على العالم ينتج ما نرى من تجارب. نحن أمام دماء جديدة تدخل المشهد بقوة، وتسعى بقوة أيضا إلى فرض حضورها ودورها في تجديد المشهد. وهذا دليل الحيوية والحراك الدائمين، بما يمنح شعورا بتعاقب الأجيال واختلاف الأسئلة والإشكاليات وطبيعة المساهمة المطلوبة، لخلق مناخات مختلفة وذائقة متمردة. ولا بد من عرض قدر من التفاصيل التي يشتغل الفنانون والفنانات في إطارها. البيئة الشعبية الفنانة زينب الهاشمي تستخدم أسلوب (السكانوغرافي: الجمع بين الرسم والتصوير) في بعض أعمالها، وهي تبدو الأكثر مباشرة في استحضار رموز بارزة ومهمة من الدولة، ففي عمل من الكولاج، هو الأكبر في المعرض (200 سم طولا و150 سم عرضا)، تحضر الإمارات عبر مقتطفات لتصريحات أو قرارات وإعلانات مقصوصة من الصحف المحلية، ويؤكد هذا العمل شغف الفنانة بالفن الشعبي، ورغبتها في أن يكون فنها لصيقا لبيئتها، ومفهوما لدى الزائر غير المتخصص، فقد استخدمت قصاصات لعناوين جريدة إماراتية قديمة، ترصد فيها ردود الفعل قبيل وأثناء قيام الاتحاد الإماراتي في السبعينيات، ولتؤرخ لتحولات اجتماعية هامة. كما تحضر الإمارات في بدايات ولادتها عبر تلك القصاصات، وفي عمل آخر تحضر في المشهد أبراج من إمارات عدة، يتقدمها ارتفاعا برج خليفة الشهير وما يحيط به. هذا جانب مما تقدمه الهاشمي، لكن لها مساهمات تتمثل في أربعة أعمال أخرى تتنوع فيها الأدوات، فهناك ما تسميه “أسطورة الصحراء” التي تستحضر فيها عالم قوافل الجمال والنخيل وكائنات غريبة غير مألوفة، مستخدمة اللون الصحراوي، قبل أن تنتهي إلى طبق دائري كبير من القش والمواد المختلفة. ويقدم المصور عمار العطار في أربع صور فوتوغرافية ملامح من المقهى الإماراتي ورواده، وبكثير من الواقعية يهتم العطار بإبراز مساءات الرجال وألعابهم بالورق والطاولة، صور هي تعبير عن واقع اجتماعي محدد، لكن له تجارب أخرى تتسم بالمباشرة نفسها، وبالاستخدام الكلاسيكي للكاميرا، لكننا أمام صور توحي بالقديم، وخصوصا أنها بالأبيض والأسود، ويعمل من خلالها الفنان على استحضار مناخات خاصة لا يجري الالتفات إليها كثيرا، مناخات الحي الشعبي والبيئة الشعبية متمثلة في عناصر الاجتماع والحي الشعبي، وكيف يقضي الناس أوقاتهم. وهذا عنصر مرتبط بثقافة الفنان ووعيه وما تختزن ذاكرته. ولهذا المخزون دور في استخدام هذا النوع من الكاميرا أو ذاك، وهل يلعب الفنان بالصورة عبر البرامج التقنية أم يتركها بكرا وأكثر حميمية؟ وفي هذا الإطار يقول الفنان: أستعمل الكاميرا الفيلمية في التقاط الصورة، إذ أومن بجودتها، ورغم ما يتحقق من قفزات تكنولوجية في إطار تقنيات التصوير الفوتوغرافي إلا أنني ما زلت أعتمد على التقنية القديمة، أما بالنسبة لتحميض الصورة وإخراجها فإنني أقول إن جمعية الإمارات للتصوير الضوئي توفر لنا هذه الإمكانات، فكل الأجهزة موجودة وأبواب الجمعية مفتوحة لكل من يريد صقل مهاراته ويبحث عن الأجود. التصوير المفاهيمي وفي خمسة أعمال، تحمل عنوان “حكي الحكايات”، يقدم حمدان بطي الشامسي، المصور ومصمم الغرافيك، عبر تكرار عبارات الحل والترحال، صور قوافل الجمال، بأسلوب يجعل من الصورة أقرب إلى الرسم المتلازم مع الخط العربي المكتوب بحروف دقيقة ومتلوية. وهو يقيم عمله على أسلوب يسميه بالتصوير المفاهيمي، ونحن أمام عمله لا نشعر أنه عمل فوتوغرافي، بل رسم بالألوان الباهتة لعوالم البيئة التي تمثلها مدينة العين حيث ولد الفنان 1981، والفنان يعتبر أن التصوير يعني له “توثيق تاريخ حكاية حدثت في زمن ما من قبل أشخاص مختلفين عاشوا يوماً ما في زمان ومكان معينين، والاحتفاظ بها لأجيال قادمة، أما الصورة فتعود بالذاكرة إلى الوراء لأي زمن كان وتقص باختصار حكايات عشناها في مكان وزمان حقيقيين كما هو حال الفيديو المسجل لكن الفيديو قد يحتاج لوسائل كثيره سواء كان في عرضه أو حمايته من التلف”. ويقول الشامسي إن عمله “نوع من التصوير الفوتوغرافي وجزء من الفن المفاهيمي أيضا، يقوم فيه الفنانون بتصوير مفهوم أو فكرة ما، وعادة ما يتم تصور الفكرة قبل القيام بالتصوير الفوتوغرافي لها، كما ينطوي هذا النوع من التصوير الفوتوغرافي في الغالب على استخدام أدوات التحرير في الكمبيوتر لإتمام المؤثرات المطلوبة، لكن كثيراً من الفنانين ينجزون هذا العمل من دون استخدام الكمبيوتر، إذ أنهم يضعون في المكان الأشياء والكائنات التي ستكون موضوع الصورة النهائية”. وسوى هذه التجربة التي تنتمي إلى عالم المزج بين الخط والغرافيك والتصوير، نقف على التجربة المتنوعة للفنانة نوال خوري، وهي خريجة قسم الاتصال المرئي من الجامعة الأميركية بالشارقة عام 2008، وتشمل اهتماماتها الأعمال الفنية المطبوعة والتعبير الذاتي، الأمر الذي منحها أسلوباً خاصاً في الإبداع تضفي من خلاله لمستها الشخصية المتفردة على الأعمال التي تقوم بها. ومع نوال نقف على أربعة أعمال بالديجيتال المطبوعة على الورق، واستخدام الخط العربي وبعض العبارات من التراث العربي عموما في كلمة “تراثنا”، أو في عبارة “كان يا مكان في قديم الزمان”، وهي تعالج هذا الموضوع الزمني بوسائل مختلفة، فتلجأ في بعض منها إلى “لحظات مخلدة” من الزمن، لتثبيت هذه اللحظات من ذاكرة وطنها. وما يلفت في تجربة نوال وبعض زملائها هو هذا القدر من الاشتغال على لقاء الحديث والقديم، والتعبير عن الموروث في صور تنطوي على قدر من الحداثة، وهو هاجس لا بد من احترامه وتقديره، لأنه يعبر عن فهم عميق للعلاقة بين العالمين، وكيفية المزاوجة بينهما ليس للحفاظ على الهوية بل لمنحها أبعادا جديدة روحية ومادية وجمالية. أما الفنانة الجود لوتاه، وهي خريجة كلية دبي في التصميم والغرافيك، فتستوحي أعمالها من الخط العربي والذهب والجواهر والحلي التي كانت مستخدمة بين القبائل الإماراتية القديمة. وهي تقدم ثلاثة من الأعمال بخلفية تستخدم فيها اللون الأسود، وترسم الدوائر المختلفة الحجم المتصلة عبر خيوط رفيعة ومتلوية، وهي حقيقة عبارات مخطوطة بالخط العربي لنصوص وكلمات من الموروث، ما يعطي الانطباع بالزخرفة، فتقع لوحاتها بين فن الطباعة والتزيين والتصميم الذي هو في خلفية الفنانة، ذات التجربة المميزة في تصميم الملابس والحلي والهدايا، ما يجعلها تدور في هذه الدائرة، مع قدر من التنويع والتداخل بين العناصر، الذي يتطلب وقفة لقراءة العمل الفني بشيء من التأني. وتتميز أعمال الفنانة وفاء القصيمي بألوانها الحارة والتكوينات التجريدية الحرة التي تبدو مجرد تكوينات لونية، لكنها تتكشف عن والعنصر المهم الذي يبدو خفيا في اللوحة وهو الخط العربي، ففي كل كتلة من الكتل الحمراء والخضراء والصفراء ثمة جملة ما أو عبارة من الشعر أو حرف مكتوب بأحد أشكال الخطوط، لكن هناك حضورا للتراث أيضا في جوانب اللوحات غالبا، حيث يمكن أن تطل من جانب اللوحة دلة القهوة والفنجان أثناء سكب القهوة، وتبرز الحركة المائلة للدلة التي تتخذ حضورا خفيفا في العمل، وكذلك الأمر في اللوحة التي تظهر من جانبها امرأة بالقناع المحلي، ومن زاوية لوحة أخرى يطل حصان أبيض بلطختين صغيرتين باللون الأحمر وأخرى باللون الأسود. لكن تظل تفاصيل اللوحة الخطية والحروفية هي الأشد صعوبة على القراءة لأنها مكتوبة بحروف دقيقة جدا، تتطلب مكبرا لقراءتها. لكن أبرز ما يميزها هو قدرتها على الجمع بين تجربة لونية بارزة وأخرى حروفية كامنة في الكتل اللونية. وأخيرا، فالفنان محمد أهلي يذهب مباشرة إلى الطبيعة ومناظرها الساحرة، يذهب إلى السهول والجبال والوديان، يختار زوايا المشهد الذي يريد التقاطه بدقة، يفتح الكاميرا لمساحات واسعة حينا، لتلتقي في المشهد عناصر عدة، السهل والماء والسماء، وقد نقف أمام مشهد صخري تنبت فيه الشجيرات الصغيرة القاسية في مظهرها، وقد تضيق الكاميرا لتلتقط شخصا جالسا وحيدا على قمة جبل. إنه يحتفي احتفاء خاصا بالمكان وعناصره، والمكان هنا حاضر بذاته وقليلا ما يكون مأهولا، لكنه المكان الأليف بطبيعته، وكذلك من خلال اللقطة التي يختارها الفنان. وفي الخلاصة، إن تجارب هؤلاء الفنانين تعبر عن التحولات التي تطرأ على المشهد من جيل إلى جيل، وإن كانت الأشياء لا ترتبط بالأجيال عادة، بقدر ما ترتبط بوعي الفنان وتجربته الثقافية والحياتية، ومن خلال ما شاهدنا في هذا المعرض يمكن القول إن ثمة ما هو جديد يمكن تقديمه دائما، وقدرة الفنانين على الاستفادة من تراثهم القديم والجديد، والعمل على تطويره لتطوير هوية فنية خاصة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©