الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا والعراق··· فك الارتباط المستحيل

أميركا والعراق··· فك الارتباط المستحيل
15 فبراير 2009 01:39
في أكتوبر من عام 2008 عندما كنت على وشك إنهاء آخر كتبي حول العراق أديت زيارة إلى روما لألقي نظرة على المعالم الرومانية القديمة، فجلست على جدار حجري في الجانب الجنوبي لتلة الكابيتول وتأملت قوسي النصر اللذين يحتفيان معاً بانتصارات روما في الشرق الأوسط· فإلى الجنوب من الجدار امتد قوس ''تيتوس'' الذي يرمز إلى الانتصارات في مصر والقدس، وإلى الشمال يطل قوس آخر يحتفي بالحملات العسكرية الظافرة في بلاد الرافدين· لكن وأنا أتطلع إلى الشواهد الرومانية القديمة باغتتني فكرة حزينة تفيد أنه لا يمكننا ببساطة سحب القوات الأميركية من الشرق الأوسط والاعتقاد أن ذلك سيكون نهاية للمشاكل· وقد وصلت إلى ذلك الإدراك بعد أسبوع فقط على اشتباك الجيش الأميركي في سوريا والعراق وأفغانستان وباكستان في عمليات متفرقة، وهي سلسلة الدول التي تمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى المحيط الهندي وتذكرنا بمسار الإسكندر الأكبر والرومان، ثم البريطانيين من بعدهم· ويبدو أن مصير القوى الغربية الكبرى، كان لآلاف السنين، الانخراط في السياسة الداخلية للمنطقة، لكن منذ أزمة السويس في عام 1956 عندما انحسر النفوذ الفرنسي والبريطاني برز دور الولايات المتحدة لتولي القيادة والحلول محلهما لتترسخ في ذهني الفكرة، وأنا جالس على الجدار، أنه كلما تحدثنا عن الخروج من الشرق الأوسط زاد انخراطنا وغوصنا في رماله المتحركة· فقد أعلن الرئيس أوباما خلال حملته الانتخابية أنه ينوي الانسحاب من العراق، لكنه أيضاً تحدث عن قوة ما بعد الاحتلال ستبقى في العراق، ووفقاً للتقديرات داخل الجيش الأميركي فإن عشرات الآلاف من الجنود سيظلون لسنوات قادمة في بلاد الرافدين، وهو ما أكده لي الجنرال رايموند أوديرنو، القائد الأعلى للقوات الأميركية في العراق، خلال لقاء أجريته معه في شهر نوفمبر الماضي عندما قال إنه يريد بقاء 30 ألف عسكري في العراق بين 2014 و،2015 ومع ذلك يبدو أن هناك العديد من الأميركيين يفضلون إنهاء انخراطنا في العراق وطي صفحته نهائياً، ودون رجعة· لكنني عندما أسمع ذلك لا أستطيع سوى إبداء القلق متذكراً عبارة كان يرددها نائب وزير الدفاع السابق ''بول وولفوفيتز'' في شتاء 2003 قبل غزو العراق وهي: ''من الصعب تصور ذلك'' وهي لازمة لفظية كان يكررها أمام أعضاء الكونجرس ووسائل الإعلام والمشككين نافياً أن تطول الحرب أكثر مما يخشون، أو أن تكلف أكثر مما يستطيعون، أو حتى أن تتطلب قوات أكبر· وأخشى اليوم بعد أن تبين خطأ وولفوفيتز تكرار العبارة نفسها دون أن ندرك الثمن الحقيقي الذي يجب دفعه من الأرواح والمال، ومن مكانة الولايات المتحدة ومصداقيتها، ذلك أنني لا أعتقد أن حرب العراق قد انتهت وكل ما أخشاه أن يكون ما سيأتي أهم مما انقضى· ولعل أفضل ما يمكن أن ننشده في العراق هو الاحتفاظ بقوة عسكرية صغيرة تبقى على المدى البعيد· ومع أن فكرة الاحتفاظ بالجنود الأميركيين لسنوات طويلة وسط الصحراء وبين بساتين النخيل قد لا تروق للكثيرين، إلا أنها أفضل من الجلاء والخروج المتعجل، أو ترك حرب أهلية تندلع وراءنا فيما بين العراقيين· وهذا الطرح يتفق معه تقريباً جميع المسؤولين الأميركيين الذين تحدثت إليهم خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حيث يقول العقيد ''بيتر منصور'' الذي كان الرجل الثاني في العراق بعد بترايوس ''إنها ليست حملة عسكرية يمكن حسمها في سنتين، أو ثلاث سنوات، بل إن على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة لبذل جهود تمتد لسنوات قادمة''· ومن جانب آخر أبدى العديد من المسؤولين تخوفهم من جنوح العراقيين إلى العنف بعد انسحاب القوات الأميركية، وهذا ما أشار إليه ''جون ماكريري''، وهو محلل مخضرم في وكالة الاستخبارات التابعة لوزارة الدفاع، محذراً من احتمال انهيار الترتيبات التي فرضتها الولايات المتحدة على الفصائل السياسية المشاركة في الحكومة العراقية، وذلك لعدة أسباب أولًا لكونها تخلق انطباعاً بوجود السلام في حين أن الوضع هش، ثانياً أنه في مثل هذه الظروف غالباً ما يسعى أحد الفصائل إلى انتهاك الاتفاق· ويمضي الرجل قائلًا: ''إن اتفاقات اقتسام السلطة دائماً تكون تمهيداً للعنف''، لاسيما بعد انسحاب القوة الراعية للاتفاق· وفيما توقع العديد من المتابعين للشؤون العراقية اندلاع حرب أهلية شاملة خلال السنوات القادمة، حيث قال لي عقيد في الجيش الأميركي بالعراق موضحاً هذا الأمر ''لا أعتقد أن العراق قد خاض حربه الأهلية بعد''، عبر آخرون عن خشيتهم من اتجاه العراق نحو حكم عسكري، وهو ما يقلق على وجه الخصوص ''ديفيد كيلكولين''، الخبير في مكافحة التمرد، الذي يرى أن الظروف آخذة في التطور باتجاه انقلاب عسكري في ظل وجود طبقة سياسية فاسدة أحياناً ومنفصلة تماماً عن حياة السكان في الوقت الذي يصبح فيه الجيش خارج أسوار المنطقة الخضراء أكثر كفاءة وقرباً من الناس من خلال عمله معهم وسعيه لمعالجة مشاكلهم· وبالإضافة إلى ذلك أدى إدماج الولايات المتحدة لعناصر من المتمردين السابقين في العملية السياسية إلى خلق مراكز قوى محلية جديدة في العراق، ومن بين الوجوه الغامضة في هذا الإطار الزعيم الشيعي ''مقتدى الصدر'' الذي دخل عام 2004 في مواجهة مع القوات الأميركية ليخرج منها ليس فقط على قيد الحياة، بل أكثر قوة من ذي قبل ليتم إدماجه لاحقاً في الحكومة العراقية التي ساهمت أميركا في تشكيلها· وفي الوقت الحالي يبقى دور إيران إشكالياً إلى حد بعيد، إذ تبدو طهران الرابح الأكبر في حرب العراق، ويتفق مع هذا الرأي ''جيفري وايت''، المحلل السابق في وكالة الاستخبارات التابعة لوزارة الدفاع الأميركية والمختص في الشؤون العراقية، حيث يقول: ''إن النفوذ الإيراني سيستمر وربما سيصبح أقوى في المرحلة المقبلة''، مضيفاً أن ''الإيرانيين لديهم العديد من الاتصالات والرجال في العراق، كما أن حدودهم مع العراق تلعب دوراً استراتيجياً في تعزيز نفوذهم التجاري والاقتصادي داخل العراق''· لكن بالنسبة للعديد من العسكريين الأميركيين الذين خدموا في العراق ليست إيران هي التحدي الأبرز بالنسبة للتطلعات الأميركية في العراق، بل العراقيون أنفسهم، إذ على رغم التحسن الكبير في قدرات الجيش العراقي ما زالت المؤسسة العسكرية تعاني من جوانب القصور حتى في ظل الإشراف الأميركي· توماس إيريكس باحث بارز في مركز الأمن الأميركي الجديد ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©