الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

هل يُنقذ المجتمع الأهلي العراق من العُنف الطائفي؟

23 مايو 2006
د· رسول محمَّد رسول:
شهد العراق في خلال عام فائت موجات عنف متتالية مما أتت عليه الجماعات المسلحة لإشعال فتيل حرب أهلية تقوم على أسس مذهبية وطائفية، كانت (حرب المساجد) إحدى صورها، خصوصاً بعد تفجير الروضة العسكرية في سامراء· إلى جانب ذلك شهد العراق تصاعد عمل ما أُطلق عليه بـ (فرق الموت) التي ترتدي ملابس القوات الأمنية العراقية والتي لها ارتباطات بالجماعات المسلحة وبمرجعياتها السياسية، والتي اعترف وزير الداخلية باقر الزبيدي بوجودها بل وانخراطها في صفوف القوات الأمنية والعسكرية العراقية الرسمية· وشهد العراق أيضاً مسلسلاً فادحاً يموت فيه العراقيون غدراً، وقد شاعت التسمية لهؤلاء تحت مسمى (المقتول غدراً) أو (مجهول الهوية) من الذين يلقون حتفهم غدراً وهم عزَّل، ويأتي قلتهم لأسباب جهويَّة غالباً ما تكون طائفية أو سياسية·
لقد تفاقمت في شهر نيسان / أبريل الماضي ظاهرة (المقتولون غدراً)، حتى أن الرئيس جلال طالباني أصدر في العاشر من الشهر الجاري بياناً كشف فيه على أن أكثر من 1091 عراقياً قتلوا غدراً نتيجة عنف طائفي في خلال شهر إبريل الماضي، ناهيك عن الذين لم تُعرف جثثهم حتى الآن أو الذين تمَّ التمثيل بجثثهم·
ومع أن تشخيص الرئيس يبدو منطقياً، إلا أنه جاء متأخراً كثيراً؛ فبيانه يمثل الخطوة الأولى التي يخرج فيها الاهتمام بالعُنف في المجتمع من (المنطقة الخضراء) إلى (المنطقة الحمراء)، منطقة الموت المجاني اليومي، وهي المرة الأولى التي تُطل فيها الرئاسة العراقية على المجتمع وهو يحترق بنار العنف المستعرة·
وفي البيان الرئاسي ذاته طالب الرئيس أجهزة الدولة، خصوصاً الأمنية منها، التحرُّك السريع والحازم للتصدي لجرائم القتل، والكشف عن أسبابها، واعتقال مرتكبيها وإحالتهم إلى القضاء· وطالب أيضاً الأحزاب السياسية أن تُدين، بشدة وصراحة ووضوح تلك الجرائم البشعة·· كما أنه طالب علماء الدين بإصدار فتاوى تستنكر هذه الأفعال ومرتكبيها·
أئمة المساجد·· والتكبير
لقد وجدت دعوة الرئيس استجابات فورية بل عاجلة نهضت بها أجهزة الدولة الأمنية، ونهض بها كذلك عدد من مراجع الدين الكبار، بينما لم تحرك الأحزاب السياسية السعفة اليابسة في نخلة الوطن الكبرى بحثاً عن شمس الأمان في المجتمع· ومهما تكن الاستجابة، فإن رسالة الرئيس طالباني إنما تتوجَّه إلى المجتمع الأهلي العراقي ليمارس أدواره المجتمعية بكل ما يمكن أن تحمله تلك الأدوار من مرجعيات دينية وعشائرية ومناطقية إيجابية من شأنها احتواء ما يمكن احتواؤه من تطلُّعات العنف الجهوي المتفاقم هذه الأيام لدى شرائح وفئات عدَّة في المجتمع· وبالفعل، ففي خلال يومين مرا على مطالبة الرئيس طالباني بالتحرُّك على المجتمع الأهلي لاستنفار أدواره وممكناته في احتواء العنف الجهوي، خصوصاً الطائفي منه، استجابت وزارة الداخلية لدعوة الرئيس عندما عقد ضباط كبار تابعين إلى وزارة الداخلية والدفاع يوم الخميس 11/5/2006 اجتماعاً مع عدد من علماء الدين وخطباء المساجد والجوامع والحسينيات في بغداد والمحافظات بحضور هيئتي الأوقاف السنية والشيعية لعقد اتفاق وإبرام صيغة تحول دون أن تتحوَّل دُور العبادة في العراق إلى قنوات تذكي العنف وتحث عليه وتثير حماسة الناس لأجل توتير عزائمهم نحو العنف الجهوي في محاولة للسيطرة على مرجعيات الفعل العُنفي عبر السيطرة على مرجعياته السياسية الحاثة أو حواضنه المرجعية·
وقد خرج الاجتماع بإجراءات عدَّة، منها: عدم مداهمة الجوامع والحسينيات إلاّ بوجود القوات الأمنية العراقية والقوات متعددة الجنسيات معاً··وقال اللواء 'مهدي مصبح الغراوي'، قائد قوات المغاوير في الوزارة: في حال حصول عملية مداهمة من دون وجود قوات أميركية فإن ذلك يعني أن هذه القوات غير رسمية، وهي قوات تنتحل صفة القوات الأمنية· وقرَّر المجتمعون تسمية خطباء وأئمة الجوامع والحسينيات والمساجد من قبل الدوائر المعنية وترسل الأسماء إلى وزارة الداخلية ذلك أن هذه المراكز الدينية غالبا ما يتطفل عليها عناصر غريبة··الأهم في ذلك الاتفاق هو الاتفاق على منع التكبير في المساجد عند مرور قوى أمنية عراقية معروفة بشاراتها ومركباتها إلا في حال تعرُّض المساجد لمداهمة مفاجئة من عناصر غريبة·
مؤتمر الأخوَّة العشائرية
وكانت الاستجابة الثانية من جانب المرجع الديني حسين إسماعيل الصدْر، وإن كان التحضير لها قد سبق إعلان الرئيس طالباني، وذلك عندما عقدت (مؤسسة الحوار الإنساني)، مقرها الكاظمية في بغداد ويرأسها السيد الصدْر، (مؤتمر الأخوة العشائرية)، وذلك في يوم الخميس 11/5/،2006 وهو مؤتمر استضاف عددا من رؤساء العشائر وعلماء الدين للتعاهد على استنفار دورهم في المجتمع العشائري العراقي لما له من أهمية مباشرة وملموسة في حثِّ الناس على نبذ العنف، كما أنه دعا إلى وحدة العشائر العراقية رغم تنوعها العرقي والمذهبي والثقافي لمواجهة التحديات التي تسعى إلى تمزيق وحدة المجتمع العراقي وبالتالي اختراق المجتمع العشائري العراقي باتجاه توظيف دوره وممكناته في إذكاء العنف كما تسعى إلى ذلك مرجعيات العنف النزيلة على المجتمع العراقي· في حين عُقد في محافظة البصرة يوم الخميس ما قبل الماضي (مؤتمر عشائر الجنوب) الذي تعهد فيه المشاركون بتفعيل دور العشيرة في نبذ العنف بعد حادث إسقاط المروحية البريطانية على حي مدني بالبصرة·
ما هو مؤكد أن للمجتمع الأهلي في أي دولة أهميته في الحفاظ على قيم المجتمع العامة والخاصة، ومنها القيم الأمنية، ومع أن القيادات السياسية العراقية الجديدة، ومنذ انهيار النظام السابق، لجأت إلى المجتمع الأهلي من أجل الاستفادة من دوره في تهدئة الحال الأمني المتدهور إلاّ أن مساعي الدولة ما كانت جادة إلى حد كبير في ظل بقاء عمل الدولة في المنطقة الخضراء فقط بينما كانت وما تزال المنطقة خارجها، منطقة المجتمع، تحترق ما جعلها منطقة حمراء· كما أن الدولة تركت المجتمع الأهلي لـ (منظمات المجتمع المدني) والتي جاء أغلبها من خارج العراق بدعم مالي أميركي، وهي منظمات تفتقد إلى الخبرة بالمجتمع العراقي، وتفتقد أيضاً إلى الصدق الكامل في خدمة المجتمع العراقي وإنقاذه من الحال المزري الذي هو عليه·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©