الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العصر الإسلامي أبدع في تزيين عالم القهوة بتفاصيل فنية مذهلة

العصر الإسلامي أبدع في تزيين عالم القهوة بتفاصيل فنية مذهلة
21 يونيو 2013 20:54
لم يقيض لشجرة البن أن تلقى ما تحظى به من إقبال المستهلكين على المشروب المصنوع من حبوبها إلا في العصر الإسلامي الوسيط فقبل القرن السابع الهجري «13 م» كانت شجرة البن بزهورها البيضاء وثمارها التي تكتسب لونا مائلا للحمرة حال نضجها مصدرا لعلف الحيوانات أو في أفضل الأحوال كانت حبوبها تستخدم كنوع من المكسرات لدى الأورومو في أثيوبيا إلى أن اكتشف أحد الرعاة مفعولها المنشط عندما رأى قطعانه تثب نشاطا بعد تناول أوراقها وثمارها. أحمد الصاوي (القاهرة) ـ طبقا للروايات التاريخية فإن أول من قام بتحميص حبوب شجرة البن وطحنها ثم استخدام مسحوقها لعمل شراب القهوة هو الصوفي اليمني عبد الوهاب العيدروس، وسرعان ما انتشر شراب القهوة بين المتصوفة لأسباب خاصة تتصل بقدرته المنبهة مما ساعدهم على السهر بغرض مداومة الأذكار. وقد عرف المشروب باسم القهوة وهو أحد أسماء الخمر في اللغة العربية لأنه يقهي النفس أي يمنعها من الطعام. القهوة في أوروبا ورغم أن هذا الاسم الذي يوحي مباشرة لمن لم يتذوقها بأنها الخمر المحرمة على المسلمين قد أعاق انتشار القهوة لبعض الوقت فإن سنوات قليلة مضت من القرن التاسع الهجري «15 م» وإذا بالقهوة تحتل صدارة المشروبات في عالم العصور الوسطى بعدما كان يتم القبض على صانعها ومعاقبته بالغرامة المالية. وبعد تسيدها للمجالس في اليمن ومكة ثم مصر وتركيا العثمانية انتقلت القهوة إلى أوروبا ليفتتح أول مقهى في فيينا عام 1645م. وكما كان للمسلمين وتجارتهم الدور الأكبر في انتشار القهوة حول العالم كانت للفنون الإسلامية إسهاماتها الكبيرة والسخية في التوطيد لهذا المشروب في عالم العصور الوسطى. فقد زودتنا المخطوطات الإسلامية بعدد من الصور لأولى بيوت القهوة أو المقاهي العامة التي كانت تقدم فيها أقداح القهوة للحضور كما صنع «السمكرية» أو صناع المعادن الأواني التي كانت تستخدم في طهو القهوة ثم في تداولها وقام الخزافون بإنتاج الأقداح الخزفية الخاصة بتناولها وأعطوها رونقا رائعا من جمال التصميم والزخارف والألوان. ولم تقف إسهامات الفنون الإسلامية عند ذلك بل تخطته لبيوت القهوة أو المقاهي التي ازدانت دوما بروائع الأثاث من مناضد ومقاعد وثيرة استخدمت في صناعتها الأخشاب والبلاطات الخزفية فضلا عن المنسوجات من أقمشة وبسط ولما لحقت بالمقاهي عادات التدخين كان للفن الإسلامي نصيبه الوافر من المساهمة بمنتجات من الخزف مثل الشبك الذي يوضع به الدخان ثم من الزجاج الملون والمزخرف عندما ذاع استخدام الشيشة أو الأرجيلة « الأركيلة». صور ومن الصور التي تحمل طابعا توثيقيا صورة من مخطوط عثماني يعود للقرن العاشر الهجري «16م» تمثل مقهى وقد حرص المصور على توضيح أن دخول المقهى كان يتم بإذن أو استقبال من شخص مسؤول يقوم بفتح الباب لمن يطرقه ويبدو أن المقهى كان مؤلفا من عدة جلسات من مستويات مختلفة في قاعة أنيقة تزدان جدرانها ببلاطات من الخزف بينما فرشت أرضيتها بالسجاد. ونظرا لارتباط تناول القهوة بالمتصوفة فإن الصورة توضح أشخاصا في طرفها الأيمن يعزفون على آلة وترية يرافقها ناي بينما بوسط الصورة رجل يتلو الأذكار من كتاب على وقع الأنغام بينما انهمك الجميع في تناول القهوة في الأقداح الخزفية. ويبدو واضحا من هذه الصورة أن القهوة كانت تغلى وتوضع في أوان مغطاة ومدفأة بشكل جيد بينما يقوم رجل بصبها في أقداح متوسطة الحجم ويتولى شخص آخر الدوران بالأقداح على الحضور ثم العودة إليهم مرة أخرى لجمع الأقداح الفارغة. وهذا الطابع الخاص بالمقاهي أو بيوت القهوة كان أكثر ملاءمة لمناخ المناطق الباردة مثل تركيا حيث الحرص على توفير الدفء لرواد المقهى وهو ما تنبيء به الألوان الدافئة لملابس الحضور بينما كانت المقاهي أقل فخامة وتطل بجزء كبير منها على الطريق العام في المناطق شبه المدارية مثل مصر وقد رسم البريطاني دافيد روبرتس أحد المقاهي في ضواحي القاهرة خلال القرن 19 م على هيئة بناء بسيط ينقسم لمقدمة في الهواء الطلق وخلفها قاعة ليست بالكبيرة. بيوت القهوة وكانت بيوت القهوة كما أسلفنا ميدانا لتناول التبغ أو التدخين حيث يقوم الرواد بتدخين الشبك، وهو مؤلف من بوصة مفرغة تنتهي بقطعة من الفخار تشبه لحد كبير نهاية الغليون الحالي وبه كان يوضع الدخان وفوقه قطعة من الفحم. ونستطيع أن نلمح ذلك في صورة لمدخنين بمقهى فلسطيني وتعود هذه الصورة لعام 1858 م. ويبدو أن الأقداح التي كانت تقدم بها القهوة عند بداية انتشارها في القرنين التاسع والعاشر بعد الهجرة «15- 16 م» كانت أشبه بالسلطانيات الصغيرة مثلما نرى في صورة المخطوط التركي ولدينا بالعديد من المتاحف العالمية نماذج مختلفة لهذا النوع من الأقداح وأغلبها تعود صناعته لمدينة أزنيك التركية ولاسيما في الفترة بين القرنين العاشر والحادي عشر للهجرة «16 -17 م» وهي تتميز بألوانها الزرقاء البراقة وبرسوم الأوراق والزهور المختلفة وهناك أيضا أقداح أصغر حجما أقرب لفناجين القهوة التركية الحالية وهي عادة من صنع مدينة كوتاهية في القرن الثاني عشر للهجرة «18 م» وهناك أيضا بعض الفناجين من صناعة مدينتي شنكال ومورفت بتركيا وتتميز الأخيرة بوجود رسوم لأشخاص في الأطباق التي كانت توضع بها الفناجين. الطريقة التركية مع انتشار الطريقة التركية في صناعة القهوة والتي تبعد عن الطريقة القديمة في غلي القهوة بشكل تام تغيرت أحجام الأقداح وصغر حجمها لتعرف باسم الفناجين ويعرف الطبق الصغير الذي يوضع به الفنجان باسم الظرف وسرعان ما تراجع دور الخزافين المسلمين لتنتشر فناجين من صناعة النمسا وغيرها من المناطق الأوروبية حتى باتت النوع المفضل لدى المستهلكين حتى داخل تركيا مع بداية القرن العشرين. ولعبت الفنون الإسلامية أيضا دورا مهما في صناعة الأواني المعدنية التي كانت تستخدم لتداول مشروب القهوة فيما يعرف اليوم باسم «الدلة». ويحتفظ متحف فيكتوريا وألبرت بلندن بمنضدة صغيرة من الخشب ولها بالوسط غطاء من بلاطات الخزف الذي اشتهرت أزنيك التركية بصناعته في القرن العاشر الهجري ويغلب على الظن أنها كانت تستخدم لتقديم القهوة الشراب الأكثر شعبية في أرجاء الإمبراطورية العثمانية. وما زالت بعض المتاحف وعلى رأسها متحف الفن الإسلامي تحتفظ بعدد من الأواني التي كانت تطبخ فيها القهوة وجميعها من النحاس الأحمر. طريقة «التكفيت» في البيوت العريقة انتشرت الأواني التي كانت تصنع من النحاس الأصفر أو من البرونز وتزخرف بطريقة «التكفيت» وهي طريقة صناعية وزخرفية إسلامية عريقة يقوم فيها الصناع بحز الزخارف في بدن الإناء الخارجي ثم تملأ تلك الزخارف بأسلاك رقيقة من الفضة يتم الطرق عليها برفق لتملأ الفراغات التي تم حزها مخلفة وراءها تألقا للمعدن الثمين وتباينا لونيا محببا. أما أثاث بيوت القهوة فقد تراوح بين المقاعد الخشنة في المقاهي العادية وتلك الوثيرة في المقاهي الكبيرة والتي كثيرا ما أشار الرحالة الأوروبيون لجمال ألوان أقمشتها التي لا تكاد تخلو من اللون الأحمر بوجه خاص لأنه كان يعتبر منذ القدم من الألوان الملكية والتي تبعث الدفء والحميمية في أجواء الأماكن.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©