الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تشاد والسيناريو المعاد

7 فبراير 2008 00:18
إلى ساعة كتابة هذا المقال، لا يزال الموقف في العاصمة التشادية ''انجمينا'' يكتنفه الغموض وتتضارب المعلومات التي تحملها الفضائيات من هنا وهناك، كما تتضارب التصريحات الصادرة عن مصادر تنتمي إلى حكومة الرئيس ''ادريس دِبي'' ومصادر تنتمي إلى قوات المعارضة تؤكد أن القوات المعارضة قد اجتاحت العاصمة وحاصرت الرئيس في قصره، وأنها على وشك استكمال عملية ''تحرير'' العاصمة، إلى روايات حكومية تؤكد أن القوات الحكومية قد أجلت المتمردين عن العاصمة وأنها تلاحق الآن فلولهم المندحرة· في اعتقادي انه ليس مهماً ما ستسفر عنه معركة العاصمة، والتي وصفتها المعارضة ''بالحاسمة''، ففي مثل هذه الحروب الأهلية العبثية لن تكون هنالك ''معركة حاسمة'' يحدد السلاح نتيجتها لمصلحة أي من الأطراف الأهلية المتقاتلة بضراوة، فـ''النصر النهائي'' لن يتحقق لأي طرف إلا بإبادة الطرف الآخر إبادة كاملة، وهو أمر لم يعد ممكناً لأن المجتمع الدولي بنظمه وقوانينه ومؤسساته، لن يسمح لطرف أن يقصي طرفاً آخر بعد مأساة رواندا التي ما تزال ذكرياتها الأليمه تؤرقها في كل يوم وصباح متجدد· بالنسبة للمسألة التشادية وخاصة من خلال متابعة دقيقة لمسار الصراعات التشادية ومنذ سبعينيات القرن، فإن هذا الذي يجري اليوم في وحول ''انجمينا'' هو سيناريو مؤسف ومؤلم، تكرر وقوعه مرات ومرات على المسرح التشادي أمام أعيننا، ولم يختلف فيه شيء سوى اختلاف أسماء الأبطال اللاعبين على المسرح· فمنذ ذلك الزمان الذي يبدو بعيداً الآن، لم تنعم تشاد عبر العقود بالأمن والاستقرار والسلام الأهلي، إلا لسنوات معدودة هي حصيلة أشهر متقطعة من المصالحات الأهلية والانتخابات الديمقراطية التي فرضها في معظم الأحيان الجيران الأقربون برضا الحامي الأكبر لتشاد المستقلة الجمهورية الفرنسية· فكم من مرة خرجت من رحم الأنظمة التي قامت نتيجة لمصالحة أهلية ما (معارضة ثورية)، بدعوى أن الطرف الآخر المتصالح معها قد خان العهد وخرج عن المبادئ المتفق عليها، ورحلت عن السلطة لتبدأ مرحلة ورحلة جديدة من الاقتتال الأهلي، ولا تعدم أن تجد لها سنداً ودعماً من أحد الجيران، لا عن قناعة بصدق دعواها وثوريتها، ولكن ولأنه وبعد فترة وجيزة من التوافق مع النظام -الذي شارك الجار الشقيق في صناعته، وانتظر أن يقبض الثمن الأخوي- عاد وتنكر له، رغم انه صنعه بيديه لأسباب تخصه هو (الجار) وليس لها علاقه بمصلحة الشعب التشادي الشقيق· هكذا ظل مسلسل التلاعب اللاأخلاقي على مسرح الحياة والسياسة التشادية، يكرر نفسه ويكبر وينمو في ممارساته، حتى امتدت نيرانه إلى دارفور ''وبفضله'' أصبحت مشكلة ''دارفور'' السودانية مشكلة دولية لا تهدد فقط استقرار السودان ووحدته، بل تهدد الأمن والسلم الدوليين بلغة مجلس الأمن والأمم المتحدة؛ وإذا كان في الخرطوم من سعد وابتهج عندما تواترت الأنباء عن سقوط نظام ''ادريس دِبي'' ودخول قوات التحالف العسكري الموحد العاصمة ''انجمينا'' لدرجة تقاطعت حتى مع الموقف الرسمي المعلن من قبل الحكومة (بأنها لا شأن لها بما يجري في تشاد وهي تعتبره شأناً داخلياً)، فإن هذه السعادة تكشف عن جهل وعدم فهم وسوء تقدير لمجريات الأمور تاريخياً في تشاد، فكم من مرة منذ السبعينيات ساهمت وشاركت أنظمة الخرطوم في تغيير وتبديل الأنظمة في تشاد، ثم لم يمض إلا زمن وجيز وأصبح النظام الشقيق الذي صنعناه عدواً لدوداً للسودان؟ الموقف في ''انجمينا'' لا تحسمه معركة حاسمة واحده بقوة السلاح لأن مشكلتها -كغيرها من الدول الإفريقية- كامنة في جذورها الاثنية والقبلية التي عجزت النخبة التشادية عن إيجاد الحل الصحيح لها، وتحقيق التعايش الوطني العادل بين القبائل وبطون القبائل، وأي انتصار يحققه أحد الطرفين (الحكومة ومعارضيها) هو انتصار مؤقت، ولن يجني السودان أي فائدة من انتصار فريق أو هزيمة فريق آخر، لأن الأمور كلها مؤقتة· عبدالله عبيد حسن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©