السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سياسة «الطفل الواحد»... بوادر استياء صيني

20 يونيو 2012
كانت"ما جيهونج"(38 عاماً)، الحامل في شهرها السادس في صحة جيدة، وتتمتع ببنية نحيفة اكتسبتها من عملها في حقول القطن. ولذلك فعندما ظهر عشرة أشخاص تابعين لمكتب التخطيط الأسري أمام منزلها ذات صباح في شهر أكتوبر الماضي، كان من السهل عليها أن تنسل من خلال ثغرة في جدار أسمنتى محيط بمنزلها، وتنطلق هاربة بأقصى سرعتها نحو الطريق الرئيسي. كانت "يانيان" (5 سنوات) الطفلة الأصغر من بين بنتي "ما" وحدها في المنزل مع أمها في ذلك الوقت، مما دفعها للبكاء بشدة والصراخ في فزع بعد أن تركتها أمها وفرت هاربة. وعندما سمع والدها الذي كان في الفناء القريب صوت الصراخ، اندفع راكضاً لداخل المنزل لتهدئة روع ابنته. "لقد حاول والدي أن يؤخرهم واستخدم ذراعيه لتعويقهم"، كان هذا ما قالته الطفلة الشهر الماضي في فناء المنزل المكتظ بالمعدات الزراعية الصدئة، وهي تستعيد ذكريات ذلك الصباح. لم تتمكن"ما" من الابتعاد كثيراً عن المنزل، حيث سرعان ما قبض عليها وأُجبرت على الإجهاض. ولم تتمكن أسرتها من رؤيتها سوى في وقت متأخر من نفس اليوم، وحينها كانت ممددة على سرير في مستشفى مقاطعة "ليجين" وهي تضع لفة من ورق التواليت كمسند تحت رأسها. كان لون وجهها شاحباً وخيط رفيع من الدم المتجمد يستقر تحت خياشيمها،كما تقول حماتها، "جاو هونجينج"، وتضيف"جاو":"لقد أخذوا زوجة ابني في التاسعة صباحاً، وفي الساعة الخامسة مساء كانت قد توفيت". الإجهاض الإجباري وعمليات التعقيم، هي البلاء الذي يترصد نساء هذه القرية الزراعية الوادعة الواقعة في أقصى شرق "النهر الأصفر"، وتحديداً على بعد 200 ميل جنوب شرق بكين. ويُشار إلى أن التطبيق الصارم لقواعد تنظيم الأسرة، ومصادرات الأراضي يمثلان مصدرين من أهم مصادر السخط الواسع ضد السلطات الصينية في هذه المنطقة، سخط ما دفع صحيفة "جلوبال تايمز" ذات الارتباط بالحزب الشيوعي الصيني إلى انتقاد هذه الظاهرة في افتتاحيتها بالقول:"الإنهاء الجبري لحالات الحمل في الأشهر الأخيرة يجب أن يدان ويُمنع". وعند تجولنا في تلك القرية قابلنا مجموعة من الرجال الجالسين أمام أحد مخازن المواد الغذائية، الذين أطلقوا عندما بدأنا الحديث معهم عن حادثة "ما" وابلاً من الشتائم ضد الإجهاض الجبري، وغيرها من الممارسات القسرية التي يمارسها الموظفون في هيئة تنظيم الأسرة الصينية. وأوضح لنا هؤلاء الرجال أن غضبهم لا يرجع لأنهم معارضون للإجهاض معنوياً، وإنما يرجع لتلك الأساليب العنيفة المقترنة بتنفيذ عمليات الإجهاض، والتي تؤدي في بعض الحالات إلى موت المرأة التي يتم إجهاضها. يقول"جي شوكيانج" 42 عاماً التي تعمل صرافة في مخزن المواد الغذائية بالقرية" أنا أؤيد سياسة تنظيم الأسرة، ولكننا لا أؤيد الوسائل التي يتبعونها في تطبيقها". وقال رجل مسن، رفض رغم إلحاح البعض عليه إعطاء اسمه خوفاً من السلطات، أن زوجته قد جرى تعقيمها منذ ما يقرب من 34 عاماً بعد ولادة ابنتهم الوحيدة، وأنه على الرغم من مرور ذلك الزمن الطويل ما زال يشعر بالغضب وقال:" نحن نكره تنظيم الأسرة أكثر من أي شيء آخر، ولا نوافق على هذه السياسة". وعلى الرغم من تلك الشكاوى، يقول المراقبون إن الوسائل التي يتم بها الآن تطبيق سياسة طفل واحد فقط، ووسائل تنظيم الأسرة بشكل عام قد باتت أقل عنفاً مما كانت عليه في الثمانينيات والتسعينيات عندما كانت الاتهامات بالضرب والخطف والقتل التي توجه لموظفي تنظيم الأسرة أمراً شائعاً. ولكن التقدم الذي حصل في هذا الشأن، ليس متساوياً في مختلف مقاطعات الصين. فمقاطعة شاندونج، حيث تقع "ليجين" هي أيضاً مسقط رأس"تشن جوانهينج" المحامي الضرير الذي لاذ بالقنصلية الأميركية منذ بعض الوقت قبل أن يسمح له بالسفر إلى الولايات المتحدة في نهاية المطاف. وكان "تشن" قد أمضى عدة سنوات في السجن وسنتين في الإقامة الجبرية لاعتراضه على الانتهاكات التي تحدث في سياق تطبيق سياسة تنظيم الأسرة والاكتفاء بإنجاب طفل واحد فقط. "فنج جانهوا" لديها طفل عمره 10 سنوات، ولكنها تحتاج لطفل آخر كي يعاونها في العمل في الحقل الزراعي الذي تعتمد عليه في عيشها، خصوصاً وأن سنها قد وصل لـ38 عاماً، وتخشى من أن يكون الوقت يوشك أن يفوتها من حيث القدرة على الإنجاب. وقال رجل كان واقفاً ونحن نتحدث مع "جانهوا": "الناس في المناطق الريفية يحتاجون إلى طفلين على الأقل حتى يساعدوهم في العمل"، قد يكون هذا الرأي صحيحاً بالنسبة للريف. أما في المدن الكبرى فإن تكوين عائلة كبيرة ليس بالشيء الذي يشغل بال الكثير من الصينيين الذين يفضلون أن ينجبوا طفلاً واحداً، حتى يتمكنوا من تربيته تربية جيدة وتوفير الوقت الكافي لهم للعمل وكسب المال. وسياسة إنجاب طفل واحد مطبقة في الصين منذ ما يزيد على ثلاثة عقود ويرجع إليها الفضل كما تقول السلطات الصينية في الحيلولة دون إضافة ما يزيد على 400 مليون نسمة إلى تعداد سكانها. ويشار إلى أن مخططي السياسات الصينيين قد فكروا بشكل جدي خلال السنوات الأخيرة في تخفيف القواعد الخاصة بتنظيم الأسرة، وتطبيق سياسة إنجاب طفل واحد، ومعالجة الخلل بين عدد الذكور والإناث في الصين لصالح الذكور، ولكن البطء الذي يتم به تنفيذ التغييرات التي يتم اقتراحها، يجعل الراغبين في إنجاب أكثر من طفل وليس لديهم الوقت الكافي للانتظار يشعرون بالإحباط. باربرا ديميك ليجين - الصين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم.سي. تي انترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©