الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حافظ وهبة.. نفاه الإنجليز من مصر فعاد إلى لندن سفيراً للسعودية

حافظ وهبة.. نفاه الإنجليز من مصر فعاد إلى لندن سفيراً للسعودية
17 أكتوبر 2017 10:05
في بدايات تأسيس الدولة السعودية الثالثة، ونظراً لعدم توافر الكوادر الوطنية الخبيرة، اقتضت الضرورة أن يستعين مؤسسها المغفور له الملك عبدالعزيز آل سعود بشخصيات نخبوية متخصصة من دول عربية شقيقة ليسهموا معه ومع أنجاله في بناء الدولة العصرية وتوطيد دعائمها وتقديم المشورة اللازمة في الشؤون السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والإعلامية وخلافها. فأدى من تمت الاستعانة بهم المطلوب منهم، وأخلصوا أيما إخلاص للملك المؤسس الذي أبقى عليهم وشرفهم بحمل الجنسية السعودية، ومن بين أولئك حافظ وهبة. تفوق الشيخ حافظ وهبة على كثيرين لجهة الشهرة وحمل الأمانة والتفاني في خدمة أمته العربية والإسلامية، ومصاحبة الملك المؤسس وأنجاله الكرام في تنقلاتهم الخارجية، وهو شخصية مصرية شاءت الأقدار له أن يُبعد عن بلده الأم ويتغرب في بلدان عدة، ويزاول مهناً مختلفة قبل أن يستقطبه الملك عبدالعزيز، ويعهد إليه بأعباء محددة، لما لمسه فيه من خبرة واطلاع واستقامة وغيرة وطنية، معطوفاً على ما سمعه عن سيرته وصولاته وجولاته في ميادين العلم والثقافة. تعريف مختصر الشيخ حافظ وهبة باختصار شديد هو أحد المستشارين السياسيين في ديوان الملك عبدالعزيز، وأول ممثله لدى بلاط السانت جيمس، وأول من حصل على جواز سعودي دبلوماسي، وأحد الذين ساهموا في تأسيس وتطوير النظام التعليمي في الدولة السعودية، ومؤلف كتابين من أفضل الكتب لجهة توثيق أحوال شبه الجزيرة العربية وتاريخه وتقسيماته القبلية والمناطقية وعادات سكانه وتقاليدهم، وسيرة المشاهير من رجالاته وقادته، وتوثيق رحلات الملك عبدالعزيز وإنجازاته، وهما كتاب «جزيرة العرب في القرن 20» وكتاب «50 عاماً في جزيرة العرب». وولد وهبة بن رفاعي وهبة في حي بولاق الشعبي الفقير بالقاهرة سنة 1889 (البعض يورد تاريخاً آخر لميلاده هو 1891) لأسرة محافظة متوسطة الحال. وتقول سيرته الدراسية، إن والده ألحقه بأحد الكتاتيب في سن السادسة فتعلم القراءة والكتابة والحساب ودرس القرآن الكريم، وأكمل حفظه، ثم التحق لبعض الوقت بجامعة الأزهر فمدرسة القضاء الشرعي، حيث درس على يد أئمة معروفين، مثل الشيخ محمد عبده، والشيخ محمد حسنين مخلوف، والشيخ الخضري وغيرهم، لكنه هجر المدرستين ولم يكمل دراسته في أي منهما لأسباب غير معروفة. أما سيرته العملية، فقد جاء فيها أنه عمل بالقاهرة في صحيفة «اللواء» لسان حال الحزب الوطني، الذي أسسه مصطفى كامل عام 1907، والذي يبدو أن وهبة أعجب بأهدافه، وعلى رأسها هدف جلاء الإنجليز عن مصر، خصوصاً وأنهم كانوا يطاردونه بسبب مواقفه منهم إلى أن أجبروه على ترك بلده إلى إسطنبول، حيث اتصل هناك بالمصلح المصري من أصل مغربي «عبدالعزيز خليل جاويش»، الذي كان من رموز الحزب الوطني المبعدين إلى تركيا، بل كان مثل وهبة لجهة كراهيته للإنجليز، وكان يدير صحيفة أسسها عام 1912 تحت اسم «الهلال العثماني». وفي إسطنبول سخر وهبه قلمه للكتابة ضد الإنجليز من خلال هذه الصحيفة. بين تركيا والكويت وبينما هو في تركيا سمع عن تطورات المشوار النضالي للمهاتما غاندي، الذي كان قد بدأه عام 1904 لتحرير بلاده من المستعمر البريطاني، فترك تركيا وسافر إلى الهند لأهداف منها العمل بالتجارة، ومنها أيضاً التعرف على حركة غاندي عن كثب، بدليل أنه مارس السياسة، وهو في بومباي، بل حاول أن يصدر صحيفة باللغة الإنجليزية، بالتعاون مع «شوكت علي» شقيق الزعيم الهندي المسلم «محمد علي»، الذي يحمل أحد شوارع بومباي التجارية القديمة اسمه، لكي يهاجم من خلالها الإنجليز طبقا لما كتبه في جريدة القبس (16/&rlm&rlm&rlm&rlm6/&rlm&rlm&rlm&rlm2007) الباحث الأستاذ يعقوب يوسف الإبراهيم، وهو سليل أسرة تجارية كويتية عملت وأقامت طويلًا في بومباي. غير أن الإنجليز كانوا له بالمرصاد فاعتقلوه ورحلوه إلى الكويت عام 1915 أو 1914 (في قول آخر للمؤرخ الكويتي يوسف الشاهين أن أسرة الإبراهيم استطاعت تهريب وهبة من الهند إلى مدينة «الدورة» في جنوب العراق حيث كان آل الإبراهيم يملكون نفوذاً وبساتين نخيل شاسعة، فعمل هناك في التدريس تحت اسم الملا حافظ). وكان وهبة أثناء وجوده في بومباي تعرف على عديد من تجار الخليج والجزيرة العربية المترددين إلى الهند أو المقيمين بها، ولاسيما تجار الكويت. لذا فإنه حينما حل بالكويت لم يشعر بالغربة، وطاب له المقام بين أبنائها بسبب وجود بعض من سبق له أن تعرف عليه، ممن أخذوه إلى مجالسهم وعرفوه على كبار وجهائهم آنذاك (مثل رائد الإصلاح والنهضة الأدبية يوسف بن عيسى الجناعي، والأديب والمؤرخ وملاح الكويت الأول عيسى بن عبدالوهاب القطامي). ورويداً رويداً ذاع صيت وهبة في الكويت، وتوطدت علاقته مع شيوخها، فصار يحضر مجالسهم واستقبالاتهم لضيوفهم الرسميين، ومنهم الملك عبدالعزيز الذي التقاه للمرة الأولى في إحدى زياراته المبكرة لشيوخ الكويت عام 1916. وبالمثل صار وهبة كثير التردد على المساجد الكويتية، ولاسيما مسجدها الأكبر المعروف بالمسجد الجامع لإلقاء دروس دينية تتخللها دعوات توعوية حول خطر الاحتلال الأجنبي وضرورة مقاومته، وفي الوقت نفسه كان قد تمكن من الحصول على وظيفة معلم للغة العربية في المدرسة المباركية، التي يعترف كثيرون بفضله عليها من حيث مساعدته لمديرها يوسف بن عيسى الجناعي في الإدارة والتطوير. أسباب المغادرة وعن مغادرة وهبة للكويت يقول البعض، إنه تركها من تلقاء نفسه، فيما للبعض رأي آخر مفاده أن الشيخ مبارك الكبير أجبره هو وزميله الشيخ محمد الشنقيطي على ترك الكويت. أما مؤرخ الكويت الأشهر الشيخ عبدالعزيز الرشيد فذكر في الصفحتين 206 و207 من كتابه «تاريخ الكويت» (طبعة 1978 المنقحة) أن الشيخ مبارك استدعى الشيخين الشنقيطي ووهبة إلى قصره ووبخهما بحضور القنصل البريطاني، قائلاً «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه»، مضيفاً: «الكويت بلدي وأنا الحاكم فيها، والذي ينازعني فيها فليس له عندي إلا القتل». ثم وجه كلامه إلى وهبة، قائلاً «إن أبناء المدارس في الكويت يجهرون في الشوارع والأسواق بسب الإنجليز ومدح الألمان، ولا ريب أنهم لصغرهم لا يعرفون إلا ما يلقنه لهم المعلم فصاحب المثل يقول خذ رأي القوم من أسفهها». وبطبيعة الحال نفى الرجلان كل هذه الاتهامات لكن الشيخ والقنصل لم يقتنعا. إبعاد من البحرين وربما لهذه الأسباب ترك وهبة الكويت التي أحبها إلى البحرين، حيث تزامن قدومه إليها مع افتتاح أول مدرسة نظامية للبنين فيها، وهي مدرسة الهداية الخليفية بالمحرق، التي تأسست عام 1919 بتبرعات أعيان البلاد ومباركة حكامها، فعين أول مدير لها. ويقول الوجيه البحريني عبدالرحمن الزياني (طالع الصفحتين 160 161 من كتاب «من ذاكرة البحرين» لعبدالحميد المحادين ـ طبعة 2007 الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر)، إن والده الشيخ عبدالوهاب بن حجي الزياني، الذي كان ضمن لجنة الإدارة الخيرية للتعليم بالبحرين أجـّر أحد منازله لوهبة، وعين شخصاً لخدمته. ويضيف أنه «كان يتصل بالأندية وكانت له أهداف أوسع من التدريس، وربما كانت سياسية بشكل ما»، خاتما حديثه بوصفه بـ «رجل دين وسياسة وتنوير لذا لم يكن الإنجليز راضين عنه»؛ فأبعدوه من البحرين بعد عام واحد فقط من قدومه. وكان إبعاده إلى الهند برفقة البحريني قاسم الشيراوي عضو النادي الأدبي بالمحرق. ويبدو أن وهبة تعرف هذه المرة في بومباي إلى الشيخ عبدالرحمن القصيبي، التاجر النجدي المعروف في الهند ووكيل الملك عبدالعزيز آل سعود في البحرين، الذي نصحه بمكاتبة سلطان نجد آنذاك. فعمل وهبة بالنصيحة وخط رسالة بليغة إلى عبدالعزيز آل سعود يطلب منه فيها الالتحاق بخدمته. ويقال إن الملك عبدالعزيز أعجب كثيراً بأسلوب وهبة فدعاه إلى الرياض التي وصلها عام 1923 للعمل مستشاراً سياسياً في ديوانه قبل أن يوكل إليه مهاماً أخرى على إثر قيام «المملكة العربية السعودية»، وبالتالي حاجتها لتوثيق صلاتها مع المجتمع الدولي والأقطار الشقيقة والصديقة. فمثلاً أوكل إلى وهبة تدريب سمو ولي العهد الأمير سعود على الشؤون السياسية والدبلوماسية، وأوكلت إليه مهمة توثيق العلاقات السعودية ــ المصرية فرافق الأمير سعود في زيارته الأولى لمصر عام 1926. وقبل ذلك بعام كان عين مساعداً للأمير فيصل نائب الملك في الحجاز، فرافق سموه بهذه الصفة إلى الولايات المتحدة في عام 1946 لحضور اجتماعات تأسيس هيئة الأمم المتحدة.  تكليفات رفيعة كان وهبة ضمن أوائل من أوفدوا إلى خارج المملكة لتمثيلها في مؤتمرات أو لافتتاح ممثليات سعودية، خصوصاً في أعقاب تأسيس وزارة الخارجية عام 1930 وتعيين الأمير فيصل بن عبدالعزيز على رأسها. ويشهد على هذا تكليفه بترؤس الوفد السعودي إلى مؤتمر البريد العالمي في لندن سنة 1929، وتكليفه بترؤس الوفد السعودي للبحث مع وزير الخارجية العراقي ناجي شوكت حول الإعداد للقاء الملك عبدالعزيز وملك العراق فيصل الأول على ظهر البارجة البريطانية «لوبن» في سنة 1930، وإيفاده إلى لندن في عام 1930 كأول وزير سعودي مفوض لدى الدولة التي كانت تطارده، وهي بريطانيا التي صار سفيراً معتمداً فيها بدءا من عام 1938 (طالع عبدالرحمن الشبيلي في الشرق الأوسط ـ 2/&rlm&rlm&rlm&rlm10/&rlm&rlm&rlm&rlm2013)، وتعيينه في الوقت نفسه أول وزير سعودي مفوض لدى هولندا، اعتباراً من عام 1931، وإيفاده إلى اليابان في عام 1938 لتأسيس أول اتصال رسمي بين الرياض وطوكيو، وأيضاً لافتتاح أول مسجد في العاصمة اليابانية بضاحية «يويوجي»، وإرساله عام 1943 إلى الولايات المتحدة بمعية الأميرين فيصل وخالد ضمن أول وفد سعودي رسمي إلى هناك. وتم تعيين وهبة عام 1926  مديراً للمعارف السعودية مكلفاً بتطوير التعليم النظامي بسبب خبرته التربوية السابقة. وقد تحدث في كتابه «خمسون عاماً في جزيرة العرب» عن الصعوبات والتطورات التي شهدتها السعودية في مجال التعليم؛ فقال:«لم تكن توجد في البلاد مدارس تذكر في زمن الأتراك، وما وجد منها كان ابتدائياً قليل النفع، ففي إقليم الأحساء لم يؤسس بعد إعلان الدستور العثماني إلاّ مدرسة صغيرة واحدة، ولم يكن الوضع في الحجاز أحسن بكثير، فلما أتى الملك عبد العزيز عمل على نشر العلوم والمعارف، وفتح المدارس، وأنشأ المعاهد العلمية غير عابئ بما لقيه في هذا المضمار من معارضة شديدة وصعوبات جمة». وكان الرجل ضمن من دخلوا الحجاز مع الملك عبد العزيز، فكلفه ببعض الإجراءات التنظيمية. كما كان في سنة 1944 من بين الذين أسسوا المركز الثقافي الإسلامي بلندن. وفي سنة 1959 كان أحد اثنين عينتهما الحكومة السعودية من مواطنيها في مجلس إدارة شركة أرامكو النفطية (الآخر هو الشيخ عبدالله الحمود الطريقي). علاقات دبلوماسية وعائلية وعن الجهود، التي بذلها وهبة لترسيخ العلاقات السعودية الأميركية، والملفات التي أثارها مع الجانب الأميركي يوم أن سافر بمعية الأميرين فيصل وخالد إلى الولايات المتحدة في عام 1943 كمبعوثين من لدن الملك المؤسس، يقول منصور عساف في مقال له بصحيفة الرياض (20/&rlm&rlm&rlm&rlm2/&rlm&rlm&rlm&rlm2015)، إن وهبة بالاتفاق مع الأمير فيصل طالب بأن «يكون التعامل مع المملكة العربية السعودية تعاملاً مباشراً من دون وسيط، وأثار موضوع تأخر الولايات المتحدة في تزويد المملكة بحافلات نقل الحجيج من مركز تموين الشرق الأوسط بالقاهرة، وطالب بسرعة شحن احتياجات المملكة من الأدوية والمواد الطبية الضرورية، كما شرح للجانب الأميركي حاجة المملكة لمنظومة اتصالات لاسلكية من أجل مواجهة أي تهديدات أمنية بالسرعة اللازمة». أما حمزة عليان، فيخبر في القبس الكويتية (4/&rlm&rlm&rlm&rlm1/&rlm&rlm&rlm&rlm2009) عن قصة زواج وهبة في الكويت، فيقول ما مفاده أن الرجل حينما زار الكويت عام 1923 بصفته الرسمية كمستشار في ديوان الملك عبدالعزيز أقام في دار صديقه القديم الشيخ يوسف بن عيسى الجناعي، وأن الأخير اختار له زوجة من الدواسر هي «شيخة حسين المسعود»، التي أنجبت له من الأولاد مصطفى ومن البنات زينب، التي تزوجها الكويتي يوسف راشد بورسلي، وصفية التي تزوجها السعودي عبدالمحسن موسى السيف. كما يذكر أن زوجته شيخة المسعود رفضت الانتقال معه إلى الحجاز، وفضلت البقاء في الكويت مع أولادها تحت ضمانة ورعاية الشيخ يوسف الجناعي ووكيل الملك عبدالعزيز بالكويت الشيخ سعود النفيسي. والمعروف أن وهبة تزوج مرات عدة بعد ذلك، كانت إحداها من السيدة خديجة عبدالله عبدالقادر الجيلاني، التي انجبت له ابنه علي، وهذا توفي، بحسب نعي في صحيفة الأهرام المصرية، في فبراير 2015. أما ابنه الأشهر مصطفى، الذي درس في كلية فيكتوريا بالإسكندرية، وأكمل تعليمه في الاقتصاد بجامعة كمبردج البريطانية وعمل مع والده بممثلية المملكة العربية السعودية في لندن، ثم انتقل للعمل بوزارة الخارجية بجدة، فالمديرية العامة للبترول والمعادن فوزارة المالية، قبل أن يتقاعد ويذهب للعيش في الأردن (موطن زوجته «غادة عزالدين الدجاني»)، فقد  ترعرع في الكويت وعاش سنوات طفولته فيها مع عبدالله الطريقي (أول وزير نفط سعودي)، ثم «افترقا ليلتقيا في نيويورك عام 1948 في اجتماع هيئة الأمم المتحدة، وليفترقا ويلتقيا للمرة الثالثة في شؤون النفط والمعادن، حين عمل مصطفى مع الطريقي مؤسساً ومديراً لمكتب شؤون النفط بالظهران عام 1954» (طالع الحوار الذي أجراه معه «محمد السيف» ونشره موقع إيلاف الإلكتروني بتاريخ 24/&rlm&rlm&rlm&rlm7/&rlm&rlm&rlm&rlm2003). أحيل وهبة للتقاعد عام 1966، وبعد عام واحد انتقل إلى جوار ربه في روما عن 80 عاماً قضاها، كما اسمه، حافظاً للعهد والمسؤولية والأمانة في خدمة الملك المؤسس الذي لم يبخل عليه بدوره بالرعاية والتكريم.  
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©