الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

حكومة المالكي·· وتحديات المهمة المستحيلة

25 مايو 2006
محمد صفر:
السياسة العراقية ينظر إليها في أغلب الأحوال من منظور الانتماءات العرقية والطائفية، لكن أحداث الأشهر الخمسة التي سبقت تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة نوري المالكي، وهي أول حكومة منتخبة في تاريخ البلاد، تعطينا صورة أكثر تعقيدا·
ورغم أن غالبية العراقيين أدلوا بأصواتهم في انتخابات ديسمبر الماضي البرلمانية على أساس طائفي وعرقي، إلا أن الخلافات العقائدية حول دور الإسلام في الحياة العامة والاحتلال الأمريكي والمخاوف الأمنية والاقتصادية والاجتماعية وعملية تطهير الوظائف الحكومية من أعضاء حزب البعث السابق، أضافت المزيد من التعقيدات إلى 'لوغاريتمات' أو مغاليق السياسة العراقية·
تلك الخلافات بين الكتل السياسية، بل وفي داخلها، غالبا ما تتخطى حدود المذاهب الدينية أو الأعراق التي ينتمي لها نواب البرلمان، مما كان له أكبر الأثر في تعطيل تشكيل الحكومة الجديدة التي جاءت ولادتها بعد مخاض عسير استمر 155 يوما·
في بعض الحالات يبدي رجال السياسة ولا سيما العلمانيون اتفاقا أكبر مع سياسيين آخرين من طائفة مغايرة··
مثلا 'الائتلاف العراقي الموحد' الذي يحتفظ بما يقارب الأغلبية في البرلمان يشهد تصادما 'ايديولوجيا' بين العناصر القومية نسبيا وأولئك الذين يطالبون بإقامة فيدرالية إسلامية في الجنوب الغني بالنفط· وتجلت الانقسامات بين الإسلاميين الشيعة عندما اضطر ابراهيم الجعفري الى سحب ترشيحه لرئاسة الوزراء تحت ضغوط هائلة· ولم يقف 'المجلس الأعلى للثورة الإسلامية' - وهو حزب رئيسي ومنافس للجعفري - خلفه، في الوقت الذي زادت عليه ضغوط السنة والأكراد·
وضايق الخلاف أتباع مقتدى الصدر حليف حزب 'الدعوة' الذي ينتمي له الجعفري· ولكل من 'المجلس الأعلى للثورة الإسلامية' والصدر ميليشيات قوية تتنافس على النفوذ في المدن الشيعية العراقية· واشتبك الجانبان لفترة قصيرة في عام 2005 والآن يلقي السنة عليهما باللوم في عمليات القتل الطائفي، وهو اتهام ينفيه كلاهما·
الموزاييك السياسي
لعل هذا الاستعراض السريع 'للموزاييك' العراقي يفسر لماذا تبدو الأشهر الخمسة التي استغرقها الخلاف حول تشكيل حكومة الوحدة الوطنية العراقية الجزء السهل من المهمة، ولماذا تبدو موافقة البرلمان على حكومة نوري المالكي وكأنها بداية 'مهمة مستحيلة' لانتشال العراق من الفوضي بعد ثلاثة أعوام من الغزو الأمريكي والإطاحة بالرئيس السابق صدام حسين·
المالكي نفسه كان أول من اعترف بأن الطريق أمامه ليس ممهدا، بينما تظاهر معظم وزرائه بالشجاعة في مواجهة التحديات الصعبة الماثلة والمقبلة·
الكل يعلم أن الحكومة (37 وزيرا) يتعين عليها محاربة تفشي العنف والفساد وجذب المستثمرين بشكل ما إلى البلاد لإعادة بناء الاقتصاد الذي مزقته العقوبات الاقتصادية والحرب، حيث يعيش أكثر من أربعة ملايين نسمة في فقر مدقع حسب نتائج دراسة دعمتها الأمم المتحدة· ومنذ الغزو في عام 2003 والعراق يترنح من أزمة إلى أخرى مع تصاعد العنف الطائفي· وبسبب تعقيدات الموزاييك السياسي، تعرض المالكي الذي ينتمي إلى 'الائتلاف العراقي الموحد' لضغوط قوية من أجل إرضاء الشيعة والسنة والأكراد الذين تصارعوا على المناصب في الحكومة الجديدة· وكانت معظم المشاكل التي واجهته من الكتلة الشيعية (18 حزبا) التي أوشكت على الانقسام أكثر من مرة خلال المشاورات المضنية، ولم يحفظ لها وحدتها سوى ضغوط الزعماء الشيعة وإيران· وأصر حزب 'الفضيلة' الصغير وإن كان صاحب نفوذ قوي على الانسحاب من مفاوضات التشكيل الوزاري، احتجاجا على خسارته وزارة النفط التي تتمتع بأهمية فائقة في دولة تمتلك ثالث أكبر احتياطي نفطي في العالم·
وفي مؤشر واضح على صعوبة توحيد البلاد اضطر المالكي لإعلان حكومته دون الاتفاق على من يشغل حقيبتي الدفاع والداخلية· ويجري اختيار الوزيرين لاحقا، بعد أن رفضت التكتلات المتصارعة مقترحات الأطراف الأخرى· وربما يؤدي عدم الاتفاق على تسمية الوزيرين في غضون أسبوع وهي المهلة التي حددتها الحكومة إلى تعرضها لأزمة مبكرة·
وخلال مشاورات تشكيل الحكومة رفض السنة المرشح الشيعي لمنصب وزير الداخلية ورفض الشيعة والأكراد المرشح السني لمنصب وزير الدفاع·
والحكومة الجديدة تضم زعماء منتخبين من كل الاتجاهات الطائفية والعرقية والسياسية تقريبا، لكن عنصرين غائبين ربما يشكلان أفضل مؤشر على أولويات الحكومة التي تفتقد أمرين: الأول هو تعيين وزيرين في المنصبين الأمنيين الرئيسيين الداخلية والدفاع·· أما الأمر الثاني فهو افتقاد صفة لها· ولأول مرة منذ أن أطاحت القوات الأمريكية بالرئيس صدام حسين أصبح لدى العراق حكومة لا يلحق باسمها أوصاف مثل 'انتقالية' أو 'مؤقتة'، أو أي وصف آخر من شأنه تقويض سلطاتها او إعطاء ذريعة لعدم التصرف في القضايا الأكثر إلحاحا بالنسبة لسكان البلاد البالغ عددهم 26 مليون نسمة، وهي استعادة الأمن والنهوض بالاقتصاد وتحسين مستوى المعيشة المتدهور والمرافق العامة، وهذا من شأنه تغيير بؤرة تركيز الحكومة بدرجة كبيرة فضلا عن علاقتها مع قوات الاحتلال الأمريكي·
واختيار وزيري الداخلية والدفاع سيعطي مؤشرا أوضح عما إذا كانت الحكومة نفسها قادرة على التغلب على انقساماتها الداخلية· وإثر نجاح المالكي في تشكيل حكومة متعددة الطوائف والأعراق قبل يومين من انتهاء المهلة الدستورية انتعشت الآمال في قدرته على تحقيق اتفاق على أرضية مشتركة، إلا أن الكثيرين يرون أن اختيار من سيشغل المنصبين الأمنيين الشاغرين هو ما سيقدم أفضل إشارة على هذا النجاح· ويتعين على المالكي أن يختار بحرص بالغ حتى لا تمزق الخلافات حكومته·· ودوره الشخصي الذي تعززه مصداقيته - كمجاهد شيعي سري سابق - سيكون مهما في إقناع ابناء طائفته بالتخلي عن الميليشيات وتشكيل قوة شرطة يعتد بها·
تدشين المصالحة
وفي برنامج حكومته السياسي المكون من 34 نقطة، أوضح المالكي أمام البرلمان أن أولوياته هي تدشين مصالحة وطنية وتجنب حرب أهلية انزلقت البلاد نحوها بسرعة في ظل فراغ السلطة الذي أعقب انتخابات ديسمبر الماضي وتحسين الخدمات العامة بمضي الوقت· وثمة توقعات بأنه قد يحاول إرجاء مراجعة البرلمان لبعض القضايا الدستورية ومنها مسألة الحكم الذاتي الإقليمي لتجنب التشتيت، لكن البرلمان ملزم بمعالجة هذه القضايا خلال العام الجاري· ويعرض برنامج المالكي كذلك أولويات اقتصادية وبخاصة فيما يتعلق بتحسين إمدادات الكهرباء· وقد يعمل على تحويل الكهرباء إلى بغداد التي تعرضت إلى عمليات تخريبية كثيرة، لتهدئة المشاعر في المدينة·
وإلى جانب وعيده باستخدام القوة القصوى مع 'الإرهابيين'، تحدث المالكي كذلك عن مد اليد إلى من ينبذون العنف· وقد يكون للإفراج عن بعض المحتجزين من بين نحو 15 ألف سجين في السجون العسكرية الأمريكية من الأساليب السريعة لحشد تأييد السنة· وتعهدت الحكومة في برنامجها بالإفراج الفوري عن المعتقلين دون أمر من محكمة· ويري العديد من المسؤولين العراقيين أن أعدادا كبيرة من المعتقلين الأمنيين في السجون الامريكية لا يشكلون خطرا أمنيا يذكر، وأي طلب بإطلاق سراحهم سيكون اختبارا للعلاقات الجديدة بين العراق وواشنطن· ويعتقد كثيرون من العراقيين أن الوجود الأمريكي ساهم في تعميق الانقسامات الطائفية·· بينما يرى آخرون أن وجود الأمريكيين يحول دون تفكك البلاد وانزلاقها لحرب إقليمية·
وبغض النظر عن مدى الصواب والخطأ في هذه التقديرات، فإن زلماي خليل زاد السفير الأمريكي في العراق أقر بأن 'هناك تحديات هائلة في المستقبل حتى بعد تشكيل هذه الحكومة'·· وأعرب مسؤول أمريكي آخر في بغداد عن اعتقاده بأن هذا العام 'سيحدد مستقبل العراق خلال السنوات القادمة'·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©