الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

مقترح تعديل الدستور الجزائري ·· والإعجاب بنمط الحكم الأميركي

25 مايو 2006

الجزائر- حسين محمد:
طرحت 'جبهة التحرير الوطني' يوم 15 مايو الجاري مسودّة مشروعها لتعديل الدستور الجزائري بعد أشهر من عرض الفكرة على الطبقة السياسية والشارع لجس النبض وقياس ردود الأفعال· ولعل أهم فكرة يدور حولها التعديل المقترح هي السماح لرئيس الجمهورية بالترشح لولايات رئاسية مفتوحة بعد أن كان دستور 1996 يمنع التجديد للرئيس أكثر من مرة واحدة· إلا أن الإشكال الحقيقي هو: هل يسمح الوضع الصحي للرئيس عبد العزيز بوتفليقة بالترشح لولاية رئاسية ثالثة؟
حينما طرح عبد العزيز بلخادم زعيم جبهة التحرير الوطني مقترح تعديل الدستور لأول مرة منذ أشهر، قال إن المبرر الأول لهذه الدعوة هو تحديد طبيعة نظام الحكم في الجزائر؛ فالنظام الحالي لا هو بالرئاسي الخالص على الطريقة الأميركية ولاهو بالبرلماني الصرف على الطريقة الإنجليزية، بل هو خليط بين هذا وذاك، والشعب ينتخب أحزابا على أساس برامج معينة تبدأ بتطبيقها لدى تشكيل الحكومة ثم ينتخب رئيس الجمهورية على أساس برنامج آخر· فأي البرنامجين يطبق في الميدان: برنامج الأحزاب الفائزة بالأغلبية البرلمانية والمشكّلة للحكومة أم برنامج رئيس الجمهورية ؟ ألا يمكن أن يؤدي ذلك إلى تصادم بين الطرفين وبالتالي حدوث أزمة سياسية جديدة بالبلد؟
مخاوف المعارضة
للحؤول دون حدوث أزمة من هذا النوع مستقبلا، يقترح بلخادم إقامة نظام رئاسي خالص على الطريقة الأميركية وإلغاء منصب رئيس الحكومة والعودة إلى منصب الوزير الأول كما كان الأمر قبل عام ،1989 فيصبح الوزير الأول مجرد منسق بين الرئيس والوزراء، ولا يكون له برنامج يطرحه أمام البرلمان للمصادقة عليه بل يسعى إلى تطبيق برنامج رئيس الجمهورية برفقة وزرائه ·· وكفى·
والواقع أن بلخادم لم يطرح هذا الإقتراح إلا حينما لاحظ مدى ميل الرئيس بوتفليقة إليه؛ فقد تحدث رئيس الجمهورية بإعجاب كبير في السنوات القليلة الماضية عن النمط الأميركي في الحكم وغياب الحساسيات الحزبية في حكومة الرئيس واقتصار الصراع الإنتخابي على حزبين إثنين كبيرين·
وأبدت المعارضة الجزائرية وقتها خوفا كبيرا من أن يضيّق الرئيس الخناق على التعددية الحزبية بالبلد ويجعلها مقتصرة على حزبي جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي اللذين يعدان واجهة الحكم في الجزائر فيقتل كل أثر للديمقراطية الحقيقية·
وقد جدد مقترح بلخادم مخاوف المعارضة من التأسيس لنظام فردي مطلق يهيمن فيه الرئيس على الحياة السياسية بشكل مطلق وهو ما ظهرت مؤشراته الأولى في السنوات الماضية حينما كاد بوتفليقة، بشخصيته الكاريزماتية وحضوره الطاغي، أن يلغي دور الأحزاب ويجعل الجهاز التنفيذي والإدارة والتلفزيون مقتصرا على خدمته وتنفيذ مشاريعه ومخططاته·
وتعتقد المعارضة أن مسألة تعديل الدستور لتعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية، ينتابها الكثير من الغموض، وبهذا الصدد يقول الدكتور أحمد بن محمد، وهو شخصية إسلامية معارضة، ل'الإتحاد' إن دستور 1996 منح الرئيس بضعا وأربعين صلاحية، بينما لا يتمتع الرئيس الأميركي سوى ب12 صلاحية فقط، مما يدحض المسألة من أساسها؛ فالرئيس لايفتقر إلى صلاحيات بل يفتقر إلى قوة تطبيقها كلها ميدانيا بعد أن استولى عليها المتنفذون في الحكم· ويرى بن محمد أن تعديل الدستور لن يصب في مصلحة الرئيس بوتفليقة لأن 'المتنفذين' يفكرون في بديل له، وهو ما يترجمه تصريح بلخادم بوضوح بأن الدستور سيعدل سواء قبل الرئيس ذلك أم لم يقبل·
أما جلول جودي، قيادي ب'حزب العمال' المعارض، فيعتقد أن مسألة تعديل الدستور لإقرار نظام رئاسي في البلد لايعد أولوية، والحزب لايؤيد تعديلا لايعزز الديمقراطية والرقابة الشعبية على مؤسسات الدولة والثروات الوطنية التي تنهب بغطاء قوانين جائرة كقانون المحروقات وخصخصة المؤسسات العمومية· ويطالب جودي بالذهاب إلى مجلس تأسيسي لوضع دستور يكرس الديمقراطية والتعددية والحريات العامة·
أويحيى ·· والرئاسة
وتتخوف المعارضة أكثر من مقترح بلخادم بإمكانية ترشح رئيس الجمهورية في كل مرة تنتهي فيها ولايته الرئاسية، لأنه سيجعل بوتفليقة' يجثم' على الحكم مادام على قيد الحياة، بالنظر إلى شعبيته الكبيرة التي اكتسبها بالإستحواذ على وسائل الإعلام العمومية منذ وصوله إلى الرئاسة في أبريل 1999 وإقصاء المعارضة منها نهائيا· ويقول زعماء المعارضة إنه يتعذر عمليا منافسة رئيس يظهر بإستمرار في التلفزيون ويزين للجزائريين عمله طيلة خمس سنوات، بينما لايظهرون هم إلا في الحملات الإنتخابية لمدة 21 يوما· وبمعنى آخر، فإن إقتراح بلخادم سيقتل التنافس تماما على كرسي الرئاسة مادام بوتفليقة حيا يرزق وسيجعل التنافس الإنتخابي مقتصرا على مقاعد البرلمان والمقاعد البلدية والولائية·
والملفت للإنتباه أن معارضة ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية جديدة لايقتصر على أحزاب المعارضة التقليدية في الجزائر، بل حتى التجمع الوطني الديمقراطي، الحزب الحاكم في الجزائر، يعارض ذلك ولكن ليس بصيغة مباشرة ؛ إذ هاجم مولود شرفي الناطق الرسمي للحزب الحاكم إقتراح جبهة التحرير بتعديل الدستور وقال إن ما يهم الجبهة هو استرجاع رئاسة الحكومة من خلال وضع مادة قانونية تلزم رئيس الجمهورية بتعيين'الوزير الأول' من الحزب الحاصل على الأغلبية البرلمانية·
ويذكر بهذا الصدد أن جبهة التحرير هي التي تملك الأغلبية في البرلمان الجزائري، لكنها فقدت رئاسة الحكومة في مايو 2003 حينما أقال الرئيس بوتفليقة زعيمها علي بن فليس من رئاسة الحكومة ردا على ترشحه إلى جانبه في إنتخابات الرئاسة لأبريل 2004 بدل دعم ترشحه لها، وعين بدله أحمد أويحيى خليفة له· وقبلت جبهة التحرير الأمر على مضض خصوصا وأنها دخلت في صراعات داخلية مريرة كادت تعصف بها، ولكنها ظلت فيما بعد تطالب باستعادة رئاسة الحكومة·
ويعتقد متتبعون أن أويحيى يعارض تعديل الدستور وفتح المجال لبوتفليقة للترشح لولاية رئاسية ثالثة، لأنه يأمل أن يترشح هو لإنتخابات الرئاسة المزمع تنظيمها في أبريل ·2009 ومع أن أحمد أويحيى فند هذا الإحتمال من خلال التصريح بأنه' لن يترشح ضد بوتفليقة ' إلا أن الملاحظين فهموا من كلامه أنه يأمل بأن لا يُعدل الدستور حتى لايترشح الرئيس لولاية ثالثة ويفسح له المجال، ولكن إذا ترشح بوتفليقة فلن ينافسه وسيدعمه·
·· ماذا عن صحة الرئيس؟
لكن الملفت للإنتباه في تصريح رئيس الحكومة هو اقتراحه إرجاء تعديل الدستور إلى غاية أواخر ،2008 وإذا أراد الرئيس الترشح لولاية رئاسية ثالثة، فيمكن حينئذ جمع نواب غرفتي البرلمان للمصادقة على تعديل المادة الخاصة بالترشح دون حاجة إلى استفتاء شعبي·
ولفت اقتراح أويحيى انتباه الملاحظين في الجزائر فقال بعضهم إن أويحيى يريد تنبيه بلخادم وكل المتحمسين لتعديل الدستور، إلى أنه من الضروري تأجيل المسألة سنتين أخريين إلى غاية اتضاح الوضع الصحي الدقيق لرئيس الجمهورية بشكل دقيق وكاف ؛ فإذا تبين أن الرئيس قد شفي تماما من مرضه الذي ألم به في 26 نوفمبر 2005 واستدعى اخضاعه لجراحة وفترة نقاهة طويلة، فيمكن حينئذ تعديل الدستور له ليترشح مجددا ، أما إذا انتكس مجددا وساء وضعه الصحي، فلاداعي للتعديل أصلا ويجب الشروع في البحث عن خليفة له يرشحه النظام لتولي رئاسة الجزائر في أبريل ·2009
ويميل أغلب المتتبعين إلى أن أويحيى محق تماما في ملاحظته غير المباشرة ، إذ أن الجزائريين الآن غير مطمئنين فعلا إلى استقرار الوضع الصحي لرئيسهم ويتخوفون من أن لايتمكن حتى من إتمام ولايته الرئاسية الحالية، فكيف بالتفكير في ترشيحه لولاية ثالثة قبل حوالي ثلاث سنوات كاملة من الآن؟!
لكن ربما عمل بلخادم حسابا للأمر من خلال اقتراح تعيين نائب لرئيس الجمهورية ليخلفه في حال حدوث مانع قاهر·· وربما فكر بلخادم أن الرئيس سيعينه هو نائبا له بإعتباره أحد أبرز المقربين إليه·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©