الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوباما … استراتيجية شاملة تجاه أوروبا

21 يونيو 2013 22:56
توماس كلين بروكوف مدير برنامج مستقل أوروبا في صندوق مارشال الألماني بالولايات المتحدة يحتاج أوباما إلى طرح أفكار جديدة حول مستقبل التحالف الأميركي الأهم في العالم المتمثل في الشراكة مع أوروبا. فبعد اختتام قمة دول مجموعة الثماني في إيرلندا، توجه أوباما إلى برلين قبل أيام في أول زيارة رسمية له إلى ألمانيا، وهناك ألقى خطاباً في موقع يرمز إلى الوحدة الألمانية ما بعد الحرب الباردة. والحقيقة أن مسار أوباما من إيرلندا إلى ألمانيا مفهوم وطبيعي بالنظر إلى القوة التي باتت تضطلع بها برلين ضمن العواصم الأوروبية، هذا بالإضافة إلى حاجة الولايات المتحدة لألمانيا وتعاونها لحل عدد من القضايا العالمية التي لن تستطيع أميركا التعامل معها منفردة، وهي قضايا تتنوع بين السرقات الإلكترونية التي تقوم بها الصين، والتعامل مع الملف النووي الإيراني، وفي كل تلك المواضيع تبقى أميركا في حاجة ماسة إلى ألمانيا قوية وسخية تضمن مالياً الدول الأوروبية التي ما زالت تعاني من تداعيات الأزمة الاقتصادية واختلالات أنظمتها السياسية. لكن مع ذلك، وبصرف النظر عما قاله أوباما في خطابه بألمانيا، وتأكيده على الشراكة والتحالف المستمرين على ضفتي الأطلسي، فإن ذلك لن يكون كافياً وحده لتعزيز العلاقة الأميركية الأوروبية خلال القرن الحادي والعشرين، فرغم زيارة أوباما لألمانيا وتأكيده على دورها المحوري لن يكون التقارب الأميركي الألماني بديلا على ضرورة بلورة سياسة أميركية شاملة مع أوروبا التي تبقى الشريك التجاري الأكبر للولايات المتحدة وأهم حليف عسكري لها، بالإضافة إلى ما يقتسمه الطرفان من قيم ديمقراطية مشتركة. فألمانيا ورغم قوتها تبقى محدودة، كما أن طموحها لقيادة أوروبا يصطدم بمدى رغبة الأوروبيين في الخضوع لقيادتها، لذا تحتاج الولايات المتحدة لاستراتيجية شاملة لا تقتصر على برلين وحدها، بل تتخطاها إلى مجمل الفضاء الأوروبي تساعدها على إعادة رسم صورتها في عالم يضج بالتحولات، والسبب أن الظروف التي أنشأت وحافظت على العلاقات الأميركية الأوروبية، وهي من بين أمور أخرى الحرب الباردة وانقسام أوروبا، لم تعد موجودة، ففي تلك الفترة لم يكن من خيار أمام أميركا عدا التحول إلى «قوة أوروبية» طيلة القرن العشرين، وكما لاحظ الأكاديمي، سيمون سرفاتي، فإن كل مشاكل أميركا المكلفة نشأت في الضفة الأخرى للأطلسي من خلال الأفكار والمشاريع الأوروبية التي كان على أميركا استكمالها سواء تعلق الأمر بالحربين العالميتين، أو بالأزمة المالية الحالية، وفي كل تلك الحالات قللت أميركا من شأن الصعوبات الأوروبية والخطورة التي تمثلها على المصالح الأميركية، وهو ما تكرر خلال الأزمة الراهنة، حيث أخطأت أميركا التقدير وتعاملت مع الخلل الاقتصادي على أنه مجرد وعكة مالية عابرة ستكون أوروبا الغنية قادرة على تجاوزها، وتم التعامل مع المصالح الأميركية على نحو ضيق لتُختصر في سؤال كيف للأزمة الأوروبية أن تؤثر على فرص التعافي في الولايات المتحدة، وهو ما يفسر الوفود الأميركية التي كانت تصل أوروبا لتنصح مسؤوليهما بأنهم قادرون على تجاوز الأصعب فقط بضخ الأموال في الدورة الاقتصادية وإنعاش النمو لأن من شأن ذلك تعزيز الاقتصاد الأميركي. ولعل السبب وراء هذه المقاربة الأميركية المبتعدة عن أوروبا تكمن في ظروف ما بعد الحرب الباردة، حيث اعتبرت واشنطن أن أوروبا لم تعد مشكلتها، بل باتت جزءاً من الحل، أو أن الأخطار الأيديولوجية لم تعد موجودة، والحال أنه بعد أربع سنوات من الأزمة الاقتصادية والمالية بدأت الصعوبات تنتقل إلى المجال السياسي، مهددة فكرة الاندماج الأوروبي، وانقسمت أوروبا إلى دول دائنة وأخرى مدينة، وبين الشمال والجنوب، بل حتى صلب الاتحاد الأوروبي المشكل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا بات منقسماً على نفسه مع تباين وجهات النظر الفرنسية والألمانية وتلويح بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبي، وفيما كانت الولايات المتحدة منخرطة في المشاكل الأوروبية وساهمت على نحو فعال في إعادة رسم الخريطة السياسية والمؤسساتية لأوروبا منذ عام 1917، وقامت بعملية توازن دقيقة بين القوى المختلفة، إلا أنها ومنذ انتهاء الحرب الباردة وأفول الاتحاد السوفييتي فضلت الابتعاد على أوروبا، معتبرة أنهما مهمتها أُنجزت بنجاح، لكن اليوم عاد شبح الانقسام والاحتكاك ليطارد الدول الأوروبية، ولو استمرت أميركا في تجاهلها لما يجري من تحولات جوهرية في أوروبا ومصاعبها على المستويين السياسي والمؤسستي فإن ذلك سيرتد عليها ويضرب مصالحها، وربما في هذا الإطار يأتي التحول الأميركي تجاه القارة العجوز، وهو التحول الذي شهدنا ملامحه الواضحة في الشهور الأخيرة مع توجه أوباما للتوقيع على اتفاقية للتجارة الحرة بين أوروبا والولايات المتحدة، مرسلا إشارات قوية على فهمه للدور الأميركي المهم في صنع مستقبل العلاقات المشتركة، لكن شريطة أن يتم التعامل مع اتفاقية التجارة الحرة على أنها ميثاق استراتيجي أكثر منه اتفاقية اقتصادية. فرغم البعد الاقتصادي الوازن للعلاقات التجارية والسوق الاقتصادية الكبرى التي تمثلها أوروبا والولايات المتحدة، وآثاره الإيجابية على النمو الاقتصادي، إلا أن المفاوضات بين الجانبين على تفاصيل اتفاقية التجارة الحرة عليه أن يتجاوز الصراعات الضيقة مثل التفاهم على الدعم الزراعي والمنتجات المعدلة وراثياً وغيرها من الإشكالات، إلى الحديث عن مستقبل الغرب، كما أن على الاتفاقية تحفيز الدول الأوروبية التي يغريها التصرف منفردة مثل بريطانيا إلى إعادة الاندماج في المنظومة الأوروبية، بالإضافة إلى دفع القوى الصاعدة سواء الصين، أو البرازيل أو غيرها إلى توجيه دفة اقتصاداتها ومعاييرها نحو الغرب المنبعث من جديد. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©