الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

أحمد جاريد يزاوج بين العشق والجمال والفلسفة والتأمل

أحمد جاريد يزاوج بين العشق والجمال والفلسفة والتأمل
21 يونيو 2013 23:55
محمد نجيم (الرباط)- في معرضه الفني الجديد، المقام حالياً في مدينة الدار البيضاء المغربية، يقدم الفنان التشكيلي المغربي أحمد جاريد عبر لوحاته محاورة مع الشاعر الكبير عمر الخيام، واستحضار رؤيته الفلسفية وأشعاره المعروفة باسم «الرباعيات». اللوحات المعروضة في المعرض، المقام برواق «لوفت آرت»، تُزاوج بين الجمال والفلسفة والتأمل، وتستحضر عمر الخيام ( 1123-1050)، كعاشق ومُفكر وفيلسوف وزاهد وشاعر متأمل. العودة إلى الخيام وخلال زيارتنا لمعرض الفنان أحمد جاريد سألناه: لماذا العودة إلى عمر الخيام، فكان رد الفنان جاريد: العودة إلى عمر الخيام هي عودة إلى الذات. إعادة زيارة الخيام هي النزول إلى الأعماق. فهذا الشاعر النيسابوري البهيج والمفكر الثاقب الذي يَمْزِجُ شِعْرُهُ بين الجمالية والتأمل ورصيد الخيال الهائل الذي يزْخَرُ به شعره جعل مِنْ مرافقتي له تمريناً فنياً وتحدياً إبداعياً، وهو ما ينسجم ومرجعيتي الفنية التي تقتات من رحيق الشعر والتصوف. والسبب الثاني لزيارتي للرباعيات يرجع ليس لأن الخيام شاعر وفيلسوف أو حتى عالم فلك ورياضي بل لأن جاذبيته تكمن في كونه مجدداً للحياة، وعاشقاً من كعب عالٍ، متعلقاً باللحظة ووَلُوعاً بالحياة. لذلك جاء إبداعه طافحاً بالحكمة. ولم يكن لِيُثْنيِه عن ولَعِهِ هذا كل إغراءات «نظام الملك» ومَلِكْشَاه ولا جاذبية السَّرايا والسلطة التي عُرِضَتْ عليه وعَزَفَ عنها.. ثم ثمة سبب ثالث يبرر الرجوع إلى هذه المعلمة، وهو ضرورة لفت النظر لقيم الحقِّ في الحياة، والحق في الحب والمحبة، والحق في الاختلاف، تلك القيم التي كرَّس الخيام حياته متمسكاً بها، خاصة ونحن في ظرفية تناسل فيها التطرف، وتبخيس نعمة الحياة، والمغالاة في الهجوم على قيم الحب والتسامح». ويضيف «لهذه الأسباب اقتفيت خطى الخيام عبر هذا المعرض الذي دارتِ الأرض حول نفسها تسعمائة مرة كي أُنْجِزَ خلالها مائة قطعة، اخترتُ أنْ أعْرِضَ منها النصف». البحث في الذات وحول العلاقة بين العودة إلى الخيام والعودة إلى الذات في هذا المعرض، قال الفنان أحمد جاريد «عمر الخيام ليس رُفاتاً يَرْقُدُ مع الأموات بل هو حي بيننا، حي في قلوب العشاق والمحبين، وفي أرواح المبدعين. عمر الخيام ليس صورة بل قيمة. لذلك لم يكن يهمني أن أرسم مَشاهِدَ له صحبة عشيقته جيهان أو بورتريهاته.. ليس لأن رسمي هو من نوع الحكائية المضادة (Anti narrative) فحسب، بل لأني لن أقدم بذلك أي قيمة مضافة للخيام أو لتجربته. فالذي يشدني أكثر في تجربة هذا الرجل - راجياً أن يتسع لي صدره - هو تلك الحساسية التي أقتسم معه في مسائل تهم زهده وتواضعه وتهم شفافية الروح وهشاشة الحب.. بهذا المعنى يعيدني الخيام إلى الأعماق. إنه سالك بالمعنى الصوفي. يأخذ بيدنا ليعبر بنا من خارجنا إلى دواخلنا. على هذا الأساس أعتبر إعادة زيارتي للرباعيات هي نوع من البحث عني في الخيام أو بحث عن الخيام الذي فيّ». مديح الصمت ويقول الفنان أحمد جاريد لـ «الاتحاد» في هذا المعرض لا أحكي حكايات عن الخيام وإنما أضع المشاهد في مجازات الرباعيات وفي روحها، وكما يُبْقي الخيام في رباعياته على ما في الحياة من صفوة، أبقي في الرسم على لُبِّ الأشياء. مِنَ التفكيك والتشظي إلى السَّرْد المُضَاد من أجل مَديح الصَّمت ونسيان الجمل البَصَرية الجاهزة. فهناك أيضا ما وراء الخيام. أقصد تبدأ لوْحَتي حيث تصمت الرباعيات، إذْ تكتمل اللوحة عندي حينما تمحو فكرتها. وهذا لا يتم عادة إلا بنِزال، بل بجولات من الهجوم والهجوم المضاد. فاللوحة تقاوِم بالحِصار والمُمَانَعَة وأقاوم بالمحو والتحرش وينتهي النِّزال بتبادل التَّصْفِيات بيننا من غير شهود. إلا أن هذه المرة كان الخيام ثالثنا»، ويتابع «أسعى دائما إلى أن أدفع ببحثي الفني بعيدا في عالم ينزلق فيه كل شيء نحو الفراغ والوحدة عسى أن أنعم بالصفاء وبالضوء وبلحظات صحبة الكروان، صحبة حكيم عمر الخيام». أما الشاعر المغربي ووزير الثقافة السابق، محمد الأشعري فيرى أن الفنان أحمد جاريد في أعماله التي أنجزت في سنوات الثمانينيات، اشتغل جاريد على العتمات، لم يكن السواد في لوحاته لوناً بل نوعا من الليل الفسيح، يزرع فيه بؤراً زخرفية منذورة للعبور، لأن حركتها الأساسية نَيْزَكِيَّة، لذلك فلن نُمسك منها سِوى رحلتها المشتعلة ثم نعود بعدها إلى الليل البهيم. وأثناء ذلك نتعرف على «إقامتها العابرة» أو على «عبورها المقيم». معتبراً أن هذا العلاقة بين البؤرة النيْزَكِيَّة، والهوة السوداء التي تبتلع الأشكال، وبصرنا الذي يمشي في أثرها، سَتُغَذِّي باستمرار مَسار البحث الذي يقوم به الفنان أحمد جاريد على رؤيته الفنية، وهو بحث لا يرتبط فقط بفضاء اللوحة، بل أيضاً بعلاقته بالرؤى الشعرية والفلسفية، وباللغة وبالأبعاد الروحية للإبداع، و لا شك في أن هذا البحث قد قاده إلى الاحتفاظ بفكرة العبور التي تشيد ذاكرة من الكلمات والرؤى على طبقات من المحو.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©