الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشيطان يطلب الإعدام

الشيطان يطلب الإعدام
23 يونيو 2011 19:48
أصيب «رجب» بالملل من حياة الجريمة والتشرد فقد بلغ الخامسة والثلاثين ومنذ نعومة أظفاره وهو لا يعرف غير السرقة التي سبق اتهامه فيها رسمياً أكثر من أربع عشرة مرة تلك التي ألقي القبض عليه فيها وضبطه من قبل المباحث أما التي مرت بسلام فلا يستطيع أبداً أن يحصيها لأنها قد تكون مثل عدد شعر رأسه الغزير، ثم المخدرات التي ابتلي بها وتعاطى جميع أنواعها وأصبح خبيراً فيها. العمر يمر والزوجة والأبناء تزداد احتياجاتهم، وكفاه ما فعل طوال هذه السنين الطويلة، وليس هذا فقط الذي جعله يعيد حساباته بل لأنه لم يعد يملك من متاع الدنيا أقل القليل، وقد امتدت يداه إلى كل ما له ثمن ويمكن أن يباع ولو برخص التراب من أجل الإنفاق على الهيروين الذي أدمنه والذي يحتاج إلى مبالغ كبيرة يوميا بجانب أجره الكبير الذي يحصل عليه من عمله في معرض كبير ومشهور لبيع الحلويات الشرقية، وأسرته تعيش تحت مستوى الفقر بعدة أميال، وهو أسير هذه النزوات التي تتحكم فيه وهو مسلوب الإرادة، لكن لابد أن يقاوم ويتخذ القرار مهما كان مراً وصعباً ويعرف أنه سيقاسي ويعاني وربما فشل كثيراً قبل ذلك في مجرد التفكير في هذه الخطوة، إذ يشعر عند تأخره في تعاطي الجرعة كأن حيات وعقارب تلتهم جسده كله ولا يستطيع أن يصبر أو يتوقف. لكن هذه المرة وجد العوامل التي ستساعده على الإقلاع والتوبة، عندما نصحه صديقه الذي يعمل في محل كوافير للسيدات، بأن يصطحبه إلى «الشيخ أحمد» شاب ملتزم يقوم بتحفيظ القرآن للرجال والأولاد بينما تقوم زوجته بالعمل الدعوي للنساء، وقد تزوج الشيخ أحمد هذه المرأة التي تكبره بأحد عشر عاماً بعد طلاقها من زوجها الأول الذي تركته لسوء سلوكه وقبلت الاقتران بهذا الرجل الذي يحفظ القرآن ويحفظه للناس لتكون في خدمته حيث إنه يعاني شللا في اليدين والقدمين ودائماً يجلس على مقعد متحرك إلا عند النوم، وما كان زواجها منه إلا لخدمته، فمثله يستحق كل التضحية ولو بالعمر كله. شد «رجب» الرحال إلى «الشيخ أحمد» وقد وجد عنده راحة نفسية واطمئناناً، وشجعه قرب المسافة بين مسكنيهما للتردد عليه في معظم الأيام، وبدأ يحفظ القرآن على يديه مع الكثيرين من المترددين، وكانت النتائج طيبة وسريعة واستطاع «رجب» أن يتخطى مراحل الخطر والمعاناة التي كانت تواجهه واستقرت حياته وتغيرت تماماً من النقيض إلى النقيض، واصطحب زوجته وأبناءه الثلاثة إلى مجلس العلم الذي كان مقسوماً ومنعزلا بين النساء والرجال فلا يختلط بعضهم ببعض بل لا يرى بعضهم بعضا، وأطلق «رجب» لحيته اتباعاً للسنة واقتداء بالشيخ الذي اتخذه قدوة، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل أن «رجب» استطاع أن يقنع صديقه الذي دله بأن يترك عمله في تصفيف شعر النساء لأن هذا العمل يعد حراماً على الرجال. وتتوطد العلاقة بين أسرة «رجب» ومعلمه لتصبح علاقة صداقة عائلية، لكن الزيارة من جانب واحد لأن الشيخ لا يستطيع الحركة ولا يخرج من منزله إلا للضرورة القصوى، ثلاث سنوات مضت على هذه الحال، إلى أن وقع ما لم يكن في الحسبان، عندما عثر على الشيخ الشاب وزوجته المنتقبة مقتولين ذبحاً في شقتهما المتواضعة التي تقع في منطقة عشوائية حسب إمكاناته المحدودة. الجريمة البشعة وقعت في وقت صلاة الجمعة عندما كان المصلون منشغلين في الصلاة، وبعدها بحوالي ساعتين تم اكتشافها بعد أن لاحظ بعض المترددين على الشيخ أن باب مسكنه مغلق وهذا لا يحدث إلا بعد العشاء عندما ينصرف كل من عنده، وقد اعتاد ترك الباب مفتوحاً بسبب تردد الكثيرين عليه باستمرار ولأنه لا يستطيع الحركة ولأن زوجته لا تقابل الرجال، كما أن أخته اتصلت به عدة مرات للاطمئنان عليه لكنه لا يجيب ولم يكن ذلك من عادته، فارتاب الجميع في الأمر وقاموا بفتح الباب بعد كسره لتقع عيونهم على المشهد البشع المفزع المؤلم. الزوج على مقعده جثة هامدة والزوجة مذبوحة وغارقة في الدماء وكلاهما في غرفة النوم، تعالت الصرخات من الحاضرين لكن الأعجب ليس الجريمة وإنما لماذا وقعت؟ فالرجل لا علاقة له بأحد إلا في حدود العلم، ومحبوب بدرجة لا توصف، وزوجته لا تتعامل مع رجال ولا نساء إلا بنفس القدر، حتى أنه لا أحد مطلقا من الرجال يعرفها، ولا حتى سمع صوتها، الحزن العميق سكن قلوب كل من يعرفون القتيلين وأسرتيهما والجيران وهم يتعجلون الكشف عن لغز الجريمة البشعة الغريبة. رجال المباحث لم يعثروا في مسرح الحادث إلا على لاصق طبي والجثتين ولا شيء آخر ولا بصمات غريبة، لم يكن هناك دليل واحد حتى لمجهول ما يزيد الأمر تعقيداً والمهمة صعوبة، خاصة وأن كل الذين يترددون على القتيل من الملتزمين، وتم تشكيل فريق بحث على مستوى واسع للوصول إلى الجاني مع انعدام الأمل في الوصول إليه، فهم يبحثون عنه مثل من يبحث عن إبرة في كوم قش كبير. خمسمئة شخص خضعوا للبحث والتحري وجمع المعلومات والاستدلال، كان «رجب» من بينهم لأنه من معارف المجني عليهما، لكنه كان يبكي بحرقة ويبدو عليه الحزن الشديد ولم يكن هناك أي دليل يدينه بل إنه كان يتوعد بالانتقام من مرتكب هذه الفعلة الشنعاء، ويردد تساؤلات متتالية لماذا أقتله وهو صاحب فضل عليَّ؟ من الذي قتله؟ ولماذا؟ وأمام افتقاد الدليل اضطر الضابط لصرفه وأخلاء سبيله بلا اتهام، خاصة وأنه أكد أنه في وقت ارتكاب الجريمة كان في المسجد لأداء صلاة الجمعة. تم فحص موبايل القتيل لمعرفة آخر المتصلين به قبل الجريمة، وكانت المفاجأة أنه تلقى أكثر من مئة وسبعة وثلاثين اتصالا من «رجب» خلال الأربع والعشرين ساعة السابقة للجريمة، فأعاد الضباط استدعاء «رجب» الذي أعاد هو الآخر نفس أقواله، مع الاستنكار الشديد لمجرد التلويح بأنه قد يكون له يد في الحادث، ويتم احتجازه لعدة ساعات لحين انتهاء سماع شخصين آخرين تحوم حول ثلاثتهم الشبهات لكن كلها بلا دليل، وإلى أن تأتي نتيجة تتبع المواقع التي تردد عليها «رجب» من خلال الموبايل، وبعد حوالي أسبوعين من الحدث الجلل كاد رجال المباحث يفقدوا الأمل في التوصل إلى الجاني وقيد الحادث ضد مجهول، ولكن جاءت نتائج فحص الموبايل لتؤكد أنه كان في مسكن القتيل وقت وقوع الجريمة، وكان هذا أول دليل عملي على تورطه فيها خاصة بعد أن تم التأكد من انه كاذب وحدد مكانا آخر وادعى انه كان في المسجد، وفي نفس الوقت تم التوصل إلى المكان الذي اشترى منه اللاصق الطبي ومعه حبوب منومة، وقبل أن يتبادل الضباط التهنئة بالتوصل لحل لغز أصعب جريمة تواجههم، ينهض «رجب» من جلسته، ويندفع نحو الشرفة الزجاجية ويرطم جسده كله بها فيتحطم زجاجها ويصاب بعدة جروح ويصرخ أنا شيطان أعدموني أنا قتلته، لا أعرف لماذا، أنا لا أستحق أن أعيش بعد اليوم. وتتوالى المفاجآت مع اعترافاته إذ انه عاد مرة أخرى لتعاطي المخدرات منذ عدة أشهر، ورجعت إليه سوءاته القديمة، والكابوس الذي تخلص منه ولا يجد ثمن الإنفاق على ملذاته ولا يعرف من اين يأتي بالمال، وضاقت عليه الدنيا بما رحبت في صباح يوم الحادث، وفي التاسعة صباحا أجرى اتصالا بشيخه وتبادل معه التحية وأستأذنه لزيارته فرحب به كالمعتاد، وبعد حوالي ساعة وصل إليه وهو يحمل ثلاث علب من العصير تناول كل منهما واحدة والثالثة للزوجة القابعة في الداخل، لكن كان قد وضع لهما المخدر في علبتيهما، ولم تمض خمس دقائق حتى بدأ الرجل يفقد الوعي فقام بمحاولة خنقه وعندما استغاث بصوت واهن اقتربت زوجته من وراء الستار تسأل عما يحدث فأجابها «رجب» بأن زوجها متعب ويجب أن ينام في الوقت الذي تأكد فيه انه فارق الحياة واندفع إلى الزوجة في الداخل وهجم عليها وقام بذبحها وترك الجثتين في غرفة النوم واستولى على مجوهرات الزوجة وانتظر حتى بدأت خطبة الجمعة وخلا الشوارع تقريبا من المارة وتسلل خارجا واغلق الباب. يضيف القاتل النذل وهو يحاول مرة أخرى أن يرطم رأسه في الحائط، انه باع المجوهرات وانفق نصف ثمنها وتبرع بالباقي. حاول معارف القتيل أن يقتحموا قسم الشرطة للانتقام من المتهم، لكن تم نقله إلى النيابة التي أمرت بحبسه واتهمته بالقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد المقترن بالسرقة، وهي جريمة عقوبتها الإعدام، خاصة مع اعترافه والدليل الدامغ، وإن كان نجا مؤقتا من الموت فتكا على ايدي الغاضبين محتمياً بأسوار السجن فإنه بين لحظة وأخرى يحاول الانتحار.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©