الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مضى عام أيها المفكِّرون

5 يناير 2008 01:27
مضى عام عاش فيه العالم المزيد من الآلام والويلات والبكاء والأنين، وخسر فيه المزيد من موارده البشرية والعمرانية والمستقبلية، ولا يكاد هناك في العالم مكان إلا وطالته أيادٍ عابثة أحرقت بعض أخضره· كان نصيب الخاسرين في منطقتنا العربية والإسلامية كبيراً ومؤثراً؛ في العراق الجديد سالت الدماء مُراقة، والفلسطينيون ما زالوا على حالهم في تشرذم وتمزِّق ممض، واللبنانيون ما زالوا غير متوافقين، بينما إيران تترنح بالنووي الذي عندها، والخليج العربي يقاوم تحديات ذلك· والجوع يفتك بالملايين في أفريقيا وفي دول أخرى، وباكستان شهدت مجزرة اغتيال السيدة الراحلة بينظير بوتو· مبدعون عرب ماتوا غدراً وظلماً وحيفاً، بل مات بعضهم جوعاً، آخرون ينتظرون الموت في كل لحظة بانتظار الصدفة أو السبب القريب للموت· إزاء كل ذلك، إزاء كل صور الظلم والحمق البشري، لا يزال أمام مفكرينا العرب والمسلمين، أكثر من دور بل أكثر من وثبة؛ فالفكر التكفيري قد استشرى في كل مكان بالعالم حتى صار ينقضُّ على الذات والملَّة أكثر مما ينقض على ما يتوجَّب الانقضاض عليه حقاً كالظلم الاجتماعي، والتخلُّف المجتمعي، والتردِّي الحضاري· من تبعات هذا الفكر التكفيري ونتائجه العملية أو الميدانية، أصبح المثقَّف التنويري أو الاعتدالي أو العقلاني، ومنه المثقَّف الدِّيني الوسطي أو المُعتدل، هدفاً مستساغاً للتهميش والملاحقة، بل للقتل وجزِّ عنقه بيسر واسترخاص وامتهان سائغ، ولعل ما يجري، وما زال، بالعراق من قتل للنُّخب المثقَّفة فيه خير دليل على عدوانية قادة الفكر التكفيري الميدانيين· لذلك، تقع على عاتق كل المُبدعين والمثقَّفين والمفكِّرين والفُقهاء والكتّاب وقادة الصناعات الثقافية والإبداعية في عالمنا العربي، ولا يبتعد عن ذلك السياسيون أيضاً، تقع عليهم مسؤولية تاريخية وهم للتو وقد دخلوا عاماً جديداً لا يدري الناس ماذا سيواجهونه في شهوره القادمات من عنف وقتل وتدمير وانقضاض وحشيٍّ على مقدَّراتهم وأمنياتهم· يتطلَّب ذلك بداية، الانقضاض على نزعة المثقَّفين العرب النُّخبوية التي تسم أكثر مشاهدهم الحوارية؛ فما عاد حوار هذه النُّخب في أروقة مقفلة أو مفتوحة على ذواتهم فقط بمجدٍ في وقت تحتاج فيه الجماهير والمجتمع والأمة والمنطقة إلى التحاور معهم وفق مشهد تتنافذ فيه الرؤى حواراً ونقداً متبادلاً، وتتداخل الهموم بحثاً عن الفرج، وتتواصل الأفكار أملاً بأن تُردم الفجوة بين النُّخبة والجماهير، بين المفكِّر وبقية الناس، بين الفيلسوف والطالب الجامعي، بين صانع الثقافات ومستهلكها في دروب الحياة اليومية· مضى عام أيها المفكِّرون، ونحن ندخلُ عاماً آخر، فهل من مُجيب؟ المحرِّر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©