الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إلى كل أب

17 يناير 2011 19:32
لم تذكر من تفاصيل وجهه إلا قسمات حزينة، ولا تذكر ابتساماته، تطفو على ملامحه مساحات حزن غير مبررة تغوص فيها وجنتاه، حينما كانت تندفع نحوه ببراءة الطفولة يشيح بوجهه ويبتعد عن يديها، ويتركها ممتدة في الفراغ، تقلبت في وجعها، ولكن لم تيأس من حنانه، ظلت تأمل عطفه، في حين يزداد هو قسوة وجفاء في كل حين، ترك ندوباً في نفس عطبتها تصرفاته غير الأبوية، ينزعج بسبب ومن دونه، يثور لأقل الأسباب، يقلب الفرح حزناً في دقائق، لا يراعي مشاعرها، لا يحمل هم اندفاعها نحو حبه، يصدها بكل قوة، بل بكل ما أوتي من ذلك، ربما لا يقدر حجم الخسارة والكسور النفسية التي يتسبب لها فيها، الخدش لن يُرى اليوم، لكن حتماً سيظهر فيما بعد. “ النفس البشرية سرداب يصعب إضاءته، ومهما أشعلنا فيه من أنوار يظل مظلما”، هذا ما ردده بعض الاحتصاصيين في علم النفس، وتباعاً فإن ما يتعرض له الأطفال سيفرز مستقبلاً في تصرفاتهم، وهم رجالا ونساء، سيضربون أولادهم كما تعرضوا للضرب، ويعاملون صغارهم كما عوملوا، وما إفرازات اليوم إلا تبعات الأمس، حيث أكدت بعض الدراسات أن الأطفال الذين يأتون من عائلات عدوانية هم الأكثر ميلاً لضرب أطفالهم. في حين أكدت دراسات أخرى أن 95? من من الأطفال الذين يتعرضون للضرب من قبل الآباء والأمهات يكون نتاج انفعال يتناوب الأب أو الأم، يحاولون التنفيس عنها من خلال ضرب الطفل، ولا يكون في الغالب سبب تربوي، كما أكد البحث أن المبالغة في القسوة وعدم الأخذ في الحسبان مشاعر الصغير وإثارة المشاكل أمامه وتضخيمها يجعله يشعر بعدم الأمان، وقد تصيبه نتيجة ذلك أمراض عضوية ناتجة عن القلق، وهو حالة من الشعور الممزوج بالهم والحزن والخوف والضيق، ومن مظاهره: الأرق، الأحلام المزعجة، قلة الرغبة في الطعام أو الشراب، والتوتر، والغثيان، وقد يصاب الإنسان القلق بالصداع، وسرعة النبض، وصعوبة في التنفس، وربما يُمنى ببعض الاضطرابات المعوية، والآلام الأخرى. إن ما يخدش في النفس ويتصدع يصعب علاجه، وما يصدر عن الناس ما هو إلا ترسبات الصغر، فالشتم والسب وتقليل احترام الذات أعمق من الضرب نفسه، فرسائل التخويف والتهديد يترجمها الصغير على أنه غير مرغوب فيه، وتؤكد ماريا مونتيسوري أحد الناشطات لمنع الضرب على أيدي الأطفال أن اليد هي الأداة التي تساعد الطفل على اكتشاف محيطه المعرفي، وإن ضربت هذه اليد فإنها ستكف عن البحث، والآباء الذين يضربون أبناءهم يشعرون بقلة احترامهم لأنفسهم، وهذا يؤدي إلى نتائج عكسية، فالآباء يرغبون في الحصول على حب أولادهم وتقديرهم وليس الخوف والنفور وتقليل الاحترام، وحين يسيطر الغضب تنتقل شخصية الأب إلى أخرى لا يعرفها الطفل، حينها يفقد الصغير الكثير من ثقته بنفسه، وهو الذي في حاجة للحب والتقدير والحرية والنجاح، وهذا لا يكون إلا بحنان أم وعطف أب. lakbira.tounsi@admedia.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©