الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صاحب الشارع المجهول

صاحب الشارع المجهول
21 يونيو 2012
لا يعرف كثيرون عن عبدالحميد سعيد سوى انه اسم أحد شوارع القاهرة، حتى أن البعض طلب تغيير اسم الشارع ذات مرة، بدعوى أن عبدالحميد سعيد لا يستحق ان يوضع اسما لشارع، وربما لهذا السبب انبرى د. إبراهيم شاهين ليضع كتاب “عبدالحميد سعيد.. اسد البرلمان الثائر”. المؤلف استاذ المحاسبة والمراجعة بكلية التجارة، فهو ليس مؤرخا ولا كاتبا بالمعنى الاحترافي، ولكنه ابن اخت عبدالحميد سعيد، واندفع بحمية الأسرة ليذكر الأجيال الجديدة بأهمية وقيمة الدور الذي لعبه “خاله” ولانه تحرك من هذا المنطلق، فقد خصص فصلا يتحدث فيه عن أفراد الأسرة ودورهم النضالي بدءاً من ابراهيم سعيد والد عبدالحميد سعيد الذي كان عضوا في مجلس الشورى زمن احمد عرابي، وكان من العرابيين المخلصين وكاد يعدم بعد فشل الثورة العرابية. نضال ومعارك عبدالحميد سعيد يستحق ان تعرفه الأجيال الجديدة، هو من جيل شغل أفراده بالقضية الوطنية المصرية، وبالحزب الوطني القديم، حزب مصطفى كامل ومحمد فريد وهؤلاء كانت الوطنية لديهم في إطار إسلامي وعروبي واسع، حيث تربوا في ظل الدولة العثمانية وآمنوا بفكرتها، وضم ذلك الجيل أسماء أمثال عزيز المصري وعبدالعزيز جاويش وعلي الغاياتي ومحمد فريد، وهؤلاء جميعا كانوا رومانسيين ومخلصين إلى حد بعيد والتقى عبدالحميد سعيد في شبابه الباكر بالزعيم مصطفى كامل وتأثر به، وفي عام 1908 سافر إلى باريس للدراسة ونيل الدكتوراه في التاريخ المصري، وفي عام 1912 استقبل في منزله بباريس الزعيم محمد فريد بعد هروبه من العسف الانجليزي في مصر، وكاد يقبض على محمد فريد هناك، لكن امكن تهريبه، على النحو المعروف، وبعد ان نال الدكتوراه ترك باريس ليتطوع في الجيش العثماني مقاتلا في منطقة البلقان، حفاظا على دولة الإسلام، وهناك أصيب، ثم عاد إلى مصر ليشارك في القوة العثمانية التي ذهبت تقاتل الانجليز عند قناة السويس، وحين فرض الانتداب على فلسطين طالب بتشكيل جيش عربي وإسلامي يدخل فلسطين بدلا من جيش الانتداب كي يحميها مما يقوم به الصهاينة على أرضها، ثم نفي من مصر ولم يعد إليها الا بعد ثورة 1919 ودخل مجلس النواب، وكان وكيلا له حين كان سعد زغلول رئيسا. ويعدد د. إبراهيم شاهين مواقف ومعارك عبدالحميد سعيد داخل البرلمان المصري، مثل دفاعه عن وحدة وادي النيل - مصر والسودان - ضد محاولات الانجليز لفصل السودان عن مصر، خاصة بعد اغتيال “السيرلي استاك” في القاهرة عام 1924، ومناصرته لحق الشعب الفلسطيني في الحفاظ على فلسطين عربية وإسلامية. العمل الذي يذكر به عبدالحميد سعيد إلى اليوم هو تأسيسه جمعية “الشبان المسلمين” عام 1927 وظل رئيسا لها حتى وفاته في عام 1940، ولعل مجلس إدارة الجمعية فور تكوينها كشف توجه صاحبها، فقد ضم أسماء مثل محب الدين الخطيب، الكاتب السوري والشيخ محمد الخضر حسين وكان تونسي الأصل، وأصبح شيخ الازهر فيما بعد والشيخ عبدالعزيز جاويش أبرز كتاب الحزب الوطني، ورئيس تحرير جريدة “اللواء” بين عامي 1908 ـ 1912 ولعبت الجمعية دورا تربويا واجتماعيا مهما، تمثل في بناء المدارس في أنحاء القطر المصري، وتنمية الآداب والقيم الاسلامية مع الانفتاح على كافة الثقافات، سواء الشرقية او الغربية والأخذ بالصالح منها، وكان من أهداف وخطط الجمعية انها لا تعمل بالسياسة ولا تتدخل فيها، بمعنى أنها ليست حزبا من الأحزاب السياسية التي تتصارع على السلطة وعضوية البرلمان، وهي كذلك ليست فرعا ولا ذيلا لأي حزب، وقد كانت الجمعية دينية تماما، غير ان ذلك لم يمنع الجمعية ومؤسسها عبدالحميد سعيد من الاهتمام بالقضايا الوطنية عموما، لذا لعبت دورا مهماً في إثارة الرأي العام في عام 1929 ابان أزمة حائط البراق بالقدس والذي اراد اليهود الاستيلاء عليه باعتباره أثرا يهوديا قديما وحين قامت الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 لعب عبدالحميد سعيد دورا مهما في الدعوة إلى مساندة أبناء الشعب الفلسطيني ودعم ثورتهم معنويا وماديا، وكان هذا الدور ينسجم مع الهدف الخامس للجمعية وهو العمل على “توثيق الصلات والروابط بين الشعوب الاسلامية والدفاع عن حقوقها ومصالحها كلما استطاعت إلى ذلك سبيلا”، ولهذا السبب انتشرت فكرة الجمعية وأنصارها خارج مصر، فبعد مرور عامين على تأسيسها صار للجمعية عشرون فرعا خارج مصر في سوريا وفلسطين والعراق والسودان وتونس واندونيسيا ونيجيريا وسيراليون، ومازالت الجمعية قائمة الى اليوم، تمارس دورها وان لم يعد لها نفس الوهج والتألق الذي كان لها زمن عبدالحميد سعيد او زمن خلفه فيها صالح حرب. مناقشة طه حسين والحق ان الجزء المتعلق بالجمعية كان يستحق اهتماما أكبر من المؤلف وتعمقا اكثر.. ومشكلة هذا الكتاب أن صاحبه اعده بعين الحب لخاله فقط وليس بعين الباحث او المؤرخ، لذا استفاض في أمور كان يكفي فيها الإشارة، مثل توقفه عند معركة د. طه حسين في البرلمان بسبب كتاب “في الشعر الجاهلي” وراح المؤلف يناقش أفكار وآراء طه حسين في هذا الكتاب والردود عليها وتفنيدها، وكأننا بإزاء دراسة أدبية حول تلك القضية، التي قتلت بحثا وعلاقة عبدالحميد سعيد بها، حيث أنه كان عضوا بالبرلمان وقتها وآثارها مع الذين أثاروها، والمعروف أن أول من أثار مشكلة كتاب “في الشعر الجاهلي” في البرلمان كان الشيخ عبدالحميد البنان وليس عبدالحميد سعيد. ولأن الكتاب أعد بعين الإعجاب والانبهار فقد خلا من الرؤية النقدية وعبر سريعا على أحداث مهمة مثل ذهاب عبدالحميد سعيد إلى الشريف حسين من قبل الخلافة العثمانية ليحثه على عدم الثقة بوعود الإنجليز والعودة ثانية إلى حضن دولة الخلافة، ومثل هذا الأمر لم يكن يكفيه صفحة في الكتاب، بل كان يحتاج الى بحث في الوثائق ومحاولة للتأصيل لان هذه قضايا مازالت آثارها تعيش بيننا إلى اليوم. أهمية هذا الكتاب انه ينبه الباحثين والدارسين، فضلا عن المؤرخين إلى ضرورة الاهتمام بشخصية عبدالحميد سعيد، ويمكن ان يكون الكتاب مادة تعين الباحثين على اعادة دراسة هذه الشخصية التي لعبت دورا في الحياة العامة في النصف الاول من القرن العشرين، صحيح انه لم يكن دورا قياديا في وزن دور مصطفى كامل وسعد زغلول ولطفي السيد وعبدالخالق ثروت ولكن كان دوراً مؤثراً، وفضلا عن ذلك فهناك العديد من التساؤلات حول هذه الشخصية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©