الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاستثمار الجمالي

الاستثمار الجمالي
21 يونيو 2012
ظواهر فنية عديدة فرضت نفسها على المشهد الفني العالمي في العقد الأول من القرن الحالي في مقدمتها ازدهار سوق تداول الأعمال الفنية الذي ترافق مع إقبال واسع جدا من قبل الجمهور على صالات المعارض ما زاد من أسعار اللوحات العالمية بشكل غير مسبوق، إضافة إلى ظهور المراكز الفنية الجديدة في مناطق بعيدة عن عواصم الفن التقليدية كنيويورك وباريس وبرلين نتيجة تزايد الإقبال من قبل الطبقات الثرية وهواة جمع التحف الفنية على اقتناء تلك الأعمال الهامة. الباحثة والأكاديمية الكندية ساره تورنتون في كتابها “سبعة أيام في عالم الفن” والذي صدرت ترجمته إلى العربية مؤخرا عن مشروع كلمة في أبوظبي تحاول البحث في خلفيات تلك الظواهر والكشف عن الجوانب الخفية التي تلعب دورا مهما في تعزيز تلك الظواهر إضافة إلى بيان مدى انعكاس هذا الانتعاش الفني على الفنانين والحركة الفنية في العالم. التيارات الفنية الجديدة لقد ساهم هذا الوضع الجديد في تعزيز الاهتمام بالحركة الفنية وفي ظهور تيارات فنية جديدة باتت تشكل شبكة عنكبوتية تتوزع على مساحة العالم، وتتخذ من العواصم الفنية التقليدية مراكز أساسية لها، دون أن تتوقف عند حدودها، إذ أقامت تجمعات عشاق الفن تجمعات وهيئات خاصة بها في مدن كثيرة من العالم أصبحت تشكل مناطق خلفية لصناعة المنتجات الفنية وترويجها، ما جعل الفنون تتجاوز تلك العواصم في حين بات تجار المنتجات الفنية يلعبون دورا محوريا في السيطرة على سوق اللوحات الفنية والتحكم بها. وتبين الباحثة أن الفن الحديث بات يمثل اقتصادا رمزيا، وعالم الرتب الرفيعة الذي يتأسس وفق شكل نظلم هرمي تحكمه الضبابية والمتناقضات لكنه في الآن ذاته يعتمد في كينونته على التوافق الجمعي إلى جانب الاهتمام بالآراء الفردية والتفكير الناقد والتكيف مع آراء الآخرين، في حين أصبح الخبراء ومديرو المعارض الفنية يتصرفون كالسماسرة الذي يعملون على تحقيق رغبات نظرائهم من أعضاء إدارات المعارض والمزادات الفنية، بينما يسارع جامعو التحف الفنية إلى شراء أعمال حفنة من الفنانين الذين يواكبون آخر صرعات الموضة في عالم الفن، ويقوم النقاد الفنيون بركوب الموجة وقد أحنوا رؤوسهم أمام رياح تلك الصرعات يقابلهم الفنانون الذي لا يملكون أي ضمانة بأنهم سوف يحصدون الجوائز تقديرا لأعمالهم الفنية الجديدة. عالم الفن من الداخل تسعى الباحثة في هذا الكتاب إلى استطلاع جميع المشاكل تلازم عالم الفن مخصصة لكل جانب من تلك الجوانب فصلا خاصا يتضمن تقارير تتحدث عن يوميات كل مدينة من مدن عواصم الفن العالمية بحيث تمكن القارئ من الدخول إلى ذلك العالم الغامض وإدرك خفاياه وأسراره لاسيما ما يجري داخل المؤسسات الفنية التي تشكل حجر الزاوية في عالم الفن من خلال وصف أحداث يوم كامل بالإضافة إلى ما يمكن استخلاصه من بين أكثر من ثلاثين مقابلة شخصية وساعات طويلة من المشاهدة خلف الكواليس. وتكشف في هذا الصدد عن الكيفية التي تم فيها جمع البيانات التي قادتها إلى تأليف هذا الكتاب، الذي تستطلع في الفصلين الأوليين منه العديد من أوجه التناقض والاختلاف في عالم ففي الفصل الذي يدل عليه عنوانه المزاد العلني تصف ما يحدث في أمسية مثيرة داخل إحدى القاعات المخصصة للمزادات العلنية بإشراف مؤسسة كريستيس في نيويورك وبعد أن تستعرض رؤية الناس لتلك المزادات تستعرض وقائع أحداث تلك الأمسية وكيفية إدارة تلك المزادات حيث يتم عرض المنتجات التي يتوقعون تخطيها حدود الأسعار المتوقعة ما يخلق داخل القاعة نوعا من النشاط والحركة في حين يجري التعامل مع المزايدات الأخيرة بشكل أكبر من الجدية وتنقل الباحثة عن أحد الفنانين تفسيره لسلوك الأميركيين في هذه المزايدات بأن الأمريكيين قد اعتادوا التسوق بحيث أصبح التسوق صناعة أميركية في حين أن التفكير لا علاقة لهم به. عالم النقد الفني تتناول الباحثة في هذا الفصل بالدراسة والتحليل الوجه الآخر من وجوه عالم الفن من خلال وقائع ندوة أسطورية جرت في معهد كاليفورنيا للفنون على الرغم من أنه لا يخصص سوى مبالغ مالية متواضعة لتطوير الإبداع الفني، إلا أن الملاحظة المثيرة التي تكشف عنها تتمثل في أن الحصول على درجة الماجستير في الفنون الجميلة من قبل المعاهد والأقسام المتخصصة في الجامعات الكبرى تعد بمثابة جواز السفر للفنانين يتيح لهم سرعة التحرك في عالم الفن. ولعل المفارق الذي تكشف عنه الباحثة أن أحد المبادئ التي تأسس عليها معهد كاليفورنيا للفنون يؤكد أن الطالب الذي يرغب في دراسة الفن غير مطالب بإتقان التقنيات الفنية قبل دخول المعهد الأمر الذي جعل المعهد بسبب تركيزه على الجوانب الإدراكية يهمل تعليم الحرف الفنية والتدريب العملي على الإنتاج الفني في حين تشكل المنتديات الفنية حاضنات للإنتاج الفكر الجماهيري المشترك بين الفنانين في الولايات المتحدة بينما هي أقل انتشارا في أوربا والأماكن الأخرى من العالم. وتخلص الباحثة من خلال معاينتها الوثيقة لواقع المزايدات الفنية وسلوك أصحابها إلى أن هؤلاء التجار ينبغي عليهم أن يستبقوا الأحداث وبذل كل الجهود الممكنة من أجل تسويق المجموعات الفنية التي لديهم لكي تحظى بالصدارة إلا أن التراكم الثقافي الناجم عما تفرزه وسائط الإعلام الكثيرة يجعل تكوين مجموعة فنية أمرا غير عفوي لأنه بات يحتاج إلى مجهودات مضاعفة. وخلال تنقلها بين عواصم الفن المختلفة ترصد وقائع ما يحدث داخل أروقة عالم الفن ومؤسساته ومراسم الفن فتسجل ملاحظاتها وحواراتها مع أصحاب تلك المؤسسات والفنانين كما تتابع نشاط المعارض الموسمية (البينالي) في فينسيا مؤكدة أن البينالي ليس مجرد عرض فني لأنه عرض عملاق يهدف إلى جذب أنظار كل من هو مهتم بالفن في العالم وهناك مؤسسات كبرى تتخصص قي إقامة هذه المعارض كل عامين أو ثلاثة أعوام ويتميز بطابعه الكوني وعدم اقتصاره على ما تشهده المتاحف لكن الملاحظة الأبرز التي تسجلها تتمثل في أن محاولة السيطرة على تلك المعارض تشكل الموقع الأعلى الذي يتنافس على اقتناصه كبار مدراء المتاحف والمعارض حيث تقوم تحالفات وتشابكات وعلاقات مصالح مشتركة بين المتنافسين على رئاسة تلك المعارض. ويظل هذا الكتاب الصادر حديثاً عن مشروع «كلمة» للترجمة في أبوظبي مرجعاً ضرورياً لكل ذواقة وكل مقتنن للأعمال الفنية، ويفيدة أولاً في فهم التيارات الفنية في أصولها وحداثتها، كما يعينه ثانياً على تحديد إختياراته ومقتنياته.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©