الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

منافسات تشارليز وجوليا.. الخرافية

منافسات تشارليز وجوليا.. الخرافية
21 يونيو 2012
قدم المخيال الشعبي للمجتمعات القديمة المتباينة في مستويات وعيها والمتفرقة جغرافيا، الكثير من القصص والحكايات المرويات التي تختلف في طريقة بنائها وسردها واستيحاء شخوصها، وهي قصص وحكايات يمكن أن تتقاطع وتتلاقي في مجملها مع الأبعاد الأخلاقية، واستثمار المناخات الخرافية والأسطورية لتمرير الرسائل التربوية بأسلوب مشوق أو حتى بأسلوب مخيف من أجل تأكيد مقولة ونوايا ودروس هذه الحكايات، خصوصا وأنها في غالبها الأعم تكون موجهة للأطفال المنفتحين على الطيش والتجريب والمغامرة، من أجل ترويض طاقاتهم الفائرة والمتفجرة، والتحكم بها وتوجيهها نحو المهادنة والتوافق مع التعاليم والمعايير الاجتماعية السائدة. الموروث الحكائي العربي زاخر ومزدحم بالكتب والمدونات التي قدمت هذه القصص الخيالية في إطار دراماتيكي مبهر وجاذب للصغار والكبار معا، ورغم دخول عناصر مثل الانتحال والتحوير والتشويه والتشذيب في صياغة هذه القصص وخصوصا تلك الموجهة للأطفال والتي خلدتها كتب مفصلية ومهمة مثل “ألف ليلة وليلة” و”كليلة ودمنة” ، إلا أن ما يغلف هذه القصص ويهيمن على خطوطها العامة هو الطابع الإرشادي الذي يطغى أحيانا على الهدف الأصلي من الحكاية وهو تعزيز خيال الطفل وإثراء ذائقته الجمالية المتداخلة مع مشاعر النفور أو التعاطف مع شخوص القصة سواء أكانوا بشرا أو حيوانات أو مخلوقات متفوقة وخارقة. حكايات تائهة ورغم الإغراءات والمحفزات البصرية الهائلة التي يتضمنها الميراث الشعبي العربي وقصص “ألف ليلة وليلة” و”كليلة ودمنة” وغيرها من المدونات الأسطورية العربية المستفيدة بدورها من خرافات الهند وبلاد فارس وتركيا وبلدان شرق آسيا، إلا أنها ظلت أشبه بالحكايات اليتيمة أو التائهة لأن استثمارها في السينما العربية لم يتم بالشكل الأمثل ولأسباب عديدة تتعلق بضعف التقنية وخوف المنتجين من دخول هكذا مغامرات إنتاجية قد تكون غير مأمونة وغير مجدية أيضا في نظرهم، وعلى العكس من ذلك جاء تجسيد شخصيات أسطورية شهيرة مثل شهرزاد وشهريار والسندباد وعلاء الدين والحيوانات الحكيمة في كتاب ابن المقفع بشكل مشوّه ومبتور في السينما وأفلام الرسوم المتحركة التي قدمها الغرب لنا بطابع مبهر ولكنه فقير ومحدود ومجتزأ في مضمونه ومصداقيته. وفي سياق خصوصية ومرجعية متجذرة ومتداولة تناولت هوليوود ـ وشركة ديزني على وجه الخصوص ـ الحكايات الشعبية الأوروبية القديمة بأمانة ودقة واقتبست تفاصيلها وترجمتها إلى الشاشة بكل زخمها الأسطوري، ولم تغفل الجانب الاستثماري المربح التي تدره هذه النوعية من الأفلام التي تحقق المتعة والتشويق وتحفل بابتكارات مشهدية وتقنيات ومؤثرات بصرية متطورة نقلت لنا وبحرفية عالية أجواء هذه الحكايات الخرافية والافتراضية التي تتجاوز الواقع والمنطق، لكنها في النهاية لم تتخل أو تتنازل عن طاقة الخيال والشغف والبراءة والرعب والفضول والحنين التي صدّرتها هذه القصص وتناقلتها الذاكرة التاريخية وألسنة كبار السن والسطور المنبعثة من رماد النسيان وطفولة الرواية الإنسانية نفسها. ولعل من أشهر الكتب التي وثقت لهذه الحكايات القديمة المهداة على طبق من ذهب لهوليوود هو كتاب الأخوين الألمانيين فلهيلم وجاكوب غريم اللذين نبشا وحققا طويلا في الحكايات الألمانية الشعبية القديمة بين عامي 1812 و1815 وخرجا بكنوز خالدة من المرويات التي وثقاها في كتاب بعنوان: “حكايات الأطفال” وقدما في هذا الكتاب المفصلي الذي ترجم إلى أكثر من 140 لغة شخصيات ما زالت تثير خيال الأطفال والمؤلفين السينمائيين حول العالم مثل: “سنووايت والأقزام السبعة”، و”ذات الرداء الأحمر” و”رابونزيل”، و”سندريللا” و”حكاية البجعات الست”، و”الإوزة الذهبية”، و”الكفن الزجاجي”، و”الضوء الأزرق”، وغيرها من الحكايات الخرافية التي باتت أشبه بأيقونات متوهجة في ليل المخيلة البشرية الطويل والأبدي. منافسة نسائية آخر هذه الاقتباسات السينمائية من كتاب الأخوين غريم تجسدت في فيلمين عرضا هذا العام في توقيت صيفي مشترك وكأنهما أرادا الدخول في منافسة حارة ومحتدمة للظفر بانتباه عشاق هذا النوع من الأفلام حول العالم وللدخول في سباق إبداعي يحدد من هو المنتصر أو المنهزم في هذا المضمار السينمائي الشرس. الفيلمان المقتبسان من حكاية “سنووايت والأقزام السبعة” هما: “مرآتي مرآتي” Mirror Mirror للمخرج الهندي الأصل تارسيم سينج، ومن بطولة جوليا روبرتس في دور الملكة الشريرة، وليلي كولينز ابنة المغني الشهير فيل كولينز في دور سنووايت أو (بياض الثلج)، والفيلم الثاني حمل عنوانا مختلفا هو “سنووايت والصياد” Snow White And The Huntsman ومن إخراج: روبرت ساندرس وبطولة الجميلة تشارليز ثيرون في دور الملكة وكريستين ستيورات بطلة سلسلة فيلم الرعب الرومانسي “توالايت” في دور سنووايت. وكان واضحا أن المنافسة بين الفيلمين لم تقتصر على الأسلوب الإخراجي أو المعالجة النصية للسيناريو، بل هي منافسة امتدت إلى الأدوار النسائية في الفيلمين بين روبرتس وثيرون من جهة وبين كولينز وستيوارت من جهة أخرى، وهي منافسة لها خصوصيتها وقد تؤثر بشكل واضح على إيراد الفيلمين في شباك التذاكر. تتحدث القصة التقليدية للفيلمين عن الأميرة سنووايت التي تفقد والدتها فيقوم والدها الملك بالزواج من المرأة الجميلة (رافينا) التي تقتل الملك كي تستفرد بالحكم وبالسلطة، كما تقوم بسجن سنووايت في قلعة مهجورة كي لا يذكرها أحد من أهالي المملكة، وعندما تهرب سنووايت وتلجأ إلى الغابة يقوم الأقزام السبعة برعايتها والإهتمام بها، كما يقوم صياد وسيم يغرم بها بتدريبها على فنون القتال كي تستعيد تاج والدها المغدور، وفي النهاية السعيدة للقصة تنجح سنووايت في مهمتها رغم كل المخاطر والحيل والمكائد الشيطانية التي استخدمتها الملكة الشريرة بمساعدة مرآتها السحرية. هذا الإطار التقليدي وهذه التفاصيل الشائعة في القصة سيتم تناولهما بزوايا متباينة وبوجهات نظر فنية وموضوعية مختلفة ومتضادة أحيانا في كلا الفيلمين، ففي “مرآتي مرآتي” لا يتبع النص الخيوط المتسلسلة والمتصاعدة في الحكاية الأصلية، بل هو يناور ويلتف على الحبكة كي يقدم حمولاته البصرية الباذخة ولعبته المشهدية المحتشدة بالمؤثرات التي تضخم الحدث الواحد في الحكاية وتجعله مهيمنا على باقي الأحداث، ولذلك كان حضور الملكة التي جسدتها جوليا روبرتس طاغيا على حضور سنووايت ـ الشخصية المحورية في الحكاية الأصلية ـ كما أن الأسلوب الهزلي الذي اتبعه المخرج في تصويره للأقزام السبعة وللمواقف الكوميدية التي حددت طبيعة علاقة هؤلاء الأقزام مع سنووايت ومع الصياد الوسيم خففت كثيرا من وقع المشاهد المخيفة ومن صورة الوحش الأسطوري والسلوك الشيطاني الشرير للملكة في القصة الأصلية، ما جعل الفيلم في النهاية مناسبا للفئة العمرية الأقل من 12 عاما، وهو انطباع أولي سوف يؤثر بشكل واضح على تتبع الفئات العمرية الأكبر للفيلم وعلى مدى تفاعلهم وتجاوبهم مع أجواء الفيلم ومع محتواه السردي. عوالم سحرية في الجهة المقابلة، فإن المخرج روبرت ساندرس وفي أول أعماله السينمائية الطويلة استطاع أن يقدم في فيلم “سنووايت والصياد” مقاربات وتنويعات بصرية فخمة وجامحة تشبه ما قدمه المخرج بيتر جاكسون في سلسلة أفلام “سيد الخواتم”Lord Of The Rings من حيث عدد المجاميع والخدع والإثارة البصرية الذي تمنح الفيلم بنيته الملحمية وبعده الأسطوري والميثولوجي حول الصراع الأبدي بين الخير والشر، وبين البراءة والوحشية وبين الضحية والمستبد، وحافظ الفيلم من خلال النص الذي كتبه كل من إيفان دورتي وجون لي هانكوك على الأساسات الأولية للقصة ولكنه حفل بأجواء داكنة وسوداوية لم تكن موجودة بذات الزخم والتأثير في فيلم “مرآتي مرآتي”، أما تشاليز ثيرون فقد تفوقت في الدور المركب للملكة الشيطانية وحاصدة الأرواح على ما قدمته جوليا روبرتس من أداء عفوي ومتخفف من عنصري الخبث والدهاء البارزين في أداء ثيرون، أما شخصية الصياد فتم تغييرها بشكل كامل في الفيلم حيث نراه خادما للملكة التي تأمره بقتل سنووايت وإحضار كبدها كدليل على وفائه للملكة وكي تتخلص الملكة من آخر المنافسين لها على العرش، بينما استطاعت كريستين ستيوارت في دور سنووايت أن تتفوق هي الأخرى على ليلي كولينز في “مرآتي مرآتي” اعتمادا على الخبرة الأدائية التي اكتسبتها ستيوارت في تقمص الشخصيات المسكونة بالفضول وحب المغامرة والمقاومة أيضا والتي أدتها بإتقان في سلسلة توالايت حول العلاقة المتأزمة بين الكائن الأنثوي البشري وبين مصاص الدماء. استطاع فيلم “سنووايت والصياد” بمزاياه البصرية المبتكرة وعوالمه السحرية وبنيته المتماسكة وعلو كعب الأداء التمثيلي فيه، أن يرتقي بحكاية مقدمة أساسا للطفل كي يمنح المشاهدين الأكبر سنا ما يستحقونه أيضا من حوار بصري وذهني مع ذاكراتهم وخيالاتهم القابعة في اللاوعي، وهي مؤشرات سوف تحقق للفيلم رواجا يستحقه من دون شك، وقد يدفع بفيلم “مرآتي مرآتي” إلى الانسحاب سريعا من هذه المنافسة التي تبدو واعتمادا على المؤشرات الأولى أنها تميل إلى المغامرة الخيالية الموفقة التي قدمها فيلم “سنووايت والصياد” لكل الفئات العمرية ومن دون رهان على شريحة بعينها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©