الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

بشرى الخليل.. تراجيديا الضحك

27 مايو 2006
السعد عمر المنهالي:
يرى الفيلسوف اليوناني 'أرسطو' أن 'التراجيديا' أكثر فنون المحاكاة القادر على تنقية نفوس المتابعين المتلقين للعمل المحكي الممثل أمامهم، فهي تنقي النفس وتعلي الروح بإثارتها الرحمة والخوف بشفقتها على ما يحدث لبطل العمل'··يبدو هذا التعريف مسوّغا للذين ينظرون لمحاكمة الرئيس العراقي 'صدام حسين' أنها رسالة خاصة ليست لتحقيق العدالة الدولية بقدر ما هي محاولة لإثارة رحمة البعض وخوفهم من اقتراف فعل بطل التراجيديا! ولعل عناصر الإثارة في التراجيديا تكتمل في وجود حالة قصوى من الألم، ولأن النساء دائما الأقدر على إثارة هذه المشاعر لدى النفوس بعكس الرجال، كان صراخ المحامية 'بشرى الخليل' في قاعة المحكمة بعد أن طردت للمرة الثانية يوم الثاني والعشرين من مايو الجاري مكملا لعناصر العمل الرئيسية!
استطاعت المحامية اللبنانية 'بشرى أيوب خليل' أن تضيف مذاقا مختلفا لمحاكمة الرئيس العراقي، كون لا احد إطلاقا يمكن أن ينكر أهمية العنصر النسائي في تتبيل كل الأعمال ابتداء بالأدبية وليس انتهاء بالسياسية، ولعل عناصر الإثارة اكتملت بأكثر مما هو متوقع لها، فالمرأة الوحيدة التي تقف في الزاوية المخصصة للدفاع عن المتهمين بإصدار الأوامر بقتل 148 شيعيا من قرية الدجيل عام ،1982 هي أحدى سلالات الأسر الشيعية المعروفة في لبنان -والمولودة في صور بجنوب لبنان منتصف الخمسينات- هي ابنة أخت المرجع الشيعي الشيخ 'محمد تقي الفقيه' الذي كان أستاذا في النجف الأشرف، والذي تتلمذ على يده كبار المراجع الشيعية في العراق ولبنان· ولعل هذه الخلفية الأسرية لم يكن ليلقي لها أحد ذالك البال لولا الحضور الفوضوي الذي ترافق مع وجود المحامية 'بشرى' في قاعة المحكمة·
لم تنأ قاعة المحكمة المحصنة في المنطقة الخضراء في العاصمة العراقية بغداد عن حالة الفوضى العارمة التي تعيشها بلاد الرافدين منذ أن بدأت نشاطها في محاكمة الرئيس العراقي المخلوع 'صدام حسين' في التاسع عشر من أكتوبر عام ،2005 فمنذ اليوم الأول للمحاكمة وحتى الآن شغلت السجالات الرأي العام المتابع للجلسات الخمس والعشرين التي حضرها الرئيس العراقي السابق، فشغل المتابعون بجمل الرئيس وردوده على القاضي، وتحولت قاعة المحكمة التي نصبت لمحاكمة صدام منبرا للزعيم المخلوع لمحاكمة المحتل الأميركي!
بين بيروت وبغداد
لم تكن المحامية 'بشرى' تعرف على هذا النطاق الواسع قبل طردها في الخامس من أبريل العام الجاري 2006 -رغم تأكيدها أنها أول من أعلن من تطوع للدفاع عن صدام حسين في الحادي والثلاثين من ديسمبر عام 2003- غير أنها من الوجوه اللبنانية المعروفة في الجنوب، فبالإضافة إلى أنها من المحاميات المعروفات عنهن أسلوبهن الاستفزازي والصوت الجهوري الذي كان غالبا ما يرج قصر العدل -حسب ما تقوله عنها إحدى زميلاتها- فقد رشّحت نفسها للانتخابات النيابية اللبنانية عام 1996 وعام ،2000 ولم تنجح، بالإضافة إلى مشاركتها في الدفاع عن قضايا مثيرة وحساسة كملف أعضاء الجيش الأحمر الياباني، بالإضافة إلى عضويتها للجنة المتابعة الدولية لرفع الحصار عن العراق والتي شارك فيها كثير من الشخصيات العالمية· غير أن تلك المشاركات الصاخبة للمحامية 'بشرى' لم تكن لتقدمها للمجتمع الدولي كما قدمتها قضية مشاركتها في الدفاع عن الرئيس العراقي صدام حسين·
انهالت وسائل الإعلام المرئية والمقروءة للقاء المحامية والحوار معها بعد جلسة الخامس من ابريل الماضي، بعد أن حاولت -حسب قولها- عرض صور لمعتقلين سجن ابوغريب وهم يعذبون، الأمر الذي أثار القاضي فأمر بطردها من المحكمة، سيما وأنها كانت جريئة في سرد تفاصيل الطرد التي لم تظهر في التلفزيون بسبب قطع البث· وبعد أقل من خمسين يوما تعرضت المحامية من جديد للطرد للمرة الثانية من نفس القاضي 'رؤوف رشيد عبد الرحمن' رئيس المحكمة الجنائية العليا، بعد عشر دقائق فقط من بدء الجلسة بعد محاولتها الكلام ودخولها في سجال معه، تدخل على إثرها 'صدام حسين' لصالح المحامية، فأزداد المكان صخبا بعد أن أمر القاضي بخروجها من القاعة، فصرخت المحامية 'بشرى' في وجه رجال الأمن الذين حاولوا اقتيادها خارج القاعة ونزعت عباءة المحاماة ورميها أمام القاضي، لتصبح نجمة في وسائل تتناقل صورها وكالات الإعلام العالمية·
عفو مع وقف التنفيذ
كان القاضي 'رؤوف رشيد' قد قبل بالتماس هيئة الدفاع للعفو عن المحامية بعد أن طردها في المرة الأولى في الخامس من ابريل، وقررت المحكمة برئاسته صرف النظر عن عقوبة المحكمة بحقها غير أن هذا العفو لا يعتقد انه سيحدث للمرة الثانية، سيما وأن المحامية 'بشرى' لم تتوان عن الإساءة للقاضي أمام وسائل الإعلام، ونعتها له بأنه رئيس 'ميليشيا' وليس رئيس محكمة، كما أنها لم تتردد إطلاقا في القول إن القاضي مستاء لكونها تنحدر من أسرة شيعية عريقة وتدافع عن صدام في قضية قتل شيعة الدجيل!
هلّلت وسائل الإعلام بها وتناقلت حواراتها على الشبكة الدولية، إلا أن 'بشرى الخليل' تقابل باستهجان كبير من كثيرين الذين يتهمونها بأن علاقتها مع الرئيس العراقي صدام حسين وأسرته تمتد لأبعد من إعلانها الدفاع عنه عام 3002 وأنها من المستنفعين من نظامه، غير أنها أكددت مرارا أنها لم تقابل 'صدام' قبل ذلك، وأنها تطوعت كلية دون مقابل للدفاع عنه بهدف قومي، إلا أن منتقديها أكثر بكثير من مؤيديها حتى من داخل الطائفة الشيعية نفسها، الأمر الذي يفقدها إلى حد كبير شرعية داخل العراق وخارجها أيضا·
المثير بالفعل هو غياب الشرعية عن لجنة الدفاع بسبب ممارسات بعض أعضائه وغيابها كذلك عن لجنة الادعاء بل والقضاة أيضا في هذه المحكمة الوطنية، والتي أنشئت بحجة إعطاء فرصة للعراقيين لمعالجة أحزانهم التي تسبب فيها 'صدام حسين'، غير أن ما تأكد بعد مرور مائتين وثلاثة عشر يوما أن فصول المحاكمة ما هي إلا طريقة مستحدثة لاجترار أحزان العراقيين فتضاعفت مأساة أهل الرافدين في تراجيديا متصاعدة تبدو مع طول المحاكمة وكأنها بلا نهاية، وهي تقارب كثيرا أوضاع العراقيين التي تبدو مليودراما مأساوية في قصة بلا نهاية
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©