الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأزمة السورية... وتوتير الساحة اللبنانية

الأزمة السورية... وتوتير الساحة اللبنانية
21 يونيو 2012
على جانبي شارع"سوريا" الشهير في مدينة طرابلس اللبنانية، تخفي البنايات المتداعية وراء جدرانها الكالحة ترسانات من الأسلحة، وجماعات من الشبان الغاضبين المتأهبين لمواجهة أعدائهم عبر الشارع، في الوقت الذي يقوم فيه المراقبون العصبيون بجولات منتظمة على دراجاتهم البخارية، حاملين معهم أجهزة "ووكي توكي" ومستعدين تماماً لطلب التعزيزات إذا ما استدعى الأمر. "نحن متيقظون... نحن أسود"، هكذا قال أحد المقاتلين من حي "جبل محسن"، الذي يقع على مرتفع جبلي يطل على شارع "سوريا" الواقع في وسط المدينة. وأضاف هذا الشاب مفتول العضلات الذي يبدو في الثلاثينيات من عمره، وينظر حوله بعينين يقظتين، ويمسك في يده بجهاز إرسال واستقبال:"إذا هاجمونا فسوف..."، ثم يكمل عبارته بالإشارة إلى عنقه بحركة سريعة قاطعة تحاكي فعل الذبح. في مختلف أرجاء الحي الذي يضم مقاهٍي قديمة متداعية، وتحت واجهات المباني السكنية الأسمنتية الرثة التي اخترقها الرصاص، ترتفع ملصقات كبيرة الحجم لـ"الدكتور بشار"- اللقب الذي يطلقه السكان هنا على الرئيس السوري- يتجمع حولها سكان ينتمون في غالبيتهم للأقلية العلوية التي ينتمي إليها الرئيس. أسفل التل تمتد الشوارع التي لا تقل رثاثة عن حي"باب التبانة" ذي الأغلبية السُنية مثله في ذلك مثل معظم أحياء المدينة، والذي يثير فيه نطق اسم الرئيس السوري عاصفة من السباب والأوصاف الرديئة مثل"قاتل الأطفال... جزار التعذيب... الطاغية". الحديث هنا لا يدور عن مدينة من مدن سوريا التي مزقتها الحرب، وإنما عن مدينة طرابلس أكبر مدن شمال لبنان، التي امتدت إليها عدوى تلك الحرب، حاملة معها سمومها القاتلة.فخلال الشهر الماضي شهدت المدينة مصادمات مرتبطة بالتطورات التي تحدث في سوريا، تطورت إلى حرب مدن تبادل فيها العلويون والسُنة إطلاق النار من المدافع الرشاشة، وقواذف الصواريخ أسفرت عن مصرع 25 شخصاً ووقعت فيها أعمال تخريب وحرق واسعة. لم يتوقف القتال إلا بعد استدعاء قوات الجيش اللبناني النظامي الذي يحظى باحترام- صوري- من قبل الطرفين. اليوم تشهد لبنان هدنة قلقة ليس من المتوقع إلى متى تستمر، خصوصاً وأن الدولة اللبنانية الضعيفة ليس لها على ما يبدو أي خطط مستقبلية غير المحافظة على وقف إطلاق النار من خلال نشر المدرعات في شوارع المدينة المضطربة. من الناحية الظاهرية، توجد العديد من المشتركات بين المنطقتين المضطربتين: فهما منطقتان شعبيتان قديمتان تسكنهما غالبية من أبناء الطبقة العاملة ويعانيان سوياً من الإهمال الرسمي، ويعتبران منطقتين طائفيتين مغلقتين على نفسيهما، ينظر في كل منهما للغريب بحذر وتوجس، ويكادا يخلوان من أي وجود حكومي، ويقوم فيهما رجال الدين والشخصيات السياسية المرتبطة بتشكيلات ماليشياوية بملء الفراغ الناتج عن غياب الدولة. وقد شهدت المنطقتان صراعات ومعارك دامية منذ أيام الحرب الأهلية اللبنانية التي انتهت عام 1990... ويتذكر الكثير من السُنة حملات القمع الوحشية التي كانوا يتعرضون لها أثناء وجود القوات السورية في لبنان قبل أن تنسحب عام 2005 ،مما ترك في نفوسهم مرارة لا تمحى. والآن تجيء تداعيات الصراع في سوريا لتعطي حياة جديدة لتلك المشاعر الدفينة التي ظلت لسنوات تغلي في بطء تحت السطح. القتال الأخير من وجهة نظر العديد من السُنة موجه من قبل الأسد وحليفه "حزب الله" اللبناني وهو ميليشيا شيعية تعتبر القوة المهيمنة في الساحة السياسية اللبنانية. ومن وجهة نظر هؤلاء فإن دمشق ترسل بهذا القتال رسالة مؤداها أن الأسد لن يسقط، قبل أن يشعل جحيم حرب أهلية تكتسح بلاد الشرق الأوسط، وأن على الجميع أن يدركوا فحوى هذه الرسالة. أما سكان جبل محسن فيصرون من جانبهم على أن الميليشيات السُنية تريد ترحيل سكان منطقتهم، العلويين في معظمهم، كجزء من حملة "تطهير عرقي" من أجل خلق" ولاية إسلامية" في شمال لبنان وسوريا المجاورة. يقول محمد أبو دياب (43 سنة)، وهو صاحب مقهى علوي في حي جبل محسن: "إننا نتعرض لهجمات من قبل السوريين والليبيين والقاعدة... والإسلاميون يسعـون من وراء ذلك لأن يتمكنوا من حرية الحركة في كل مكان". السُنة يكذبون ذلك، ويصرون على أنهم يدافعون عن جماعتهم من الفتنة التي تسعى سوريا لزرعها. يقول "أبو خالد"، وهو أحد قادة الميليشيات السُنية: هل ترون أي ليبيين هنا؟ هل ترون أي أحد من الجيش السوري الحر"؟ وسط هذا السجال الذي لا ينتهي، ينتظر السكان المستسلمون لقدرهم اندلاع دورة العنف التالية. وفي الوقت الراهن، تنتشر إشاعات عن وصول أنواع جديدة من الأسلحة داخل "جبل محسن" وباب التبانة وغيرهما، من المناطق المجاورة، التي انضمت لأشقائها السُنة في حصار القلعة العلوية. ولا يعتقد أحد في المدينة أن القتال قد انتهى. "إنه لأمر محزن للغاية"، هذا ما يقوله ربيع محمد صاحب مقهى في جبل محسن الذي يضيف:"بدلاً من الذهاب للمدرسة، كما يفعل الأطفال في كل مكان في الدنيا، يجد أطفالنا أنفسهم مضطرين لتعلم كيفية استخدام الكلاشينكوف". باتريك جيه. ماكدونيل طرابلس - لبنان ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم.سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©