الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حليمة الصايغ: أتمنى أن لا أظل الوحيدة التي تصمم السيوف والخناجر

حليمة الصايغ: أتمنى أن لا أظل الوحيدة التي تصمم السيوف والخناجر
31 يناير 2010 21:01
عرفت حليمة الصايغ حرفة الصياغة التقليدية في ورشة والدها عبدالله الصايغ الذي تخصص في صياغة السيوف والخناجر الذهبية والفضية.. وخلال بحثها الميداني من أجل التوثيق وجدت أن التخصص في مجال إنتاج السيوف والخناجر قد بدأ حين استغنت النساء عن المصاغ التقليدي، فاستُبدلت مكانه المنتجات التي جاءت بتصاميم ونماذج تناسب التطور والازدهار الحضاري والاقتصادي للمجتمع. وواصلت عملها في مجال الصياغة إلى أن افتتحت لها مؤسسة تعنى بتلك الصناعة التراثية الجميلة. ولدت حليمة الصايغ في أسرة حرفية مارست حرفة الصياغة التقليدية اليدوية وتوارث أفرادها صياغة الذهب والفضة ما يقارب 150 عاماً بحسب البحوث التي أجرتها الصايغ. تنقلت أسرتها ما بين أبوظبي والعين ودبي، وفي النهاية استقرت في دبي عام 1950، بعد أن ودعت منشأ الحرفة في مدينة العين والجيمي والمعترض والجاهلي. ولا تزال الصايغ تشعر بالانتماء لتلك المناطق، إذ كانت تكبر في منزل تتوافر فيه قطع عديدة من المجوهرات والحلي. حرفة الأجداد اختزنت ذاكرة الصايغ منذ طفولتها مراحل ومنتجات وأدوات الصياغة التقليدية، وكان والدها لا يفارق ورشته المنزلية من أجل إنتاج القطع الفنية الثمينة من السيوف والخناجر الذهبية. ثم حين أنهت دراستها الجامعية عام 2003 وحصلت على بكالوريوس التربية، كان ثمة ما يشغل بالها، تقول: «كانت ذاكرتي تزدحم بصور أخرى بعيدة عن المجال التربوي والتعليمي، حيث كان للتصميم وصياغة الذهب والفضة مكان خاص في وجداني على الرغم من أن المجتمع لم يشهد تخصص سيدة أو فتاة مهنتها صياغة المجوهرات، أو تحترف هذا المجال». تعود بذاكرتها إلى سنوات خلت، وتقول: «أذكر أنني كنت أشاهد بعض النساء في بيتنا يمارسن تطعيم المجوهرات أو يعملن على قطعة ذهبية، مما عزز لدي فكرة إمكانية عمل المرأة في مجال صياغة السيوف والخناجر، وبما أن أسرتي وجدت بي الشخصية المحبة لحرفة الأجداد، فقد قامت بتسليمي مفاتيح أسرار الصنعة الذهبية، كي أعمل على توثيقها وأقدمها كحرفة إماراتية». غيرة حميدة اتجه الصاغة إلى التخصص في صناعة السيوف والخناجر الذهبية للحكام والشيوخ منذ منتصف القرن العشرين، وخلال زيارات الصايغ إلى بعض المتاحف في الدولة، فوجئت بعدم وجود بيانات أو تفاصيل بين الحرف المعروضة عن حرفة الصياغة التقليدية التي مارسها الحرفيون الأصليون قديما، تقول في ذلك: «أكد لي بعض المسؤولين في تلك المتاحف بأنهم لا يملكون أي معلومات على وجود تلك الحرفة في الإمارات قديما»! تصف حليمة ردة فعلها إثر ذلك وتقول: «ثارت مشاعري وشعرت بغيرة شديدة على حرفة صياغة الذهب والمجوهرات، خاصة أنني أنتمي لأسرة انفردت بين أفراد المجتمع بالصياغة، وبقيت تتوارث بين أفراد العائلة ولكن دون أن يفكر أحد في تدوين المعلومات حولها رغم ما قدمته من إبداعات في الصياغة والتصاميم من خلال إنتاج المصاغ النسائي مثل: المرتعشة والحيول والطاسة والخواتم والمرية والمرامي والفتخ والمحزم وغيرها». تضيف: «أحسست بثمة ما يستثير في داخلي كي أخرج مهنة أجدادنا من بين أطلال الماضي، خاصة بعد أن وفدت الفنون الحضارية العالمية إلى دولة الإمارات بسبب العوامل الاقتصادية والاجتماعية، وما تحملها من معتقدات، وكذلك العوامل السياسية التي مر بها المجتمع الإماراتي، وأيضا لأن والدي تقدم في العمر وتوقف عن العمل وكذلك فعل أبناء عمومته». ثراء التراث جمعت الصايغ كل ماتبقى من منتجات وأدوات الصاغة في ورشة والدها لتكون دليلا وشاهدا ماديا على غنى وثراء التراث المحلي، من خلال هذه الحرفة العالمية التي استخدمت في تنفيذها فنونا تراثية وعربية وإسلامية وغربية، وعمدت إلى حفظ وتجديد حرفة الصياغة التقليدية. تقول: «تميزت المجتمعات القديمة عبر العصور في جميع الحضارات العربية والغربية بوجود صاغة ينتجون مجوهرات الحكام والسلاطين، ولذلك اتخذ المغفور له الشيخ زايد الأول، من جدي عبد الرحمن صائغا خاصا لإنتاج المصاغ لنساء الأسرة الحاكمة، لأنه كان يعمل في مجال تجارة اللؤلؤ وصياغة المصوغات الثمينة ولمهارته في إنتاج: المرتعشة والحقب والخواتم والطاسة». تضيف: «لا أنسى أيضا جدي محمد الذي تخصص في تصنيع مصاغ ومجوهرات حكام دبي آل مكتوم، حيث قام الشيخ حشر بن مكتوم ببناء ورشة خاصة لجدي من أجل التصميم وصياغة الذهب في منزله، لأن سيدات الأسرة الحاكمة لا يخرجن للأسواق». تأكدت الصايغ من خلال الجهات التي كانت تمول تجارة السيوف والخناجر التي أنتجها والدها خلال نصف قرن أنه تم تصديرها إلى دول العالم الغربي، حيث وفدت إليه في الثمانينات من القرن العشرين طلبات من السعودية التي أهدت تلك التحف الفنية الثمينة إلى بعض المؤسسات وكبار الشخصيات والدبلوماسيين في العالم، لأن الحكام كانوا ولا يزالوان يقدمون السيوف والخناجر الذهبية كهدايا رمزية لها دلالتها القيمة وقد علمت أن منتجات والدي قد وصلت إلى أميركا وكندا وأستراليا». الطريق الصحيح تتبوأ الصايغ مكانة مهمة في «نادي سيدات الأعمال» وخلال مشاركاتها في المعارض بتصاميمها الجميلة أدركت أنها تسير على الطريق الصحيح، وقد كانت قبل ذلك مدركة أنها كانت تملك عامل الوعي بأهمية الحرف اليدوية التي كانت مصب اهتمام المنظمات العالمية التي تعنى بالثقافة العالمية مثل «اليونسكو» التي اعتبرت الأسر الحرفية كنوزا بشرية مما عزز في ذاتها الإصرار والثبات لتحدي جميع العوامل من أجل حفظ الإرث التاريخي الذي قد كان قد دفن بين طيات الحضارة الحديثة. تقول: «حملت معول البناء وبدأت في العمل من أجل إخراج ذلك الكنز المعرفي الحرفي لأثري تراث الإمارات قدر إمكاني، معتبرة أن عملي سينتج عنه رسالة علمية تراثية تتضمن فنون الزخرفة، وقد ساعدني والدي في الحصول على المعلومات المطلوبة عن تاريخ حرفة صياغة الذهب والتقنيات التي استخدمت في ورش أسرتي قديما». حددت الصايغ المحاور الأساسية وبدأت في جمع وتوثيق المعلومات، وقامت بتأليف كتاب (فن صياغة السيوف والخناجر في الإمارات) تقول عنه: «إنه عبارة عن دراسات ميدانية وزيارات لمن تبقى من الصاغة القدامى على قيد الحياة، ويعرض للمعلومات الأساسية التي أحاطت تلك الحرفة وأساليبها وزخارفها وكل ما يتصل بها، وذلك بدعم من هيئة الثقافة والتراث بأبوظبي- إدارة التراث المعنوي». قامت الصايغ بخطوة كبيرة تمثلت في تأسيس مؤسسة لإنتاج السيوف والخناجر من خلال تصاميم جديدة مع الاحتفاظ بعراقة وأصالة النماذج الأساسية والأصلية للخناجر والسيوف التي تحمل عبق الماضي، تقول: «يسعدني انبهار السائح العربي والأجنبي بجمال السيوف وتكوينها الفني، ولذلك أنتجنا خناجر ثمينة مزينة بصور تحمل أحجارا كريمة وتصاميم تتناسب والمناسبات الرسمية المهمة. كما عرضت منتجاتي في منطقة «الممشى» في جميرا خلال الاحتفالات بالعيد الوطني ال38 برعاية دائرة السياحة بدبي، وتمسكت بما لدي من علم في حرفة الصياغة اليدوية، وأخطط للمحافظة عليها بدعم من الجهات الحكومية والمنظمات العالمية، خاصة تلك التي تهتم بالحرف التي قاربت على الاندثار والنسيان». فيما تتمنى حليمة الصايغ أن لا تظل الوحيدة التي تعمل في مجال تصميم السيوف والخناجر، وأن تقبل فتيات الدولة على هذا الفن الراقي. إضاءة تخطط الصايغ مستقبلا لتسجيل حرفة صياغة السيوف والخناجر في ملفات «اليونسكو» لحفظها وإدراجها ضمن الحرف اليدوية في الثقافة الإماراتية والخليجية، بعد أن لمست إعجاب وتقدير المجتمع المحلي والعالمي، خاصة أنها الفتاة الأولى التي سارعت للتخصص في مجال تصميم وزخرفة السيوف والخناجر.
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©